روايةُ الشيف: “الأدب الهندي” عندما يحكي مأساةَ كشميرَ.

غالبًا ما ننتظره من الأدب الهندي هو التنوّع الثقافيّ الذي يعطيه عن الديانات أو عن بلاد بعيدة مختلفة، لم نتعود أن ننتظر الحربَ والدماء من الهند المسالمة، ربما لقلة ترجمة الأدب الهندي الذي غالبًا ما يُترجَم إلى لغاتٍ أخرى قبل ترجمته إلى العربية، رواية الشيف أيضًا هى رواية في الأصل كُتِبت باللغة الانجليزية عام2010، منذ ذلك الحين حصلتْ على العديد من الجوائز وتربعت على قائمة الأفضل مبيعًا في أمريكا وكندا، كيف لا وهي تحكي قصة كشمير والصراع الهندي الباكستاني الذي اندلع بسبب الاستعمار واستمر أعوامًا طويلة يحصدُ أرواح الطرفين، خصوصًا أنّ الكاتب (جاسبريت سنغ) تربى فى كشمير بجانب عدة مدن أخرى.

عن صراع الهند وباكستان

بدأت مشكلة إقليم كشمير عندما قامت الدولة المحتلة المملكة المتحدة وقتها بتقسيم كل من الهند وباكستان حسب الديانة عام 1947م بينما تُرِكت كشمير بدون تقسيم. بعد رحيل الاحتلال، وجد سكان الإقليم نفسهم في حرب بين البلدين وكل منهما ترى أنّها الأحق بالإقليم الذي يسمى الجنة.

من رأى باكستان أنها الأحق لضم الأقليم لأن الأغلبية مسلمة وتتعدى نسبة ال90% بالفعل بينما الحكم يقع تحت يد الأقلية الهندوسية التى تريد الانضمام إلى الهند، لذا لدينا دولة تريد إنقاذ الأكثرية ودولة تريد إنقاذ الأقلية، خاضت الدولتان تقريبًا ثلاث حروب رئيسية واستمرت المناوشات والعمليات الانتحارية حتى يومنا هذا دون تحديد مصير كشمير، فقط كانت يسودها الأمان لفترات زمنية محددة مع وقف إطلاق النار وسريعًا ما تبدأ المشاكل مرة أخرى.

يحكي العملُ بلغة بسيطة للغاية حكايةَ الشيف كابال أو كب المسئول عن المطبخ العسكري في المحافظة المتنازع عليها كشمير. عمل الشيف هناك لمدة 12 عامًا قبل أن يستقيل ويرحل تاركًا الخدمة العسكرية، وحبكة الرواية هي تذكرة للأحداث من بداية التعيين وحتى الاستقالة.

قد تبدو قصة كابال في البداية غير مثيرة عكس قصص كل المحيطين به، فى البداية التحق كابال بالمعسكر في كشمير بسبب والده الضابط الذي مات فوق قمة جبلية تسمى (المثلجة) لذا يبدأ رحلته إلى هناك بدون أن يعلم كيف ستنتهي الرحلة أو الأهم لما قام بها من البداية.

إعلان

الأهم من كابال هو الشخصيات الثانوية الأخرى التي كانت محور الرواية على أوجه متعددة، أولهم الجنرال المسئول عن المعسكر وابنته والشيف السابق كاشان وأسيرة العدو، هذه الشخصيات تلعب دورًا هامًا في فلسفة الرواية وهي هل نموت من أجل لا شيء!؟

كل الطرق تؤدي إلى لا شيء!!

أعطي الكاتب في البداية انطباعًا من خلال شخصية كابال أنه مجرد سارد لأحداث الصراع وليس كارهًا له، حتى أصغر التفاصيل مثل الكلمات كانت تدل على تربية البطل في بيئة تعتبر الجو الحربي خالقًا للشهداء، هذه الأفكار هي ما صدمت كابال بالواقع رغم أن والده الذي يحترمه الكل ضابط عظيم إلَّا أنه بدأ بالتساؤل في أى سبيل مات؟ وهل استفاد أحدٌ بهذا الموت أم لا؟ ومن نحارب من الأصل؟

