درابوت: اليَعسوب الآلي الناعم الذي يحس ويراقب بيئته
يستخدم درابوت الخالي من الإلكترونيّات ضغطَ الهواء والبُنَى الدّقيقة وهُلاميّات الشّفاء الذّاتي المائيّة؛ وذلك من أجل مُراقبة التّغيّرات في درجة الحُموضة ودرجة الحرارة ووجود الملوِّثات. وقد أفادت دراسة حديثة أجراها فريقٌ من الباحثين بقيادة “شيني فارغيز” البروفيسور في جامعة ديوك -عن روبوت ذكيّ ناعم يُدعى “درابوت”، يعرضُ حركةً مُتزلّجةً رعاشيّةً مضبوطة على أسطح المياه، ويتمتّع هذا الرّوبوت بقدراتِ استشعار بيئيّة. قد تكون دراسات إثبات المفاهيم بادرة لحراسة بيئيّة أكثر تقدّمًا وأكثر استقلاليّةً وأطول أجلاً لرصد مجموعة واسعة من العلامات المُحتمَلَة، والّتي تدلّ ُ على مشاكلٍ مثل درجة الحُموضة أو وجود زيوت.
الرُّوبوتات النّاعمة تُشكّل منطقةً بحثيّةً ناشئة تُركّز على صناعة أجهزة باستخدام مواد متوافقة، مثل الهُلاميّات المائيّة واللّدائن. والموادُ النّاعمة تسمح لهذه الرُّوبوتات باستكشاف البيئات المقيّدة؛ لأنّ الرُّوبوتات التّقليديّة المبنيّة على الموادِ الصّلبة لا تستطيع أن تذهب أو تؤدّي المهام الحسّاسة أثناء التّفاعل السلبي مع البيئاتِ المحيطة.
ونظرًا لهذه الخصائص الفريدة، تمّ استخدام الرُّوبوتات النّاعمة لإنشاء أدوات جراحيّة من شأنها أن تُلحق ضررًا أقلّ بالأنسجة، ومثل روبوتات الهيكل الخارجي، إذ تستطيع الرُّوبوتات النّاعمة أن تُنشئ طبقةً خارجيّةً مرنةً لا تُقيِّد تحرُّكات المواد الصّلبة، فضلًا عن كونِها أنظمة حيويّة اصطناعيّة للرّصدِ البيئي والرّعاية الصحيّة. ويمكن لمبادئ التصميم الّتي تُجسّد موادًا ذكيّةً ومُحاكاةً بيولوجيّة أن تعملَ على تطوير وظيفة الرُّوبوتات النّاعمة بشكلٍ كبيرٍ من أجل القيام بمهامٍ متخصّصة أو واسعة.
والدّراسةُ الحاليّة تستخدم تصميمًا بسيطًا يدمج بين الموادِ الذكيّة المُستجيبة للمؤثِّرات وبين الهندسة الحسابيّة الدّقيقة؛ وذلك لإنشاء رُوبوت ناعم يمكنهُ استشعار التغيُّرات البيئيّة والتكيُّف معها.
يقول فاردهمان كومار (المؤلِف الأوّل للدراسة، وهو طالبُ دكتوراة في هندسة الطبّ الحيويّ): “لقد أسّسنا التصميمَ الهيكليّ لروبوتنا النّاعم المقشديّ (الرعاشيّ) على شكلِ جسم اليَعْسُوب؛ وذلك لأنّ المقشديّات هي أكثر فصائل اليَعْسُوب شيوعًا، ومن هُنا جاءت تسمية الرُّوبوت بــ(درابوت)”. وأكّد كومار: “إنّ هذا الروبوت النّاعم كليًّا مصنوعٌ من لدائن السّيليكون، وذلك باستخدام تقنية إنشاء الكائنات الدّقيقة، وهو مُزيَّن بعناصر وظيفيّة متعدّدة، مثل المُحرِّكات المرنة، والموادّ المستجيبة للمؤثِّرات، والشفاء الذّاتي في مواقعٍ مختلفة على جسدهِ لإدماج قُدرات الاستشعار”.
تتحكّم قنواتُ الموائع الدّقيقة وقنواتُ الهواء الدّقيقة المُدمَجة داخل جسم الرُّوبوت في حركته. وقد أوضح الدكتور أونج هيون كو (المؤلِّف الأول المشارِك للدّراسة، وزميل ما بعد الدكتوراة في مجموعة أبحاث فارغيز):
“تتكوّن الأجنحة الأماميّة للرُّوبوت من قنواتٍ هوائيّة، بينما الأجنحة الخلفيّة تتكوّن من قنوات جزيئيّة، والّتي تُتيح حركة رفرفة الأجنحة عبر مُحرِّكات البالون”.
