أيّة دلالات فلسفية وسوسيولوجية في رواية حسن أوريد؟

إنني سأسعى في مقالي المتواضع هذا إلى تسلط الضوء على رواية بعنوان: سيرة حمار، للمبدع والمفكر حسن أوريد. الصادرة عن دار الأمان بالرباط.
يمكن القول إن حسن أوريد غني عن البيان. لكن نشير، لو بشكل مختصر، إلى تعريف به.

حسن أوريد: نبذة تعريفية عنه

ولد حسن أوريد يوم 14 يوليوز سنة 1962، بقرية “تازموريت” الأمازيغية، قريبة من مدينة الراشدية المغربية، بجنوب شرق البلاد. ولعل من أهم مؤلفاته الإبداعية والأدبية، منها: الحديث والشجن، سيرة حمار، ربيع قرطبة، التي توجت من طرف شبكة القراءة، بجائزة القراء الشباب للكتاب المغربي في صنف الرواية في دورتها الثالثة 2018، كأحسن رواية في 2017. ومن هنا، نطرح سؤالًا أساسيًا وجوهريًا، ماهي الموضوعات التي تطرقت لها الرواية التي بينا أيدينا أعني بذلك ـرواية سيرة حمارـ ؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال، يمكن القول إن الرواية أثارت الكثير من الموضوعات الفلسفية والسوسيولوجية، لكن سنكتفي في عرضنا هذا فقط بثلاثة موضوعات، وهي كالتالي: ماهية الإنسان، مقدس الجماعة -حمار، خيل- صورة تأليه الجماعة لنفسها، جدلية الأسد والقرد.

أولًا: ماهية الإنسان

لقد أشار المؤلف لموضوع يعد من ضمن الموضوعات المحورية في الدرس الفلسفي، بالتحديد ماهية الإنسان، أو بمعنى آخر، ما الذي يميز الإنسان عن باقي الكائنات الأخرى. لاحظ أن الإنسان يتميز عن باقي الكائنات الأخرى، بقدرته على التفكير. لو توخينا الدقة، ما يميز الإنسان عن البقرة والحمار والخيل والأسد.. باعتباره كائنًا مفكرًا. أو بمعنى آخر، أن الإنسان حيوان عاقل. بالتالي، معناه تعطيل العقل عن التفكير، يعني لن يظل عاقلًا، إلا من حيث الاشتراك في الاسم، حسب لغة المناطقة. لكن يستدرك المؤلف ويقول ” لكن قلة قليلة تفكر”. بمعنى، أن معظم الناس لا يستخدمون عقولهم على الرغم أنهم يمتلكون العقل. والعقل مثل سائر الأعضاء إذا لم يعمل يموت، أي أن العقل لا يكون عقلًا إلا أثناء ممارسة التفكير في التفكير. بمعنى أكثر وضوحًا، ما يميز الإنسان عن الكائنات الأخرى، النعمة المسماة القدرة على التفكير. لكن حسب المؤلف قلة قليلة تحافظ عليها. هنا يسمح لنا، بطرح السؤال، لماذا فقط قلة القليلة تفكر؟

للإجابة عن السؤال، ثمة منطلق متفق عليه في تاريخ الفلسفة: قدرة العقل على التفكير هشة ومهددة على الدوام، وفق سعيد ناشيد، بمعنى أدق، أن العقل ميال إلى الكسل والسكينة وراحة البال والتسليم بالمعطيات الجاهزة. وبالتالي، فحينما يقول حسن أوريد ن الإنسان يتميز بالقدرة على التفكير، معناه، أن الإنسان الكائن الوحيد الذي بمقدوره أن يشك في الأفكار والمعتقدات الموجودة في ذهنه، سواء أكانت أفكارًا قبلية أم أحكامًا مسبقة أم أراء شائعة أم بداهات أولى، أم غير ذلك. ذلك أن القدرة على التفكير، معناه، قدرته على الشك.

إعلان

وفي سياق روايته يسلط الضوء على فيلسوف من فلاسفة اليونان ـ-سقراط- ، كأنه يقول هذا هو النوع الذي أتحدث عنه، هذا هو الإنسان. باعتباره لا يؤمن لا بالكهانة أو العرافة، يؤمن بالتوليد المعرفي. ذلك أن التوليد المعرفي الذي كان يستعمله سقراط، من خلاله يكشف عن زيف القناعات والمسلمات والبداهات الراسخة والقابعة في الرؤوس والنفوس والأذهان التي تشل قدرتهم على مواصلة التفكير. لهذا نجد حسن أوريد بروح السخرية في روايته يقول

“لغة الأفراد، عفوًا، الحمير، لا تعرف التمييز أو لا شك، إنما تقوم على أحكام قطعية… يفسرون الأمور بظواهر غير طبيعية”.

ومن هنا، يسمح لنا بالتأويل، إن حسن أوريد يدعو القارئ إلى ممارسة التفكير في التفكير، كطقس يُمارس بالليل والنهار. مادام يتميز بخاصية قدرته على التفكير. بمعنى آخر يدعو إلى إعمال العقل، أي لن يكون الإنسان إنسانًا عاقلًا أو متخلفًا أو حتى فرحا إلا بإعمال التفكير. ألم يقل إيمانويل كانط ” استعمل عقلك “، بمعنى، العقل العاطل لا يصدر أي أمر أخلاقي. وبالتالي لن يحسن الشخص التصرف إلا بوجود جزاء أو عقاب، على منوال أخلاق العبيد حسب نيتشه. وبالتالي يمكن القول إن حسن أوريد بشكل أو آخر، يدعو إلى الفلسفة، وهل كان تاريخ الفلسفة شيئًا آخر غير تاريخ التفكير وجرأة في استعمال العقل؟

ثانيًا: مقدس الجماعة ـ حمار، خيل ـ صورة تأليه الجماعة لنفسها.

