فيلم المطرودون: 6 أشياء لا يريدك بن ستاين أن تعرفها

في فيلم “المطرودون” : غير مسموح بالذكاء. يدّعي الراوي بن ستاين أنه “متمرد” وأنه على استعداد للوقوف في وجه المؤسسة العلمية دفاعًا عن الحريّة والنقاش الصريح للأفكار الخلافية مثل التصميم الذكي، ولكن “المطرودون” لديه بعض المشاكل الخاصة به بتقديمه الصادق والمفتوح لحقائق التطور، وبجدول الأعمال  الخاص به. إليك بعض الأمثلة:

(1) فيلم المطرودون يقتبس من تشارليز داروين بشكلٍ انتقائي لربط أفكاره بعلم تحسين النسل والهولوكوست

عندما يبني فيلم المطرودون قضيته على أن داروين ونظرية التطور يتحملان بعض المسؤولية عن الهولوكوست، اقتباس بن ستاين المجتزأ من كتاب داروين “تحدر الإنسان” :

بالوحشية؛ فإن الضعف في البدن والعقل سيتم التخلّص منهما قريبًا.. ونحن الأشخاص المتحضرين من ناحية أخرى، نبذل قصارى جهدنا لكبح عملية القضاء على هذه الظاهرة؛ نحن نبني ملاجئ للمجانين والمعوقين والمرضى وهكذا.. فإن الأعضاء الضعفاء في المجتمعات المتحضرة ينشرون نوعهم. ولا يشك أحد ممن اهتموا بتربية الحيوانات الداجنة أن ذلك لابد أن يكون مؤذيًا جدًا للجنس البشري، نادرًا ما يكون أحد جاهلًا.. لدرجة السماح بتكاثر حيواناته الأسوأ.

ولكن هكذا يُقرأ المقطع الأصلي في كتاب” تحدر الإنسان” :

بالوحشية؛ فإن الضعف في  الجسم أو العقل سيتم التخلص منهما قريبًا؛ والذين ينجون عادةً ما يظهرون حالة صحيّة قويّة. ونحن الرجال المتحضرين، من ناحية أخرى، نبذل قصارى جهدنا لكبح عملية القضاء على هذه الظاهرة. نبني ملاجئ للمستضعفين والمشوهين والمرضى، ننشئ قوانين للفقراء، ورجالنا الطبيّون يبذلون أقصى مهاراتهم لإنقاذ حياة كل شخص حتى آخر لحظة. وهناك من الأسباب ما يجعلنا نعتقد أن التطعيم نجح في الحفاظ على الآف عليلي الجسد الذين كان بوسعهم أن يستسلموا في الماضي للجدري وهكذا فإن الأعضاء الضعفاء في المجتمعات المتحضرة ينشرون نوعهم. ولا يشك أحد ممن اهتموا بتربية الحيوانات الداجنة أن ذلك لا بُد أن يكون مؤذيًا جدًا للجنس البشري. ومن المدهش مدى السرعة التي تؤدي فيها الحاجة إلى الرعاية، أو الرعاية الموجهة خطأً إلى تدهور العرق المحلي، لكن باستثناء حالة الإنسان نفسه بالكاد يكون أحد جاهلًا بحيث يسمح لأسوأ حيواناته بالتكاثر.

منتجو الفيلم لم يذكروا الجملة الآتية بالغة الأهمية في الكتاب:

والمساعدة التي نشعر بأننا مدفوعون إلى تقديمها للضعفاء هي بصورة رئيسية نتيجة عارضة لغريزة التعاطف، التي اُكتسِبَت أصلًا كجزء من الغرائز الاجتماعية، ولكنها قُدمت فيما بعد، على النحو المُشار إليه سابقًا، بطريقة أكثر رشاقة وأكثر انتشارًا. ولا يمكننا أن نتراجع عن تعاطفنا، حتى لو كان ذلك بدافع من أسباب وجيهة دون أن نشعر بتدهور في أنبل جزء في طبيعتنا. وقد يجهد الجراح نفسه أثناء إجراء العملية الجراحية؛ لأنّه يعلم أنّه يعمل لصالح مريضه ولكننا إذا أخترنا عن عَمْد إهمال الضعفاء والعجزة، يمكن أن يكون فقط من أجل مصلحة طارئة، مع شر حالي غامر.

