فلسفة الدولة أمام التكنولوجيا الكونية

تساؤلات حول ثورة التكنولوجيا وأثرها على مفهوم الدولة

في خضم ما يشهده العالم من تطور تكنولوجي وثورات الكترونية ومعلوماتية وما نتج عنها من أمور كثيرة منها العوالم الافتراضية التي مسحت حدود الدول واخترقتها، وجدت الفلسفة نفسها أمام مجموعة من الأسئلة المتعلقة أساسًا بموضوع “الدولة” نفسه، لا سيما أن الفلسفة هي التي أسّست مفهوم الدولة، وهي بالتالي مسؤولة عن كشف الأخطار التي تهددها وكذلك عن إعادة التفكير بدورها في مواجهة هذه التكنولوجيا الكونية الهائلة التي تكاد تصبح سلطة مستقلة خارج سلطة الدولة أو حتى أقوى منها.

وتزامن مع ولادة الدولة الحديثة وعلى أرضها وفي رعايتها تطور التقنيات الذي أدى إلى ثورة صناعية أعطت الدولة، بصفتها إحدى سلطاتها، قوة كبيرة فجعلتها أكثر توسعًا وإنتاجًا، لكن تلك الثورة التي دُعّمت بالمصانع والمختبرات والأبحاث العلمية راحت تتطور بسرعة كبيرة حتى ولدت لاحقاً ثورات تكنولوجية متتالية فاقت الخيال في ما انتجته وما قدّمته وما يتوقع أن تقدمه مستقبلاً، واللافت أن التكنولوجيا بدأت تتفلت من الدولة وهي آخذة بالتفرد كسلطة مستقلة تهدد سيادتها، علمًا أن السيادة صفة ملازمة لوجود الدولة التي لها صفات كثيرة منها أنها دائمة وشاملة ومطلقة إلخ.

ومن هنا، كان منطلق بحثنا “فلسفة الدولة أمام التكنولوجيا الكونية” والذي يتركز على بحث أخطار التكنولوجيا -دون سواها من التطورات- على الدولة وسيادتها، لأن التكنولوجيا تختلف عن غيرها من التحديات المستجدة بأنها سلطة من سلطات الدولة وتحت رعايتها، وهكذا يجب أن تبقى.

فالتكنولوجيا التي تعرّف بأنها “المعرفة والقدرة على إنتاج جهاز أو سلعة معينة”، تجاوزت بفضل البحث العلمي، كل الحدود بصواريخ عابرة للقارات وأسلحة رقمية وعلم الوراثة واستنساخ كائن حي، إضافة إلى إحلال الروبوتات محل اليد العاملة، فيما يبشّر مستثمرو التكنولوجيا والتكنولوجيون بثورة صناعية مقبلة ستغير وجه العالم.

أما الدولة التي رعت التكنولوجيا طويلاً وموّلت أبحاثها وتطورها بموازنات هائلة لا سيما في الشأن العسكري، لا تزال من المنظار الفلسفي هي أرقى تنظيم للاجتماع الإنساني، وهي نتاج مسيرة طويلة من الحروب والثورات حتى استقرت على ما هي عليه واستحقت صفة “عقل المجتمع”.

إعلان

إلا أن هذا “العقل” بات اليوم مهدداً أكثر من أي زمن مضى، والدولة النابعة من ثلاثة أقانيم هي “الأرض والشعب والسلطة”، أصبحت مهددة بفقدان سيادتها الملازمة أصلاً لوجودها، إذ لا توجد دولة من دون سيادة داخلية وخارجية، والتهديدات في هذا الإطار كثيرة، وفي مقدمها تطور التكنولوجيا وما أنتجه من ثورة اتصالات وثورة معلومات وعوالم افتراضية جعلت الفرد كائنًا عالميًا، ما دفع بعض الباحثين إلى إضافة عنصر رابع إلى ثلاثية “الأرض والشعب والسلطة” ألا وهو: “فرد يملك مجالاً افتراضياً”.

وعلى الرغم من أن مفهوم الدولة يقوم بجانب أساسي منه على الجهاز التقني، فإن على فلسفة الدولة مواجهة الخطر الآتي عليها من التكنولوجيا الكونية وما انتجته، وما قد يحمله المستقبل في هذا الإطار، فالهدف في نهاية المطاف هو “الدولة”، وإن بقيت التكنولوجيا حاجتنا.

