فيلم Frozen والمرض النفسيّ
تسعةُ أسباب وراء كون فيلم Frozen التمثيلَ المثالي لما هو الحال بالنسبة لمن يعانون من أمراضٍ نفسية
يتربَّع فيلم Frozen على عرشِ أفلام شركة ديزني -من وجهةِ نظري. فبطلةُ الفيلم إلسا هي المحاربةُ المثاليةُ التي اتخذتُها مَثَلي الأعلى؛ فأنا أتطلّع إليها كلما أرهقني وضعي النفسيّ. والسببُ وراء إعجابي بها هو إيماني بأنّ صراعها ومعاناتها مع قواها الخارقة يمثلُ ما هو أهمُّ وأشمل؛ فهذه المعاناة تمثل ثُلَّةً من الاضطراباتِ النفسية. كما وأنّ هذا الفيلم يضم بين مشاهده عددًا كبيرًا من الدروسِ والعِبر التي قد تواسي كلَّ من يتعايشُ مع مرضٍ نفسيٍّ ما وتؤثر عليه إيجابياً.
يوافق تاريخُ كتابتي لهذا المقال الذكرى الثالثة لإصدار الفيلم؛ ولذلك أرغب بالاحتفالِ به معكم -ولكن ليس بسبب المشاهد الفكاهيةِ المكتوبةِ بذكاءٍ وبراعةٍ ولا بسبب قصةِ الحبِّ الفريدة من نوعها. أريد أن أشارككم الأسباب التي دفعتني للإيمان بأنّ معاناة إلسا قد تمثل شخصًا يعاني من مرضٍ نفسيٍّ ما.
1. مشاعرها خارجةٌ كليًّا عن سيطرتها
وُلِدت الأميرةُ إلسا بقوى خارقة تمكِّنُها من خلقِ الجليد والثلج؛ حيث تستخدمها لتسليةِ أختها الصغرى وصديقتها المُقربة آنا. ولكنَّ انعدام سيطرةِ إِلسا على قواها الخارقة تؤدي إلى حادثةٍ مأساويةٍ تُصابُ فيها آنا. ومن ثمَّ يهرعُ الملك والملكة إلى اصطحاب آنا إلى قبيلةِ أقزامٍ تقطن الجبال ليقوموا بعلاجها. وهنا نلاحظ الجانب المظلم للقوى الخارقة التي تمتلكها إلسا؛ حيث تمَّ تحذيرها بضرورةِ تعلّم كيفيةِ التحكم بهذه القوى وإلا ستُمسي خطرًا على من حولها. وكما هو الحال مع من يعاني من الإكتئاب أو الإضطراب ثنائي القطب أو غيره من الأمراض النفسية، لا تستطيع إلسا التحكم بالظلام الذي يعشعشُ داخلها مهما حاولت.
2. تعيشُ في دوامةٍ عنيفةٍ من المشاعر المختلطة
تعيش إلسا حياتها في خِضّم دوامةٍ عنيفةٍ من المشاعر المختلطة؛ الأمر الذي يحدد بدقةٍ متناهيةٍ كيفية استخدامها لِقواها الخارقة. فعندما تشعر بالسعادة، تُمسِي قادرةً على تسخير قواها لبناء منحوتاتٍ بديعة تنالُ إعجابَ أختها آنا. ولكن عندما تكون متوترة أو عندما تتصاعد حدة مشاعرها السلبية، تُفلِت هذه القوى الخارقة من قبضة سيطرتها وقد يؤدي ذلك إلى إلحاق الأذى بمن حولها.
وهنا نرى وجه الشبه بين حياة إلسا وحياة من يعانون من الاضطراب ثنائي القطب؛ فقد يتفهَّمُ من يعانون منه ماهية العيش مع مشاعر مختلطة تتراوح في مدة قصيرة ما بين مزاجٍ مُرتفع (شدّة الفرح لدرجةِ الهوَس) ومزاجٍ منخفض (الإكتئاب).