حين قرأت رواية حسن أوريد وحينما تناول مسألة المعتقد، الجماعة التي تقدس الحمار أو التي تقدس الخيل، وتجعل من الحمار والخيل وسيطًا بين السماء والأرض. نجد أنفسنا أمام طرح سوسيولوجي حول المعتقدات والمقدسات. بمعنى، هل المقدسات التي تتوجه لها الجماعة تكون وسيطًا لها بين السماء أم أنها تتوجه عن طريقها إلى نفسها؟ نجد حسن أوريد يؤكد لنا في روايته أن هذه المعتقدات من صنع الجماعة، بحيث يكون رمز تتخذه الجماعة لنفسها، ولهذا حينما تتجه الجماعة بطقوساتها حول الحمار أو الخيل، فهي في الواقع تتوجه الجماعة إلى نفسها. بمعنى أن هذه الطقوسات والاحتفالات، ليست إلا تعبيرًا عن ترابط الجماعة، وتجسيدًا لضمان وانسجام الجماعة في حالات الأزمات، حينما تقع داخل الجماعة. ولهذا فقداسة الحمار أو الخيل داخل الجماعة، هنا تكمن وظيفتهما وحمولتهما الخفية.

وهنا يسمح لنا بالقول إن المؤلف بشكل ضمني يود من قارئه أن يراجع معتقداته ومقدساته، ويخضعها للفحص والتفحيص والمساءلة والنقد. بمعنى آخر، وبلغة رونيه ديكارت، إذا كنت طالبًا بشكل جاد وحقيقي حول الحقيقة عليك أن تشك ولو لمرة واحدة على الأقل في معتقداتك ومقدساتك وفي كل شيء شُرّب وغُرِس في ذهنك منذ طفولتك حتى الآن. وبالتالي إعادة إحياء النعمة المسماة القدرة على التفكير التي تميزنا عن باقي الكائنات الأخرى.

ثالثًا: جدلية الأسد والقرد.

هناك ما يثير الإعجاب في متن رواية حسن أوريد حينما يسلط الضوء على موضوع من الموضوعات الأساسية في فلسفة هيغل جدلية بين السيد والعبد. لكن بلغة المؤلف في روايته، جدلية الأسد والقرد. بمعنى، ما جعل الأسد أسدًا يتسيد على القرد هو استسلام القرد للأسد. بمعنى أدق، ما جعل الأسد أسدًا هو الاعتراف والرضوخ والاستسلام والخوف وخشية القرد من الأسد. بمعنى آخر، ما جعل الأسد أسدًا أنه يخاطر بحياته ولا يخشى الموت حتى النهاية، فاستطاع أن يظفر باعتراف القرد. بمعنى آخر، إن الرضوخ والخوف، هو منبع العبودية، على الرغم من أن القرد له نقاط القوة وفي استطاعته التحكم في الأسد، لكنه فضّل الاستسلام عن استغلال نقاطه. لهذا يقول حسن أوريد في روايته

” لو عرف القرد نقاط ضعف الأسد. لعرف أنه في إمكانه التحكم في الأسد”.

وهنا يسمح لنا بالقول، إن خوف القرد من الأسد، هو ما جعل القرد لا يفكر في نقط قوته ونقاط ضعف الأسد. ألم يقل هيغل إن الخوف هو المنبع العبيد، وأنهم في أصلهم محاربون، غير أنهم فضلوا الاستسلام على الموت، فصاروا أسرى، ثم عبيدًا وينجبون عبيدًا، وبالتالي تشكلت طبقة اجتماعية تتوارث منظومة وقيمًا قائمة على تعاليم الطاعة والخنوع.

كأن المؤلف يود القول إن في إمكاننا أن نتحرر. فقط علينا أن نتحرر من الخوف، الخوف هو أساس الأخلاق للعبيد حسب نيتشه، وهو الخطر الأكبر، لأنه يعطل العقل عن التفكير وعن استعماله. لذلك نجد حسن أوريد انطلق من شخصية حيوانية، “القرد” باعتباره تحررًا من سيادة الأسد، حينما كانا ذاهبان في الطريق، وعند وصولهما وباقي الحيوانات قرب الشجرة، تسلق القرد في الشجرة، وبدأ يتلاعب بالأسد ويغضبه، وأظهر عدم الخضوع والطاعة له. أي أنه استعمل نقاط قوته، وعرف ذاته، وما يميزه. وعرف نقاط ضعف الأسد.

في الختام

يمكن القول إننا حاولنا القبض على بعض الموضوعات الفلسفية والسوسيولوجية التي جاءت في متن روائي، في رواية حسن أوريد منها: ما يميز الإنسان عن باقي الكائنات الأخرى، ذلك بقدرته على التفكير. كما تناولنا مسألة مقدّس الجماعة، ثم انتهينا بالحديث عن جدلية الأسد والقرد التي جاءت في رواية سيرة حمار لحسن أوريد، أو بلغة هيجل جدلية “السيد والعبد” التي تعد من ضمن الموضوعات المهمة في فلسفته.

مراجع والمصادر:
حسن أوريد، رواية سيرة حمار.
سعيد ناشيد، التداوي بالفلسفة.

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: إلياس التاغي

تدقيق لغوي: ندى حمدي

الصورة: حسام سيد

اترك تعليقا