هكذا رفض داروين صراحة فكرة القضاء على “الضعفاء” باعتبارهم مجردين من الإنسانية وأشرار. هذه الكلمات توضح التزوير القائمة عليه حجة وثائقي “المطرودون” كان على صنّاع الفيلم أن يكونوا على دراية بنص داروين الكامل، ولكنّهم اختاروا الاقتصار على اقتباس الأجزاء التي تناسب أغراضهم.

(2) الخطاب الذي ألقاه بن ستاين أمام القاعة المزدحمة كان خدعة

قد يعتقد مشاهدي فيلم المطرودون أن بن ستاين كان يُلقي خطابًا في حرم الجامعات وفي أماكن عامة أخرى دعمًا للتصميم الذكي وضد “العلم الكبير” لكن إن كان قد فعل، لِمَ يدرج المنتجون واحدًا من تلك الجامعات؟فالخطاب الذي عُرض في البداية والنهاية أُلقي فقط من أجل الفيلم. عَلِم مايكل شيرمر هذا الأمر من خلال التحدث إلى المسؤولين في جامعة Pepperdine، حيث تم تصوير تلك المشاهد، القليل من الجمهور كانوا طلبة، والمعظم تم جلبه من قِبل المنتجين، وبناءً على ذلك أستقبل بِن ستاين الكثير من التصفيق.

إعلان

(3) اعتقد العلماء في هذا الفيلم أن مقابلتهم ستُجرى من أجل فيلم مختلف. 

مثل ريتشارد دوكينز، ب.ذ. مايرز، أوجيني سكوت، ومايكل شيرمر وغيرهم من أنصار التطور الذين قد لاحظت ظهورهم علنًا في فيلم المطرودون. في البداية رتب المنتجون لمقابلتهم من أجل فيلم يُسمى “مفترق الطرق” والذي كانوا يدَّعون أنه فيلم وثائقي عن التقاطع بين العلم والدين.. لقد تفاجئوا فيما بعد عندما علموا أنّهم ظهروا في فيلم المطرودون الذي “يكشف الاضطهاد الواسع النطاق للعلماء والأساتذة الذين يسعون إلى تبنّي وجهات نظر علميّة مشروعة ومعارضة للآراء العلمية السائدة” على حد وصف الفيلم.

متى أصبح مفترق الطرق المطرودون؟

لقد قال المنتجون أن التحول في عنوان الفيلم ورسالته حدث بعد المقابلة مع العلماء، كما أنّ الأدلة المتراكمة أقنعتهم تدريجيًا بأن القائلين بالتصميم الذكي تعرّضوا للقمع، ومع ذلك اكتشف المدون ويسلي السبيري عندما قام بالبحث في نطاق التسجيلات، أن المنتجون قد قاموا بتسجيل العنوان “expelledthemovie.com” في ١ مارس ٢٠٠٧ أي أكثر من شهر (وفي بعض الحالات عدة أشهر) قبل إجراء المقابلات مع العلماء. لم يسجل المنتجون قط العنوان  “crossroadsthemovie.com”

هذه الحقائق تزيد الشكوك حول أن مفترق الطرق كان لا يزال -العنوان العملي- للفيلم عندما تمت مقابلة العلماء.

(4) الباحث المتعاطف مع -التصميم الذكي- الذي يصوره الفيلم على أنه قد فقد وظيفته في مؤسسة سميثسونيان لم يكن أبدًا موظفًا هناك (لم يملك عملًا ليخسره).

