فيلم “V for Vendetta” أيقونة ثورية خالدة

“تذكر تذكر الخامس من نوفمبر”! لا يمر يوم الخامس من نوفمبر من كل عام إلا وأجد نفسي جالسًا أمام الشاشة أشاهد هذا الفيلم العبقريّ فيلم “V for Vendetta” مستمتعًا بكل مشهد وكل كلمة فيه كأنني أراه لأول مرة، وكيف لا أفعل وقد أصبح أيقونةً ورمزًا للثورة على كل أشكال الظلم والقهر والطغيان في السنوات الأخيرة! وأصبح القناع الشهير فى الفيلم (قناع جاي فوكس) قاسمًا مشتركًا في كل مظاهرة أو مسيرة أو حركة احتجاجية، وفي كل ثورة اندلعت في هذا العقد في أي مكان في العالم؛ فخلف هذا القناع توجد فكرة، والأفكار لا تُقتل بالرصاص ولا تنزف ولا تُعتقل ولا تُعذب، وإنما تحيا وتنتشر كالنار فى الهشيم.

منذ أربعة قرون في بريطانيا وتحديدًا في الخامس من نوفمبر عام 1605م في عهد الملك جيمس حاول رجلُُ يُدعى “جاي فوكس” تفجير مبنى البرلمان وحث الناس على الثورة ضد الظلم والتمييز والعنصرية. وكانت عملية شهيرة سُميت ب”عملية البارود” أو “مؤامرة البارود”، ولكن أحدهم خانه وغدر به وقُبضَ عليه وعُذّبَ وأُعدمَ. البعض يعتبرونه ثوريًا مناضلًا، والبعض الآخر يعتبرونه إرهابيًا خائنًا ويحتفلون كل عام بذكرى إعدامه.

ها هو الرجل المقنّع “V” في فيلم “V for Vendetta” (الذي تدور أحداثه في المستقبل القريب) يحاول استكمال مسيرة “جاي فوكس” وإيقاظ الناس وحثهم على الثورة ضد نظام الحكم الديكتاتوريّ الفاشي بقيادة المستشار “آدم ساتلر” الذي تولى الحكم وَسط الفوضى والخوف بعد الحرب العالمية الثالثة، وحكم البلاد بالحديد والنار، ويعيش في مخبأ سريّ شديد الحراسة تحت الأرض، ويتواصل مع المواطنين ووزرائه ومساعديه من خلال الشاشات فقط.

يتحكم “ساتلر” في الدولة ويسيطر على المواطنين من خلال خمسة أجهزة رئيسية: فهناك جهاز “الأنامل” وهو البوليس السريّ، ويُطلق عليه أيضًا قسم “الأكياس السوداء” نسبةً إلى الأكياس التي يغطون بها رؤوس المعتقلين الذين يختفون بعدها من الوجود.. وهناك جهاز “اللسان” و هو الآلة الإعلامية القذرة التي تُزيّف الحقائق وتنشر الأكاذيب والخوف وتقوم بغسل عقول المواطنين كل يوم، وهناك أيضًا جهازا “العين” و”الأذن” اللذان يقومان بالتجسس والتنصت على المواطنين في كل مكان، ثم هناك جهاز “الأنف” وهو جهاز المحققين والمفتشين المسؤولين عن التقصّي والتحقيق في القضايا والأحداث.

 

إعلان

يقوم “V” بتفجير مبنى المحكمة العُليا القديم والذي أصبح رمزًا للظلم والفساد بدلًا من أن يكون صرحًا للعدالة والحق، ينسفه في مشهدٍ خالدٍ على أنغام مقطوعة موسيقيّة عظيمة ل”تشايكوفيسكي”. وسواء عليك أكنت توافق على هذا في الحقيقة أم لا فعليك أن تعترف بالشعور الذي يساورك أحيانًا بالرغبة في نسف تلك المؤسسات الفاسدة الظالمة والبيروقراطية حتى ولو بصورة رمزية للتعبير عن سخطك وحنقك.

في صباح اليوم التالي ينجح “V” في نشر خطاب تليفزيوني قصير مسجّل ليراه ويسمعه الناس في كل شارع وكل بيت فى بريطانيا، يحثّهم فيه على الثورة وكسر حاجز الصمت والخضوع والانصياع للأخ الكبير المستشار ساتلر ويدعوهم للوقوف بجانبه. يوم الخامس من نوفمبر من العام القادم أمام مبنى البرلمان الذى سيقوم بتفجيره كما حاول جاي فوكس منذ أربعة قرون مضت؛ فالمبنى ليس إلا رمزًا وكذلك تدمير المبنى هو رمز، ودون التفاف الناس حوله وإعطائه القوة لن يكون له أي معنى على الإطلاق، لكن بوجود العدد الكافي من الناس يمكن لتفجير مبنى أن يغير العالم كله.