ولكن هل الدولة التي نعرفها لا تزال قادرة على التحكم بالتكنولوجيا وتطوراتها أم أننا ذاهبون إلى نظرية جديدة للدولة؟ وإلى أي حد يستطيع الإنسان أن يمنع التكنولوجيا من أن تصبح سلطة بذاتها على الرغم من حاجته إليها؟

ولئلا يتبادر إلى ذهن القارئ أي تساؤل عن أي دولة نتحدث، فإن الجواب هو أن البحث يتركز على الدولة كفكرة أخلاقية وكجهاز تقني. نحن لا نتحدث عن الدولة الإقطاعية ولا عن الدولة السلطانية ولا عن الدولة القبلية، ولا عن أي دولة بعينها، وكذلك لا نتحدث عن الدول الكبيرة وإن كانت تملك التكنولوجيا، ولا عن الدول الصغيرة ولا عن الدول الكاريكاتورية الهشة، ولا عن أشباه الدولة التي تمضي أكثر من سنتين وهي عاجزة عن انتخاب رئيس (لبنان مثلاً)، ولا عن الدولة التي يباد أكثر من 300 ألف من شعبها خلال 66 شهراً من أجل بقاء رئيسها على كرسيه (سوريا مثلاً)، ولا حتى عن دولة كبرى تصنع ميليشيات لتقاتل نيابة عنها على بعد آلاف الكيلومترات من حدودها وعندما تصبح تلك الميليشيات مارداً خارج قمقمه ويهاجم صانعته في عقر دارها تعلن حرباً عالمية (الولايات المتحدة الأميركية وتنظيم القاعدة المصنف إرهابياً نموذجاً) والسلسلة تطول..

بحثنا يتركز على الدولة كفكرة أخلاقية صنعت مفهومَها الفلسفةُ بدءً من الإغريق مروراً بفلاسفة العقد الاجتماعي بعد اتفاقية وستفاليا في القرن السادس عشر التي أنهت حرب الخمسمائة عام، وصولاً إلى الفلسفة الحديثة التي تلت الثورة الفرنسية، الدولة التي صاغ مفهومَها الفكرُ الغربي –الأوروبي تحديداً– وتكاد دولته تحقق كل معاني الأخلاق السياسية والديمقراطية وحقوق الإنسان وما إلى ذلك من مفاهيم، حتى غدت تسمى بـ “دولة الرفاهية”، ثم تطورت لتزيل الحدود في ما بينها (الاتحاد الأوروبي).

وعلى الرغم من ذلك، لم تَسْلم تلك الدولة -النموذج- من أخطار التكنولوجيا (الثورة الصناعية) التي ولدت في أحضانها، أكان على صعيد البيئة أم على صعيد الكوارث التقنية (انفجار تشرنوبيل مثلاً).

ومن هنا، يبدو جلياً أن الدولة كمفهوم وفكرة، مهددة ما يدفعنا إلى التساؤل: ما هو البديل إذا ما ضربت فكرة الدولة الوطنية؟ وما هو الكيان الذي سيحكم علاقة البشر بعضهم ببعض؟ ما هو إطار هذه الدولة؟ هل هو دولة كونية أم دولة وطنية أم حكم ذاتي؟ أم..؟

وإشكاليتنا صيغت انطلاقاً من تلك الأسئلة إذ وجدت الفلسفة نفسها في ظل التكنولوجيا الكونية المعاصرة، أمام أمرين متلازمين:

الأول: أنها مسؤولة عن تطوير التأسيس الفلسفي لمفهوم الدولة بما يتناسب مع الوضع الجديد.

الثاني: أنها لم تعد قادرة على التغاضي عن أخطار التكنولوجيا الكونية على سيادة الدولة الوطنية، وعلى الرغم من الحاجة الماسّة إلى هذه التكنولوجيا لتطوير المجتمعات البشرية، علماً أن الدولة هي جهاز تقني بالأساس.

