عودة إلى قراءة الروايات من جديد
قليلة هي الروايات التي قرأتُها، فهي بالكاد تصل إلى 30 رواية خلال رحلتي مع القراءة والتي بدأت مُنذ الصغر، كان منها ما هو مُتطلبات جامعية، ومنها ما كان توجهًا لإشباع فضولي، نتيجة ضجّة إعلامية كبيرة سواء لأنها كانت إيجابية بما تحمله من قيم أو سلبية بما تحمله من أفكار تُعارض القيم إلى حدٍ كبير، وقد تنوعت موضوعات الروايات التي قرأتها.
في الحقيقة بعد انتهاء المرحلة الجامعية لم تحثّني نفسي كثيرًا على قراءة الروايات. أو لم أبقَ على نفس النهم تجاه الروايات، ليس لأني شبِعت، ولكن تزاحم الأولويات دفعني لأن تكون قراءة الروايات في مرتبة ليست مُتقدمة، ثم إن نفسي حدثتني بأنّ الروايات كلامٌ فارغ وخيالاتٌ يصنعها الكاتب، والصحيح أنّني أتفق مع بعض ما حدثتني به نفسي إلى حدٍ ما.
والآن وبعد مفاوضات طويلة مع نفسي شعرت بحاجتي للعودة إلى قراءة الروايات. لكن أسألُ نفسي أيُّ الروايات أقرأ؟ فأتت الإجابة على هيئة أسئلة كالآتي:
*هل أبدأ بقراءة الروايات المحلية أم العربية أم العالمية؟
*هل أقرأ الروايات الرومانسية، أم التاريخية، البوليسية أم السياسية أو الثقافية؟
*هل أقرأ القديم منها أم الجديد؟
*هل أقرأ روايات أنتجها كاتب واحد بشكلٍ متسلسلٍ، أم أُنوِّع وأقرأ ما يُتاح لي؟
لهذا عزيزي القارئ توصَّلتُ إلى أنّ ما أراه في الكُتب قد يصلح في الروايات، فإنّ قراءة الإنتاج المحلي أجدرُ بأن تبدأ به رحلة القراءة؛ لأنّ الرواية هي انعكاسٌ لتجربة وقضية عاشها الكاتب في مجتمعه أو انعكاسٌ لخيالاته، ومعرفة قضايا وطنك شيء مهم لإثراء مخزونك المعرفيِّ عنه، ثم حينما تصل لمرحلة من الاطِّلاع على إنتاجات وطنك وتراها كافية، يمكنك الانتقال للإنتاجات من خارج الحدود العربيّة ثم الدوليّة.
بخصوص نوعية الروايات، فهذا مردّهُ إلى طبيعة تكوين الشخص، فبعضنا يهوى قراءة الروايات الرومانسية وآخر يميل للرواية التاريخية، وهذا يهوى الروايات الخيالية… إلخ.
وبخصوص القديم والجديد من الروايات أرى أنّ البدء بالقديم شيءٌ مُمتع، لأنّك تتدرج مع إنتاجات كتَّاب زمن معين، وكأنك تُعايش ذاك الزمن، وتتعرف على مرحلة تطور الأساليب المستخدمة في كتابة الرواية، ومن المفيد معرفة أن الكثير من الروايات تم تحويلها لأعمالٍ تلفزيونيّة أو مسرحيّة، وهنا أنصح بمتابعتها، ليسهل فهم موضوع الرواية.
أما عن قراءة الروايات التي تنتمي لكاتب واحد أو لزمن واحد أو لفكرة واحدة أو لمدرسة واحدة فـأُفضِّل قراءة إنتاجات كاتب واحد بطريقة متسلسلة وذلك للأسباب الآتية:
1- أن تعرف كيف كان أسلوبه وكيف صار مع التجربة
2- أن تتعرف على الخصائص الفكرية للكاتب
3- أن تتعرف على ما طرأ على مجتمعه من تغيرات
ويسعدني أن أنصح من أراد قراءة رواية ما، وأن ترسخ في ذهنه بالآتي:
1- أن يقرأ ما كُتب عنها من قدحٍ ومدح قبل أن يقرأها
2- أن يقرأ ما كُتب عنها من قدحٍ ومدح بعد أن يقرأها
شخصياً أفضل الخيار الثاني، لماذا؟
لأنّ دخولك للرواية بانطباعات وأرآءَ مسبقة قد يجعلك تقع تحت تأثير تلك الآراء وتبنّيها، وهنا تفقد استقلاليتك في بناء تقييم ذاتي خاص بك حول أي عمل تقرأه، ويُفقدك متعة التمعن والتدقيق في الرواية، فيصبح كل همك وشغلك هو متى تعثر على ما يؤكّد أو ينفي تلك الآراء التي قرأتها عن الرواية، ثم أنه قد يكون ناقد أو عدة نقَّاد للرواية يختلفون مع صاحبها في توجهاته فيُبالغون في قدحه أو قدح محتواه، أو يكونوا من أنصاره فيبالغون في مدحه ومدح محتواه. وبهذه الطريقة التي أفضّلها تكون لك شخصيتك المستقلة في الحكم على الرواية من حيث الأسلوب الموضوع وطريقة البدء والتسلسل والخاتمة.
بعد هذا الحديث سأخبركم بأني سأبدأ رحلة العودة لقراءة الروايات بقراءة روايات الأديب العربي السوري الكبير “حنا مينا“، وقد بدأت بقراءة سيرته الذاتية (كيف حملت القلم؟)
أخيراً، أنصح بقراءة سيرة ذاتية للكاتب أو الروائي إن توفرت، لتعرف كيف حمل القلم.