ويتعلّق جزء من فيلم المطرودون بقضية ريتشارد سترنبرغ، الذي كان باحثًا في المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي التابع لمؤسسة سميثسونيان، ومحررًا لمجلة الجمعية البيولوجية في واشنطن. فوفقًا للفيلم بعد أن وافق سترنبرغ على نشر ورقة تؤيد وجهة نظر التصميم الذكي لستيفين ماير من معهد ديسكفري الخلوقي، قد خسر عمله كرئيس تحرير، و تم تخفيض رتبته في معهد سميثسونيان ونُقل إلى مكتب أكثر بُعدًا وعانى من نكسات مهنية أخرى. ويشير الفيلم إلى تقرير أعدّته لجنة الإشراف والإصلاح الحكومي في مجلس النواب بواسطة ريب سودور عام 2006، بعنوان “التعصب وتسييس العلم في سميثسونيان”، والذي شجّب إساءة معاملة ستيرنبرج.

ولكن هذه الرواية الانتقائية لقضية ستيرنبيرج تحذف تفاصيل – غير ملائمة- لقضية الفيلم. ولم يكن ستيرنبرغ قط موظفًا في معهد سميثسونيان، فقد كانت مدة خدمته كباحث محدودة دومًا، وعندما انتهت عُرِض عليه منصب جديد كمساعد في البحوث. وبوصفه محررًا، كان قرار ستيرنبرغ بمثابة  ” مراجعة أقران” وموافقة على ورقة ماير وكان هذا موضع تساؤل شديد لأسباب عديدة، وهذا هو السبب الذي جعل الجمعية العلمية التي نشرت المجلة بسحبها بدعوى أنّها لم تلبي الشروط المطلوبة للنشر العلمي بمراجعة الأقران. كان ستِرنبرغ يخطط دائمًا أن يتنحى عن منصبه بصفته محرر للمجلة ألّا أن مشكلة نشر هذه الورقة كان من المقرر بها أن تكون نهايته.

والتقرير الذي أعده سودر، الذي كان قد أعْرَب من قبل عن آراء مؤيدة للتصميم الذكي، لم يُقبَل قط بشكلٍ رسمي في سجل الكونغرس.

وعلى الرغم من الاستنتاجات التي خلُص إليها التقرير، يتضمن تذييله نسخًا من رسائل البريد الإلكتروني وغيرها من الوثائق التي احتج فيها رؤساء ستيرنبرغ وغيرهم تحديدًا ضد معاقبته على آرائه في التصميم الذكي.

(5) لا يرفض العلم التجريبي التفسيرات الدينية أو التفسيرات “المبنية علي التصميم” بسبب التعصب والعقيدة الإلحادية

فكثيرًا ما كان يكرر وثائقي “المطرودون” أن التفسيرات المبنية على التصميم (ناهيكم عن التفسيرات الدينية) «يحرمها» «العلم الكبير». ولكن هذا لا يفسر لماذا التطور وبقية «العلم الكبير» وُصفوا بأنهم يفضلون الإلحاد على حد وصف “المطرودون” .

في الواقع، يتجنب العلم التفسيرات المبنية على “التصميم” لتفسير الظواهر الطبيعية بدافع الضرورة المنطقية. وتتضمن الطريقة العلمية صرامة في ملاحظة وإجراء التجارب في العالم المادي. فهو لا يقبل كدليل إلا ما يمكن قياسه أو التحقق من صحته تجريبيًا (وهو شرط يُسمى الطبيعة المنهجية)، وهذا الشرط يجعل النظريات العلمية قابلة للاختبار دائمًا وعلى الجانب الآخر يمنع النظريات العلمية من أن تصبح غير قابلة للاختبار ومفرطة التعقيد.

وبمقتضى تلك المعايير، تفقد التفسيرات القائمة على التصميم دقتها بسرعة دون وجود دليلٍ علمي مستقل يثبت طبيعة المصمم ويحدده. فبدونه سرعان ما تصبح التفسيرات القائمة على التصميم غير مفيدة وتصبح حشوًا وقائمة على المغالطات المنطقية: “هذا يبدو وكأنه مُصمَم، لذا يجب أن يكون هناك مُصمِم؛ نعلم أنّ هناك مُصمِمًا لأن هذا يبدو مُصمَمًا”.