ومن هنا تبرز الأسئلة الناشئة عن الإشكالية الأساسية وهي:

هل يمكن تطوير مفهوم الدولة بما يتلاءم مع سيطرة التكنولوجيا الكونية؟ وضمن أي حدود يمكن الحديث عن دور الدولة في ظل هذه التكنولوجيا المتطورة جداً وبطريقة مذهلة؟ وهل يستطيع الإنسان المعاصر بناء دولة كونية تتماشى مع التكنولوجيا الكونية؟

هذه هي إشكالية بحثنا التي لم نر فيما قرأناه من مراجع ومصادر مرجعاً قاربها بحرفيتها ومضمونها، بل وجدنا دراسات سابقة لباحثين ركّزوا على تأثير العولمة على سيادة الدولة. وهذه الدراسات في معظمها، كانت من منطلق سياسي ودستوري ونحت باتجاه تظهير آثار العولمة وتداعياتها على السيادة، وفي هذا الإطار قدم باحثو العلوم السياسية سيناريوهات لمستقبل السيادة وبالتالي الدولة وهي:

  • اختفاء السيادة: يرى أنصار سيناريو اختفاء السيادة أنه كما حلت الدولة محل سلطة الإقطاع تدريجياً قبل نحو خمسة قرون، فستحل الشركات المتعددة الجنسيات تدريجياً محل الدولة.
  • الحكومة العالمية: يذهب طارحو سيناريو الحكومة العالمية إلى أن تغييراً سيحدث في مفهوم السيادة الوطنية إذ ستتنازل الدولة القومية عن سيادتها لصالح حكومة عالمية منبثقة من نظام عالمي ديموقراطي، وأن الأمر ليس بعيد المنال بل هو عملية في طور التكوين.
  • التفكيكية: يتوقع أنصار سيناريو التفكيكية أن الدولة القومية لن تكون قادرة على مباشرة مظاهر سيادتها على إقليمها بسبب تفككها إلى عشرات أو ربما مئات الدول القومية الصغيرة بحجج عدة.
  • استمرار السيادة: يرى أنصار سيناريو استمرار السيادة أن تطورات النظام الدولي لن تأتي عليها تماماً، بل أن السيادة الوطنية ستظل باقية ما بقيت الدولة القومية ذاتها، وأقصى ما يمكن للتطورات الجارية في النظام الدولي أن تفعله هو أن تنال من طبيعة الوظائف أو الأدوار التي تضطلع بها الدولة.

أما في ما يتعلق بالتكنولوجيا، فإن الحديث عن سيناريوهات السيادة يتزامن مع أصوات تدوي عبر مقالات لباحثين وخبراء، على مستوى واسع في بعض الدول، خصوصاً في الولايات المتحدة الأميركية، تتحدث عن مأزق يواجه الدولة من خلال التكنولوجيا، إذ بدأت تحل الآلات الذكية والروبوتات محل العمال واليد العاملة وتحولهم إلى جيش من العاطلين من العمل، وعن فقدان الدولة جزءً من سلطاتها وسيادتها أمام المجتمع الشبكي والشركات المنتجة للأجهزة الذكية.

وفي هذا الإطار، جاء بحثنا عبر إشكاليته الأساسية التي تسأل عن إمكانية تطوير مفهوم الدولة بما يتلاءم مع سيطرة التكنولوجيا الكونية، ليساهم في قرع الجرس الداعي إلى بقاء الدولة بأي صورة، وتعزيز التأسيس الفلسفي لهذا المفهوم، خصوصاً أن المأزق راهناً هو مأزق الدولة وليس مأزق التكنولوجيا الآخذة في التطور والتفلت من كل حدود.

ثمة إجماع عام بأن السنوات القليلة الماضية شهدت انفجاراً بل ثورة في التكنولوجيا وتطبيقاتها في كثير من المجالات، ناهيك بما أتاحته من إمكانات وآفاق لإحراز تقدم لم يكن أحد يسمع به كالذرة وعلوم الحاسب وتكنولوجيا الفضاء والليزر والهندسة الوراثية.

أما ما خلصنا إليه، فإن العالم آخذ في التطور، وخطا نتيجة تطورات العولمة والتكنولوجيا وثورات الاتصالات والإلكترونيات والمعلومات، خطوات كبيرة في اتجاه اختزال المسافات الجغرافية والزمانية والثقافية بين مختلف شعوب العالم، كما أنه جعل كثيراً من المشكلات تأخذ بعداً عالمياً ولم تعد محصورة بدولة بعينها، كالأزمات المرتبطة بالانفجار الديموغرافي والفقر ونقص الغذاء والإرهاب وحقوق الإنسان والتلوث، خصوصاً أن هذه القضايا لم تعد تقتصر آثارها ونتائجها على دول بعينها بل إنها تهمّ العالم بأكمله، ولذلك لم تعد “القطاعات الأكثر دينامية في الاقتصاد الجديد، وطنية بل أصبحت دون وطنية أو فوق وطنية أو ما عبر وطنية” كما يقول ألفين توفلر وهايدي توفلر.