وكوني أتعايشُ شخصيًا مع اضطراب الشخصية الحدية (BPR)، فأنا أَعِي أنَّني قد أتَّخِذ موقفًا دفاعيِّا أو هجوميًا؛ وهذا ما أستشعره في طريقة حديثي مع الناس. ولكن ما يَخفى عن أصدقائي وأفراد عائلتي أنَّني غالبًا ما أُبعِدُ الناس عني -ليبدو الأمر وكأنني أَدفعهم طردًا خارج حياتي- بهدف حمايتهم من المشاعر التي أحوز على سيطرةٍ ضئيلةٍ عليها أو لا أسيطرُ عليها بتاتًا. وهذا هو السبب الذي يُجبِر إلسا على إبعاد أختها آنا عن حياتها: لخوفها من إيذاء أختها كما فعلت سابقاً.
3. تخاف من نفسها
تخاف إلسا من نفسها لدرجةِ أنها تلجأ -طوال سنوات- للتجنب كآليةٍ لحماية آنا منها؛ وهذا ما يمكن للمصابين بالوسواس القهري (OCD) تفهُّمه. وهذه هي الآلية التي أَتبعها حول الأطفال؛ فأنا أحرص على عدم التواجد قربهم لأنني أخاف من احتمالية إيذائي لهم. وبذلك فوجه الشبه بيني وبين إلسا هو أننا قضينا سنواتٍ طوال مَسجونتان بين جدران غرفَتينا لخوفنا من أنفسنا.
وأرى أنّ خوف إلسا من نفسها ومن الأذى الذي قد تلحِقُه بالآخرين يُمثِّلُ الوصف المثالي والأبرز للمرض النفسيّ في عالم الأفلام -سواء أكان ذلك أفلام ديزني أم غيرها. فأنا أتفهم كُليَّا -بِِحكمِ أنني أعيش مع اضطراب الوسواس القهري- الألمَ والدمار النفسي الكامنان في خوف الفرد من ذاته ومن تشكيكه بها ومن اعتبار نفسه شخصاً سيئاً من الناحية الأخلاقية أو إيمانه بأنه ناقص ومَعِيب.
ومن وجهة نظري، تتمثل التعاسة المُطلقة في كُرهِ المرء نفسه وفي عيشِه مُعتقِداً أنّه شخصٌ سيء قادر على إلحاق الضرر بالآخرين. ورغم أن هذا الشعور لَمِن أسوء ما قد يمر به الفرد في حياته، إلا أنّه شعور مشترك بين كل من يعانون من الأمراض النفسية حول العالم. والمشاعر التالية حاضرةٌ على نحوٍ لافتٍ للنظر في فيلم Frozen:
- الخزي
- انعدام قيمة الفرد بالنسبة لنفسه
- الخوف من عدم التعافي من المرض النفسي
وكما فعلت إلسا، فأنا أقضي حياتي في معزلٍ -من صنع يداي- عمَّن أُحِب بسبب خوفي الضارب بجذوره عميقاً داخلي من إلحاق الضرر بهم؛ لدرجة أنَّني لا أزال حبيسة منزلي لخوفي من أنني سأفقد السيطرة على نفسي إن تواجدت بالقرب من الآخرين. فَالوسواس القهري الذي أُعاني منه من نوع غير معروف -يطلق عليه إسم الوسواس القهري النقي (Pure O). وقد تطوَّر هذا المرض لدي في الربيع الرابع عشر من عمري؛ وهو العمر الذي تطوَّر لدي كذلك اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) إثر استرجاعي لذكرى مكبوتة لتعرضي للإعتداء الجنسي في عمر التاسعة. ومنذ ذلك الحين وأنا أبذل ما في وسعي للابتعاد عن الجميع -خاصة الأطفال- وذلك لأن الوسواس القهري الذي أعاني منه يجعلني مهووسة باحتمالية تمكُني من إلحاق الضرر بالآخرين. إنني أعيش مع هذا الخوف يومياً واضطررت -مثل إلسا- أن أقضي سنين حياتي حبيسةَ منزلي لِتحكُّمِ خوفي بي.
