سيكولوجية الأمل.. إعادة البناء في وجه المحن الحالية

قد يبدو من العسير بمكان تحديد ماهية الأمل على وجه الدقة، بيد أن مما لا ريب فيه أن الجائحة قد ألقت بظلالها الثقيلة على حسن استشعار الناس للأمل. فما الأمل؟ وكيف يكون له مساس بطيب حياتنا؟ و كيف ننثرُ خيوط الأمل في شرايين حياتنا لمقارعة محنها ؟

ما الأمل ؟

تُعرِّفِ جمعية علم النفس الأمريكية الأمل على أنّه اجتراح المنح من المحن، بمعنى أنه “التوقع بأن يخوض المرء تجارب إيجابية، أو أن الأخطار المحدقة لن تقع، وإن وقعت فإنها ترتقي بأوضاع المرء في نهاية المطاف إلى وضع أفضل”. كما أن حبل الأمل موصول بطرف التفاؤل، و يُعرَّفُ الأخير على أنه “الاستعداد الدائم لاستبشار الأفضل، وأنّ منال المرء في خواتيم الأمور ما طلب. يمكن القول إذن؛ إن تحقيق الأهداف وإدراكها مرهون بحضور الأمل.

 كيف يعزز الأمل من طيب حياتنا نفسيًا واجتماعيًا وجسمانيًا؟

كثيرة هي الشواهد التي تؤكد على الدور الرياديّ للأمل في طيب حياتنا نفسيًا واجتماعيًا وجسمانيًا، فثمة علاقة ارتباطية إيجابية بينها وبين ارتفاع معدلات الرضا. فهناك اتفاق عام على أن الأمل يشكل خط دفاع منيع في وجه وقائع الحياة الضاغطة والسلبية، إلا أن مسحًا للأبحاث القائمة عن الأمل تقول إن دوره يمتد إلى أبعد من ذلك.

خَلُصَ القائمون على دراسة أجريت سنة 2010، كانت قد صنّفت الأمل باعتباره نمط من أنماط “رأس المال النفسي” [1]؛ إلى أن الأفراد الذين يعتريهم الأمل أكثر من سواهم يتمتعون بتفوق على الصعد الرياضية والأكاديمية والوظيفية والصحية. بيد أن السؤال الذي يطرح في هذا المقام، لمَ لا يحظى الأفراد المفعمون بالأمل -ببساطة- بحياة أفضل، إنما يتمتعون بمستوى أعلى من الإنجازية والصحة؟

ينطوي أحدُ التفسيرات على أن الأشخاص الذين يحدوهم الأمل، هم أكثر ميلاً لإيلاء الاهتمام لعملهم وصحتهم، فهم أكثر تطلعًا للمستقبل (بمعنى أنهم منكبّون على وضع أهداف لهم والرنو إليها). أي أن تلك الفئة من الناس تتميّز أنها أكثر نجاحًا وتمتعًا بالصحة من سواها، ذلك أنها سبّاقة دون كلل في السعي إلى رفاهها المهني والمالي والجسدي.

إعلان

إلا أن هنالك وافر من الدراسات التي ألْفَتِ الأملَ طوقَ نجاة في حياة أولئك الذين تم تشخيصهم بأمراض خطرة على وجه الخصوص. فعلى سبيل المثال، أشارت دراسة أجراها كينيث هارت Kenneth Hart و آخرون عام 2008، واستهدفت عينة من مرضى التصلب اللويحي، إلى أن اعتصام المرضى بالأمل أسفر عن نتائج إيجابية على صعيد صحتهم، حيث كانوا أكثر حظوة من أقرانهم في تعديل مسار المرض والتحكم به.

كما أظهرت دراسة مماثلة أعدّها جوردون فليت Gordon Flett وآخرون عام 2011، أنّ الأمل ساهم في جعل مرضى داء كرون والتهاب القولون التقرحي أكثر تكيفاً مع طبيعة أمراضهم. وعليه، كانوا أكثر استعداداً للتعامل مع التحديات المتواترة في رحلة علاجهم. واستنادًا لما سبق، يمكن القول إنّ الأمل لا يمثل فقط حائلاً بين الأفراد وبين الأثر الرجعي السلبي لتجاربهم، بل هو معين لهم على التكيف مع بغتة صفعات الحياة، حين تنفذ النعم التي لطالما ضمنوا دوامها بين أيديهم.