وهذا ما يثبت أن التكنولوجيا لم تعد تحت جناح الدولة بصفتها واحدة من سلطاتها إذ يبدو أن تلك العلاقة شارفت على الانتهاء أو انتهت. ويقول أورليش بيك “إنها نهاية المجتمع الصناعي الكلاسيكي ونهاية مقولاته: السيادة الوطنية، التقدم الآلي، الطبقات، إعطاء مفهوم الاستحقاق قيمته، والطبيعة والواقع والمعرفة العلمية، إلخ”[1].

ووسط كل هذه التطورات جاء أصحاب التكنولوجيا ليبشروا بثورة صناعية رابعة سيكون لها تأثير كبير في طبيعة الأمن الوطني والدولي، وكذلك لن تُبقي الأفراد بعيداً عن تأثيرها فهي لن تغير فقط ما يقومون به بل ستغير ما هم عليه، ستؤثر في هويتهم وجميع القضايا المرتبطة بهم: الخصوصية والاستقلالية والأفكار وأنماط الاستهلاك، والوقت الذي يكرسونه للعمل والترفيه، وكيف يطورون أعمالهم، ومهاراتهم وكيف يلتقون بعضهم البعض وكيف يطورون علاقاتهم فيما بينهم.

ويقول كلاوس شواب: “علينا أن نضع رؤية شاملة ومشتركة على الصعيد العالمي حول تأثير التكنولوجيا على حياتنا وكيف تعيد صياغة البيئات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبشرية. إن الوقت المقبل سيكون مليئاً بالفرص والأخطار، يجد صناع القرار (الدول) اليوم أنفسهم في كثير من الأحيان محاصرين بالتفكير النمطي التقليدي أو ضائعين وسط أزمات متعددة تتطلب منهم التركيز ما يجعلهم غير قادرين على التفكير بشكل استراتيجي حول قوى التغير والابتكار التي تعيد تشكيل مستقبلنا. في النهاية، ينحصر الأمر بالناس والقيم، نحن في حاجة إلى تشكيل مستقبل لنا جميعاً من خلال إعطاء الأولوية للناس وتمكينهم، في جانبها الأكثر سوداوية، قد تحول الثورة الصناعية الرابعة الإنسان إلى روبوت، وبالتالي ستحرمه من قلبه وروحه، في الجانب المضيء من الصورة ستكون الثورة الصناعية الرابعة جزءً لأفضل ما يملكه الإنسان: الإبداع، التعاطف، التنظيم والإشراف، وستكون قادرة على الرقي بالإنسانية إلى وعي جماعيّ وأخلاقيّ جديد يستند إلى المصير المشترك، وعلينا أن نعمل جاهدين لتحقيق ذلك[2].

وانطلاقاً من كلام شواب يمكن القول إنه بدد عنصر المفاجأة المقبلة، ووضع بين أيدي الدول أولاً والمفكرين والباحثين والفلاسفة ثانياً، مقدمة الأطروحة المقبلة، وبالتالي هم مدعوون من الآن وبشكل مسبق إلى إشغال التفكير النقدي في ما سيحمله الغد، خلافاً لما اعتاد الفكر الإنساني عليه والمتمثل في تحليل الظاهرة والواقع في شكل آنٍ، وكلٌ يدون تمنياته ورؤاه إلى المجتمع المقبل.

إذاً الدولة الوطنية لم تعد موجودة لدى بعض المفكرين، والسياسة العالمية الجديدة باتت هي الفاعلة داخلياً فيما يتجاوز الوطني إذ “لم يعد ما هو وطني وطنياً، وما هو دولي أو عالمي لم يعد كذلك أيضاً، لقد فقدت الواقعية السياسية أسيرة المنظور الوطني، من وجاهتها. وقد تم استبدالها بواقعية سياسية كونية”[3]، بحسب أورليش بيك أيضاً.