4. لا تتفهُّم موقف الآخرين من حولها
أتساءَلُ في كل مرة أشاهد فيها فيلم Frozen عن ماهية الوضع بالنسبة لأصدقائِي وأفراد عائلتي وهم يشهدون انغلاقي على نفسي في معزلٍ عنهم. فقد بدأت بناءَ عزلتي منذ طفولتي -كما هو الحال مع إلسا- لاختبئ بعيداً عن الآخرين بهدف الاستحواذ على سيطرةٍ تامةٍ على مشاعري أو أفكاري. ولكن لم يتراءَ لي أنّ غيابي وجفائي أدَّيا إلى إيلام من حولي؛ فقد آمنت ببلاهة أنهم اختاروا ألّا يتفهموا المصاعب التي أُُقاسيها عندما ألغي مخططاتنا لاختبئ بين جدران غرفتي. فقدت خسرت العديد من صداقاتي في الجامعة لأنني -كما أخبروني- باردة المشاعر وذات طبيعة متقلبة وغير جديرة بالثقة. وقد ظنّ العديد منهم أنهم ارتكبوا خطأً ما منعني من السعي إلى التواصل معهم، بينما في الواقع كان الخطأ ملقىً على عاتق مخاوفي من إلحاق الضرر بالآخرين. فلو أنني عبَّرت لهم عن مشاعري ووضعي، لأدركوا أن مشكلتي ليست معهم بل مع نفسي.
4. تعلمت أن تخفِي قواها
رغم أن هذا لا ينطبق على كل من يعانون من أمراضٍ نفسية، إلا أنّ العديد منهم يتفهَّم الطريقة التي أُجبِرت فيها إلسا -من قِبَل والديها- على دفن مشاعرها بدلاً من تجاوز هذه المشاعر بطريقة صحيّة. فوالِداها لا يعترفان بتأثير قواها عليها ولا يقدمان لها الدعم النفسي أو الإرشاد الأبوي؛ فيعلِمانها بدلاً من ذلك أن تخفي كل شيء وأن تدفن مشاعرها. كما ويعطِيانها قفازاتٍ بهدف مساعدتها على كبح جماح قواها الخارقة. ويمكنني إخبارك -بحكم أنني أعاني منذ صغري من مرض نفسي حادّ ومُضني- أن هذا هو تمثيل واقعي ومُحزِن للإهمال الذي يتعرض له الفرد بحكم إصابته بمرضٍ نفسي. فَعدم اعتراف الوالدين بالتأثير الذي تحوزه مشاعر الطفل عليه لأمر شائع في شريحة المصابين باضطراب الشخصية الحدية الذين لم يتعلموا كيفية تنظيم مشاعرهم بشكلٍ صحيّ لانعدام التوجيه الأبوي.
فكلِمات أغنيتها الشهيرة كالتالي:
” لا تسمحي لهم بالدخول إلى عالمك
لا تسمحي لهم برؤية حقيقتك
كوني الفتاةَ المطيعة التي توجب عليك أن تكونِيها
أخفي ما في داخلك
لا تشعري
لا تسمحي لهم بمعرفة حقيقتك”.
وتصبِح إلسا قادرةً على التعبير عن نفسها وكسر السلال التي قيدتها لأعوامٍ طوال حينما تبتعد عن عائلتها وكل من أحاط بها. وذلك رغم أنّ التخلي عن حياةٍ كاملةٍ تعج بمشاعر مدفونة يؤدي إلى وقوع كارثة؛ وهذا ما سأَتطرق إليه في النقطة التالية.