كيف يتسنى لروّاد الأعمال المساهمة في تشكيل فرق ومنظمات قوامها أفراد ملؤهم الأمل؟

إن كنت على رأس مؤسسة ما خلال العامين الماضيين، فلا بد أنه تراءى لذهنك سؤال مفاده: كيف بإمكانك غرس بذور الأمل في بيئة المؤسسة؟ وهو سؤال مشروع، فالأمل لا يعزز من ثقافة مكان العمل [2] فحسب، بل ويقنن من معدلات التسرب الوظيفي.

بالطبع، ما من صيغة موحدة متى ما اعتمدتَّها، شاع الأمل في جو العمل، لكن هنالك زمرة من التدابير التي من شأنها المساهمة في تعزيز الأمل الذي لا غنى عنه في مواجهة التحديات الجسام التي ما فتئت تعترض سبيلنا على نحو يومي، سواء على الصعيد الفردي، أم الجماعي كمنظمات.

  • ضع أهدافاً واضحة المعالم

كن واضحاً و صوّب نحو الأهداف التي تطمح إليها بدقة. يتعيّنُ عليك كذلك الأمر تتبّع الشعرة الفاصلة بين الأهداف التطلعية وتلك القابلة للتحقيق.

قم كنقطة انطلاق بتحديد الأهداف، ومن ثم قسّمها إلى خطوات صغيرة قابلة للتنفيذ، واعلم أن كفاءة أعضاء فريق العمل في إنجاز المهمات الموكلة إليهم تتناسب طرداً مع تقسيمك الذكي لكل هدف، والأمر سيان بالنسبة للأهداف التطلعية.

ضع في حسبانك أن ديمومة الأمل « كقيمة » عملية تراكمية، أي كلما ازدادت حزمة المنجزات التي ينفذها أعضاء فريقك، توطدت أركان الأمل في نفوسهم كفُرادى وبين بعضهم البعض كمجموعة.

  • عزز لدى فريقك عقلية النمو والازدهار

ساعد أعضاء فريق العمل لديك على الإيمان بقدرتهم على تطوير كفاءاتهم وقدراتهم مهما تعثرت بهم السبل.

  • المواءمة بين الأهداف والقيم

فمن اليسير دفع عجلة التغيير قدمًا عندما يتم تشبيك الأهداف ذات الأهمية بالفرد عينه، وبفريق العمل ككل، وبالعائلة أو بالمجتمع.

  • تبني اتخاذ أوجه نظر مختلفة على نحو دوري

إن تبني أعضاء الفريق لوجهات النظر المختلفة بشكل منتظم، بالإضافة إلى منحهم الأريحية الكافية للتقييم الذاتي والتماس التغذية الراجعة من الآخرين بصورة دورية، من شأنه أن يوطد الأمل الضروري لقادمات الأيام.

مستقبلُ الأمل

إذا ما ألقينا نظرة على نافذة المستقبل، نجد أنه ما من سبب يدعونا لتجاهل مؤشرات استمرار إلقاء الجائحة بظلالها على حياتنا وسير أعمالنا. فالأمل يتعرض لضغوطات ومعوّقات متواترة، وهذا بالضبط ما يجعله لا غنى عنه أكثر من أي وقت مضى. ومن ثم، يُحتِّمُ استشراف المستقبل على قادة العمل للتعزيز من نهجهم الاستباقي في إدارة فرق العمل لديهم بل ومنظماتهم، وذلك عبر الامتثالِ للأمل.

الهوامش

[1] : رأس المال النفسيّ ( Psychological Capital )

يشيرُ إلى مجموعة من الموارد التي يمكنُ للفرد استخدامها في تحسين أدائه في العمل ونجاحِهِ الشخصيّ.

[2] : ثقافة مكان العمل ( Workplace Culture )

إنّ ثقافة بيئة العمل هي شخصية الشركة، وهي مجموعة القيم المشتركة والمعتقدات والمواقف والأيديولوجيات والمبادئ والتفاعلات والسلوكيات التي يشترك بها الأفراد في مكان العمل.

المراجع :

Flett, G. L., Baricza, C., Gupta, A., Hewitt, P. L., & Endler, N. S. (2011). Perfectionism, psychosocial impact and coping with irritable bowel disease: A study of patients with Crohn’s disease and ulcerative colitis. Journal of Health Psychology, 16(4), 561–571. https://doi.org/10.1177/1359105310383601

Hart, Kenneth E; Sasso, Thomas. Canadian Psychology; Ottawa Vol. 52, Iss. 2, (May 2011): 82-92.

إعلان

فريق الإعداد

تدقيق لغوي: بيسان صلاح

ترجمة: زينب شاهين

اترك تعليقا