وقال: “تقوم قنوات الهواء في الأجنحة الأماميّة بتوجيه الهواء المتدفّق إلى الخلف نحو الأجنحة الخلفيّة، ممّا يدفع الرُّوبوت للأمام باستخدام الدّفع النفّاث، ويمكن التحكُّم بدقّةٍ في الحركة الأماميّة، والانعطاف والتوقُّف عن طريق رفرفة الأجنحة الخلفيّة عبر مُحرِّكات مرنة”.
في حالة درابوت، تمّ دمج الهلام المائي على جانبٍ واحدٍ من الأجنحة، فعندما يواجه الرّوبوت حالةً حمضيةً تلتئمُ الأجنحةُ معًا؛ ممّا يؤدي إلى تعطيل الرّفرفة، وهذا من شأنه أن يُعيق الحركة الأماميّة للرّوبوت فيجعله يأخذ منعطفًا، وهكذا سيعمل كآليّة استشعار وإبلاغ عن حموضة الماء.
وهناك ميزة أخرى لـدرابوت، وهي أنّه يُغيِّر لون جناحه استجابةً للتغيُّرات في درجة الحرارة، وهي سِمَة يتشاركها مع أنواع معيّنة من اليَعْسُوب، حيث أنّها تُظهر تغيّرًا حساسًا لدرجة الحرارة في أجزاء معيّنة من الجسم، فالهياكل الكارهة للماء الموجودة في الأجنحة والبطن تساعد الرّوبوت على البقاء واقفًا على قدميه، وتساعده على الحركة أيضًا، كما أنّ لديها القدرة على امتصاص الشوائب الكارهة للماء مثل الزيت.
وهكذا، عندما يعبُر درابوت منطقة بها تلوّث بالزيت على سطح الماء، فإنّه يمتصّ الزيت داخل هذه الهياكل دقيقة المسام. وفي حين أنّ دراساتِ إثبات المفاهيم تُبيّن إمكانات روبوتات متعدّدة الوظائف كهذه، فيمكن للمرء أن يتوقّع عددًا من التطبيقات.
يمكن استخدام التغيُّر المستجيب لدرجة الحموضة في الحركة للكشف عن حموضة المياه العذبة (وهي المشكلة التي تؤثّر على المناطق الحسّاسة جيولوجيًا)، كما ويمكن استخدام تغيّر اللّون المعتمد على درجة الحرارة للكشف عن التغيُّرات في درجة حرارة المسطّحات المائيّة (المرتبطة بالمدّ والجزر الأحمر)، أمّا عن خاصيّة امتصاص الزيت، فيمكن الاستفادة منها للكشف عن العلامات المبكّرة لانسكاب الزيت.
وقد أوضح فارغيز: “إنّ مستقبل الرُّوبوتات الذكيّة يكمُن بكلّ ِتأكيد في واجهة الرُّوبوتات الناعمة والصلبة، والّتي تضمّ أفضل ما في العالمين. وفيما يتعلّق بـدرابوت، فقد تتضمّن النماذج الأوليّة المستقبليّة مصدرًا للطاقة أو خزّانَ وقودٍ على متن الطائرة، الأمر الذي قد يساعدنا في القضاء على استخدام الأنابيب التي يمكن أن تتشابك في المسافات الطويلة، وتَحِدّ من نطاق المسافات المقطوعة في السّفر. وسيؤدّي دمج الكاميرات اللاسلكيّة في الرُّوبوت إلى تعزيز قدراته في الإبلاغ، كما يمكن للمرء أيضًا دمج الأنظمة الحيّة وأجهزة الاستشعار البيولوجية داخل هذه الروبوتات”.
وأضاف فارغيز: “إنّ مجالَ الرُّوبوتات النّاعمة جديد نسبيًّا، والواقع أنّ إمكانياته في مجالات مثل حماية البيئة والرعاية الصحية لا حصر لها حقًّا”.
شاهد هذا الفيديو:
ربوت ناعم “درابوت” يبحث عن القضايا البيئيّة
نرشح لك/ الروبوتات تتقدّم في الصناعة على حساب البشر