المونولوج الداخلي الكامل للبطل يثبت كل يوم خطأ الحرب، خصوصًا حين يدرك عدم إختلاف المسلمين عن السيخ والهندوس إلَّا في مظاهر دينية قليلة، وقد يلاحظ القارئ أن الكاتب تعمَّد إظهار خيبات الأمل على المحور النفسيّ وعلى محور الدولة ككل، بالنسبة للمشاكل النفسية على مدار الرواية يحكى خيبات الأمل المتكررة، الجنرال الذي يخدمه وقصته الغريبة:

“لقد أعطى الجنرال شبابه من أجل شعبنا لكي يُبعد الباكستانيين عنا، قاتل في حربين، والآن ابنته تريد الزواج بأحدهم. هل قدم العديد من الجنود حياتهم من أجل لا شيء؟”

إذًا، لِما خاض كل تلك الحروب ما كان مبداؤه، إذا كان سوف يتخلى عنه؟

وهناك امرأة كشميريّة تخسر حياتها بعدة أشكال وترفض كلا الدولتين معاملتها معاملة لائقة فما ذنبها؟

تلك أسئلة كلها متعلقة بالنفس البشرية يريد الكاتب إيضاح أن الجنود المتحمسين للحرب لم يعرفوا أبدًا من يقاتلون، أو لم قد يصبحون شهداء هناك فى تراب كشمير تحديدًا، الفكرة هنا هي العقل الجمعي والتغيُّب الذى تُحدِثه كلماتٌ مثل شهيد والدفاع عن الوطن.

استطاع الكاتب أن يصف الحياة اليومية في كشمير حتى ترى أن الجيش يحمى منشأته خوفًا من الكاشميرين أنفسهم باعتبارهم موالين للعدو.

وهنا يرتبك الجند وينتقل السؤال مِن هل تستحق كشمير إلى هل تحتاج كشمير تلك المساعدة أم أننا نحارب أنفسنا؟

إذًا، لِمَ كانت الحرب التى سأل عنها كابال طول حياته؟

وفقًا لكتاب (لماذا الحرب) والذى هو مناظرة بين ألبرت أينشتاين وسيغموند فرويد الذى تداول عدة أفكار عن الحرب منها أن الحروب غير مبررة بل هى عكس ما يسعى إليه الإنسان أو ما يدعيه وهو (السلام)، لا أحد يحب القتل والدماء وتدمير المدن عن العيش بهدوء، هذا بالنسبة إلى من يخوضون الحرب فى العالم الحقيقى وهم المواطنون أما رجال الدولة فليس من مصلحتهم أحيانًا إنها الحرب.

على محور الرواية أظهر الكاتب عدة فصول عن الفساد داخل حكومة وجيش الهند الذي من مصلحته إبقاء الحرب مستمرة من الأساس، هناك مثلًا صفقة التوابيت حيث استفاد بعض الضباط من موت الأفراد لكى يبيعو توابيت للجيش بثمن 1200$ بدلاً من 200$ فقط، على الرغم من أن من يموتون من نفس جيشهم!

ولا ننسي بالطبع الاستفادة من مجد المعارك المزيفة والنياشين والمكافآت المستمرة.

أما الفكرة الأخرى عن الحرب وهى الهوس بالمعتقد أو الانتماء حيث تُقرِّر الدولة أنها أفضل من أن تختار السلام بل يجب أن تنتصر لفكرتها ضد الأفكار الاخرى وهو ما يرجع للتلاعب بالعقلية الجمعية للشعب وإيهامهم أن الحرب باسم دين الله أو لأنكم طائفة أفضل من الطائفة الأخرى، الكاتب تعمد إظهار هذه الفكرة بقوة فلم يكن ضد المسلمين أو الباكستانيين  لكونه هندى فقط بل تذمر في كامل منحنى الرواية عن عدم جدوى الحرب بين الطرفيين من الأساس “ما نفع كشمير على أى حال” جملة قد تبدو انهزامية وغير وطنية بالمرة، ولكن هل تستحق الهند أن يموت الآلاف من جنودها في تلك الحروب بينما السكان من دولة أخرى تمامًا؟

اقرأ أيضًا: كل ما يهمك عن  قماش الكشمير

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: آية حسن

تدقيق لغوي: أحمد المسيري

تدقيق علمي: رائدة نيروخ

تحرير/تنسيق: نهال أسامة

اترك تعليقا