من بين المشاكل العلمية الكبرى المرتبطة بتفسير التصميم الذكي المُقترح للحياة أن مؤيديهم لا يستطيعون اقتراح أي وسيلة جيدة لدحضهم. والواقع أن “نظريات” التصميم الذكي غامضة وهُلامية إلى الحد الذي إن تم دحض تفسيرات معينة يجعل المؤمنين بها قادرين ببساطة على البحث عن علامات جديدة تثبت وجهة نظرهم عن التصميم، بناءً على ذلك، لا يعتبر المحققون عمومًا أن التصميم الذكي نهج مُثمر أو مفيد في مجال العلوم.

ومن هنا نخلص إلى أن العلم التجريبي لا يرفض التفسيرات الدينية بسبب التعصب الإلحادي كما يدّعي وثائقي “المطرودون” ولكن العلم يرفض كل ما لا يمكن قياسه أو تجربته.

(6) الكثير من علماء الأحياء التطورية متدينون، والكثير من المتدينين يقبلون التطور.

وتتضمن مشاهد من فيلم المطرودون العديد من المقابلات مع علماء مثل ريتشارد دوكينز، دانيال دينيت، وليام بروفين، وب. ز. مايرز المعروفين أيضًا بالملحدين. ويتحدثون عن كيف تؤكد معرفتهم للعلم قناعاتهم الخاصة وكيف قادهم العلم في بعض الحالات إلى الإلحاد. متجاهلًا أن 40 بالمئة من أعضاء “المؤسسة العلمية للتقدم بالعلوم” يُصرّحون بإيمانهم بــ”إله شخصي”. ستاين فقط يريد أن يخبر مشاهديه أنّ نظرية التطور لا تسمح للعلماء حتى أن يفكروا بالإله.

ومع ذلك، من الخطأ الإيحاء أنّ فهم التطور لا محالة أو بالضرورة يؤدي إلى رفض المعتقد الديني. فرانسيسكو أيالا من جامعة كاليفورنيا، (إيرفين)، وهي عالمة أعصاب رائدة كانت كاهنة دومينيكية، ولا تزال كاثوليكية مخلصة، وهكذا عالم الأحياء التطوري كين ميلر من جامعة بروان. والآلاف من علماء الأحياء الآخرين في جميع أنحاء الولايات المتحدة الذين يُقرون أن التطور حقيقي ما زالوا أيضًا متدينين. كما أن ملايين الناس حول العالم يقبلون التطور وفي الوقت نفسه يحافظون على إيمانهم بدينهم. قال البابا الراحل يوحنا بولس الثاني: أن التطور تحت رعاية الإله يتوافق مع الكاثوليكية الرومانية كتفسيرٍ لأصول الجنس البشري.

خلال المحادثة التي أجرتها مجلة ساينتفيك أميركان بعد عرض فيلم المطرودون مع المخرج المشارك مارك ماثيس، سألناه لماذا لم يُدرج كين ميلر في الفيلم؟ وأوضح ماثيس أن حضوره كان سيشوّش المشاهدين. ولكن الحقيقة هي أنّ عرض ميلر كان ليُبطل الإدعاء الرئيسي للفيلم بأنّ علماء الأحياء التطوريين يرفضون الله.

داخل وخارج الأوساط العلمية، سوف يستمر الناس بلا شك في مناقشة العلم والدين، وسوف يختلفون حول من يملك القسم الأفضل من هذه الحجة. غير أن الأدلة المستمدة من التطور قد تظل على الأكثر جزءًا صغيرًا من ذلك الصراع.

نرشح لك: نظرية داروين.. بإنصاف، من رحلة البيغل إلى رحلة اليقين

المصدر:  هنا

إعلان

فريق الإعداد

تدقيق لغوي: نَدى ناصِر

ترجمة: عمرو محمد وإسراء شاهين

تحرير/تنسيق: نهال أسامة

اترك تعليقا