6. عانت من انهيار ٍ عاطفيّ
في اللحظة التي تُدرِك فيها إِلسا قدرتَها على تحرير مشاعرها المكبوتة والتعبير عنها، تمسِي أقوى وأكثر تأثيراً عمّا مضى. ورغم أنّ هذا التغيير قد يُرى على أنه تغيير إيجابي، إلا أنّ الطبيعة الدرامية لمشاعر إلسا تؤدي بها إلى فقدان السيطرة على مشاعرها بشكلٍ مُرعِب عندما ترى أختها مجدداً بعد غياب. وهذا هو حال من يعاني من اضطراب الشخصية الحدية؛ فقد يمر بمشاعر من السعادة القصوى التي قد تنقلب فجأة إلى نوبات من الغضب والحزن. وتمتلك إلسا القدرة على خلق وحوشٍ ثلجية أو جبالٍ ثلجية تبعاً لحالتها المزاجية؛ وهو ما يُلقى باللوم على حالة انعدام الانتظام العاطفي(emotional dysregulation) التي تعاني منها.
وباعتبار أنني عشت في كنف والدٍ مدمنٍ على الكحول -علاوة على كونه يسيء معاملتي- فقد شهدت حالات فقدانه السيطرة على مشاعره؛ الأمر الذي أدى بدوره إلى اعتقادي أن المشاعر الشبيهة بالغضب يجبُ أن تخفى عن الآخرين. وهذه الحالة من التجنب العاطفيّ أدت بي إلى العديد من الانهيارات العاطفية.
7. تشعر أنها مختلفةٌ عن الآخرين
تشعر إلسا أنها مختلفة عن الآخرين، وهي كذلك بالطبع. فقد وُهِبت القدرةَ على التحكم بالثلج والجليد وتشكِيلها كما ترغب؛ وبذلك فهي مختلفة عمّن حولها. ولكن عِوَضاً عن الاحتفاء بالاختلاف هذا، فقد علمها والداها أن تخفي اختلافها المميز هذا عن أعين العالم؛ الأمر الذي أدى بدوره إلى تغذية خوفها وعزلتها.
8. تشعر بالخزي من نفسها
يميل المصابون بأمراضَ نفسية إلى الشعور بالخزي من مرضهم النفسيّ. وهذا ما نراه في فيلم Frozen عندما تُعامَلُ إلسا كَالمنبوذة فور كشفها عن قواها الخارقة؛ لدرجةِ أنّها تشعر بحاجتها للهرب بعيداً وإنشاءٍ حياةٍ جديدة لنفسها في معزل عن جميعِ من نبذها. وفي مشهدٍ لاحق من الفيلم، يتمُّ تقييد إلسا بالسلاسل في زنزانة محصنة تحت الأرض؛ الأمر الذي يُذكِّرنا بالطريقة التي عُومِل فيها المرضى النفسيون في الماضي عند إدخالهم إلى المستشفيات والمصحات النفسية.
9. تنمو نفسياً من خلال تقبل ذاتها ودعم الآخرين لها
يُقالُ أنّك تمسِي قادراً على حُبِّ شخص ما بشكل صادق عندما تتعلمُ أنّ تحِب نفسك أولاً. ورغم أنني أعتقد أن هذا درسٌ قيِّمٌ لنعلمه للأطفال واليافعيين، إلا أنّني اعتقد أنه لمِن المهم بالقدر ذاته أن نعلمهم ضرورة حب الآخر بغض النظر عن عيوبه. وهذه هي الرسالة الأبرز في فيلم Frozen؛ فحبُّ آنا لأُختِها وتقبُّلها لها هو ما ينقذها في نهاية المطاف. فعندما ترى إلسا مقدار حب أختها لها رغم الأذى الذي ألحقته بها سابقاً دون قصد، تتصالح مع ذاتها وتحب نفسها وتسامحها على اللعنة التي أُصيبت بها. وبحلول نهاية الفيلم، تتعلم إلسا كيفية استخدام قواها الخارقة لصالحها.