ذلك الخطاب العظيم الذى تداولناه جميعًا على مواقع الإنترنت أيام الثورة متأثرين بما به من كلمات تُوقظ الوعي وتُلهب الحماسة وتجدد العزم.

في أثناء ذلك يقابل “V” الفتاة “إيفى” التي كان والداها ناشطين سياسيين قُتلا على يد رجال ساتلر، فيأخذها تحت جناحه ويعلمها ويعدّها بطريقته الخاصة القاسية لتتغلب على خوفها وتتسلم الراية فيما بعد، في نفس الوقت الذي يقوم هو فيه -متقمصًا شخصية “إيدموند دانتيس” في رائعة أليكساندر دوما “الكونت دي مونت كريستو”- بالانتقام من كبار القادة ورجال الحزب الحاكم الذين سجنوه أعوامًا وعذبوه وأجروا عليه أبشع التجارب حتى حولوه إلى الوحش الذي هو عليه الآن مرتديًا قناعًا ليغطي به بشاعة ما فعلوه به.

فيلم “V for Vendetta” يُعتبر حقًا أيقونة للثورة على الطغيان والفساد وعدم المساواة، ولم أر عملًا فنيًا كان له كل هذا التأثير الحقيقي على أرض الواقع من قبل.

قد يُعجب المشاهِد بالقدرات الخاصة لبطل الفيلم، ويستمتع بالطابع الحركي المثير ومشاهد القتال القوية بينه وبين رجال النظام مستخدمًا فنون القتال الآسيوية والخناجر فقط، ولكن المتعة الحقيقية والتأثير الأكبر للفيلم في الأفكار والمعاني والرموز الرائعة التي يطرحها، وفي طريقة تصويره العبقريّة للنظام الفاشي السلطوي الديكتاتوري وكيفية إحكام قبضته وسيطرته على المجتمع، وفي إعطاء نموذج رائع ملهِم لإيقاظ الناس ونشر الوعي بينهم وحثهم على الاتحاد والوقوف في وجه هذا النظام والثورة على الظلم والطغيان، واختزال ذلك في رمز بسيط ومعبر جدًا وهو القناع الذي يرتديه الجميع فلا تستطيع أن تعرف إذا كان مَن خلف القناع صغيرًا أم كبيرًا، أبيضًأ أم أسودًا، رجلًا أم امرأةً، ولكن فقط تعرف الفكرة التي خلف القناع.

ذلك القناع الذي ارتداه بعد ذلك ملايين الشباب يملؤهم الأمل والعزم على انتزاع حريتهم وحقوقهم وتغيير عالمهم لعالم أفضل. وتبقى الرسالة الخالدة القوية للفيلم أن الناس لا يجب أن يخشوا حكومتهم، بل حكومتهم هي التي يجب أن تخشاهم.

نرفع القبعة للممثل القدير المتمكن جدًا “هيوجو ويفينج” على أدائه لشخصية “V” من وراء القناع طوال الفيلم بالكامل؛ حيث استطاع أن يُوّصل لنا كل هذه الرسائل والأفكار والمشاعر ببراعة شديدة بصوته وحركات جسده فقط، وأيضًا الممثلة الرائعة “ناتالي بورتمان” التي قامت بأداء دور “إيفي” ببراعة شديدة وأضافت إلى الفيلم عمقًا وقوة، كما نُشيد أيضًا بالممثل الإنجليزيّ المخضرم “جون هرت” الذي قام بأداء شخصية المستشار الأعلى “آدم ساتلر” في غاية التمكن والإتقان.

 

الفيلم مأخوذ من مجموعة قصصية مصورة صدرت فى أواخر الثمانينيات بنفس العنوان للكاتب الكبير “ألان مور”، والسيناريو والحوار الرائعان للفيلم كانا للأخوان “واتشاوسكي” اللذان قدما لنا من قبل أفلام “ماتريكس” الشهيرة التي أحدثت ثورة في عالم السينما وقتها، وها هما يقدمان ثورة أُخرى في هذا العمل الفنيّ العظيم من إخراج “جيمس ماكتيج” الذي كان مساعدًا لهما في إخراج أفلام ماتريكس أيضًا.

فيلم “V “for Vendetta كان معدًا لصدوره في يوم الخامس من نوفمبر سنة 2005م ولكن حالت بعض العقبات الإنتاجية دون ذلك وتم تأجيله لشهر مارس 2006م حيث عُرض وحصل على تقييم عام 8.2 على موقع IMDB بالإضافة إلى تقييم نقديّ 73% على موقع Rotten Tomatoes.

قد يكون العمل الفنيّ خيالًا علميًا وقد يكون غير حقيقي، ولكن كما قال والد “إيفي” في الفيلم:

“الفنانون يستخدمون الكذب لقول الحقيقة وإظهارها، بينما الساسة يستخدمون الكذب لإخفائها”.

لينك فيلم “V for Vendetta” على موقع imdb.

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: هيثم عثمان

تدقيق لغوي: دعاء شلبي

اترك تعليقا