وأمام كل هذه المتغيرات والتطورات وتلك الأبعاد الكونية والأنظمة فوق الوطنية والخلل في مستوى المعيشة والحرية بين دول من عالم أول وأخرى من عالم ثالث وارتفاع نسب الهجرة واتجاه الشباب إلى التقنية بكل ميادينها للحصول على فرص عمل وانتشار المخاوف من حلول الأجهزة الآلية والروبوتات محل القوى البشرية، هل بقي طوق نجاة؟

ويجيب عن هذه الأسئلة التي تحمل تحدياً مستقبلياً، فلاسفة التربية بتحذيرهم من خطورة حصر التعليم في اكتساب “المهارات العملية” فقط مثل الهندسة وتكنولوجيا المعلومات التي ستحرك “اقتصاد المعرفة” في القرن الحادي والعشرين. وهم يؤكدون وبما يشبه الإجماع، أن تدريس العلوم الاجتماعية والأدب والفن في مختلف المراحل والتخصصات أصبح ضرورة قصوى من أجل بناء الشخصية “النقدية” القادرة على مجابهة التحديات والمشكلات الجديدة وتحمل المسؤولية الإنسانية، في عصر يزداد فيه تسليع التعليم أو قُل تحويله إلى سلعة هدفها الأساسي تلبية احتياجات سوق العمل ومتطلباته.

واستناداً إلى ذلك، يتأكد لنا أن “التفكير النقدي” هو الذي سيحدد نوع التكنولوجيا المطلوبة أيضاً في المستقبل، وليس فقط التعامل الصحيح والواعي مع التكنولجيا المفروضة على المجتمع من النخبة أو القلة القليلة من المبدعين والمروجين لها.

وتقول الباحثة الأميركية استير دايسون: “باختصار، على الرغم من اعتمادنا على العلماء والمهندسين لاختراع الأشياء، فإن شريحة أوسع من المجتمع هي التي ستقرر ما إذا كانت هذه الأشياء قد تنتشر على نطاق واسع وكيفية دفع ثمنها. وعلى نحو متزايد، أصبح التقدم التكنولوجي يعتمد على هذا الاستعداد الاجتماعي (..) ولكن بالنسبة للمجتمع ككل، هناك عدد أقل من القيود التكنولوجية لتوجيهنا إلى ما يمكننا القيام به أو منعه. وستكتشف الدول على نحو متزايد أن أولوياتها لابد من أن تعكس مشاعر عامة عريضة وليس مشاعر النخبة الحاكمة فحسب”.

وهذه الدعوة إلى التفكير النقدي هي خطوة في الاتجاه الصحيح لتأصيل هذا الفكر، وكذلك لتحديد نوع التكنولوجيا المطلوبة مستقبلاً بناء على الاستعداد الاجتماعي والحاجة الاجتماعية. وهذه الدعوة التي تطلق وتناقش في أكبر دولة تمتلك التكنولوجيا وتطورها (الولايات المتحدة) هي بمثابة حملة لتشكيل رأي عام معارض وفي شكل مسبق، لذهاب التكنولوجيا إلى حدود أبعد من التي وصلتها الآن، وهي محاولة لوضع حدود لها وإعادتها إلى كنف المجتمع وتحت سلطته قبل أن تتضخم سلطتها وتصبح مارداً لا يعرف حدود دولة وأخلاق وإنسانية.

وختمنا بحثنا بأسئلة تذهب في هذا الاطار وهي: هل يؤدي التفكير النقدي دوره في توعية الشعوب وإنشاء رأي عام عالمي يبث الوعي فيه من الأخطار المحدقة به ويعمل على تأصيل فكرة الدولة في ضوء ذلك، أم أن الدولة الوطنية ستأخذها الأمواج المتسارعة لتطورات التكنولوجيا وصراع المصالح المستمر على دماء شعوب إلى غير رجعة؟ وهل يكون “عقل المجتمع” البديل إذا ما حل عصر دولة ما بعد الدولة، في سلطة تنتجها تكتلات إقليمية أم في سلطة كونية خصوصاً بعدما أصبح لكل إنسان على وجه الأرض رقم هوية عالمية هو الآيبان وعنوان بريد إلكتروني، أم في نانو- كيانات تتوالد بالعشرات على أسس عرقية ودينية تتحكم بها إرادة عالمية؟

نرشح لك: منافسٌ قادمٌ لا محالة “التفرّد التكنولوجي”

المصادر:
[1]  أولريش بيك، مجتمع المخاطرة، مرجع سبق ذكره، ص 379.
[2]  تغطية إعلامية للقمة وقراءة في مضامين جلساتها. [3]  أولريش بيك، السلطة والسلطة المضادة، مرجع سبق ذكره  ص 24.

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: د.مالك القعقور

تدقيق علمي: مجد حرب

اترك تعليقا