خفض انبعاثات ملوثات الهواء يساهم في تعزيز الأمن الغذائي حول العالم
إن ثقافة التكثيف الزراعي ليست بالإجابة المثلی لمجابهة الطلب المتزايد الذي يفرضه التضخم السكاني المشهود. في حين يبقی الحد من انبعاثات ملوثات الهواء الحل الأنجح؛ لزيادة الإنتاج الزراعي بطريقة تضمن حفظ الأراضي، وتوفير المال وفقًا للدراسات الحديثة.
وتشير التوقعات إلی أن غلّة المحاصيل الشتوية ستشهد زيادة قدرها 28 بالمئة في الصين وأخری قدرها 10 بالمئة حول العالم فيما إذا تم تخفيض انبعاثات ملوّث واحد فقط إلی النصف.
الملوثات المقصودة في حديثنا هذا هي أكاسيد النتروجين وهي مجموعة من الغازات السامة غير المرئية المنبعثة من عوادم السيارات، ونواتج الصناعة، وتتضمن ثاني أكسيد النتروجين.
حيث تحتل أكاسيد النيتروجين المرتبة الأولی بين الملوثات من ناحية الإنتشار حول العالم، ومتّهمة بإلحاق الضرر الكبير للنباتات المعرّضة لمستويات عالية منها، ويتجلى هذا الضرر بتلف الأوراق والحد من النمو. وما زالت الدراسات مستمرة؛ لمحاولة فهم الآلية التي يحدث بها ذلك.
تعد أكاسيد النيتروجين المقدمة التي تمهد الطريق لتلوث الهواء بالأوزون (التربوسفيري) والإيروزولات التي تعيق وصول أشعة الشمس مقلّلة بذلك من إنتاجية المحاصيل.
خلصت نتائج أبحاث أجريت العام الماضي إلی أن خفض تراكيز كل من الأوزون، ثاني أكسيد النيتروجين، الإيروزولات (الجسيمات العالقة) وثاني أكسيد الكبريت كان السبب في زيادة غلّة الذّرة وفول الصويا بنسبة 20 بالمئة في الولايات المتحدة الأميركية بين عامي 1999 و 2019. أي مايعادل 5 مليارات دولار أميركي يتم توفيرها من المحاصيل فقط من جرّاء خفض تراكيز 4 ملوّثات.
يعتبر ثاني أكسيد النيتروجين واحد من الملوثات الأسهل قياساً حيث تظهر نتائجه بشكل مباشر علی المحاصيل، حين ينبعث إلی الغلاف الجوي يتفاعل مع الأشعة فوق البنفسجية بطريقة يسهل التقاطها عبر الأقمار الصناعية.
يوضح العالم البيئي الزراعي ديفيد لوبيل من جامعة ستانفورد: ” إن أكاسيد النتروجين غير مرئية للإنسان لكن الأقمار الصناعية الحديثة مُجهّزة لتحديد، ورسم خرائط تكشف أماكن تواجدها وبدقة عالية جداً”.
ويتابع قائلاً: “إن إمكانية تقدير إنتاجية المحاصيل عبر الفضاء سنحت الفرصة لنا بدراسة تأثير هذه الغازات علی الزراعة في مناطق متنوعة”.
كشفت نتيجة المقارنات بين تراكيز غاز ثاني أكسيد النيتروجين في مختلف المناطق حول العالم وانعكاس ذلك علی واقع الغطاء النباتي الزراعي، و عن تأثيرها السلبي المستمر والبيّن.
كان فقدان المساحات الخضراء في الصين ملحوظًا وبشكل خاص على المحاصيل الشتوية مثل القمح، و قدّر الباحثون وفقًا إلى علاقة الارتباط هذه بأن خفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد النيتروجين بمقدار النصف سيحسّن من حال غلّة المحاصيل الشتوية في الصين بواقع 28 بالمئة تقريبا، وللمحاصيل الصيفية حوالي 16بالمئة.
في الهند، يتوقّع الباحثون زيادة في الغلة بمقدار 8 بالمئة و 6 بالمئة للمحاصيل الشتوية والصيفية علی التوالي كنتيجة لخفض الانبعاثات المذكورة أعلاه، وفي أوروبا الغربية من الممكن أن تزداد غلّة المحاصيل الشتوية والصيفية بنسبة 10 بالمئة.
التأرجح الذي يطال الغلّة ولو بنسبة 1 بالمئة سنويًا، يضفي أهمية حاسمة علی خفض انبعاثات الملوثات حول العالم.
تصرّح عالمة البيئة جينيفر بيرني من جامعة كاليفورنيا سان دييغو:
“تكمن أهمية هذه الدراسة في تسليط الضوء، والتأكيد علی أن هذه الإجراءات ستقدم نتائج كبيرة، وهامة في تذليل التحديات والصعوبات المتمثلة في نقص الموارد الغذائية للسكان”
صحيح أننا لا نعرف حتی الآن ماهي الآلية التي يتمكن ثاني أكسيد النيتروجين عبرها من التاثير علی نمو المحاصيل، لكن الأمر المؤكد هو وجود علاقة ارتباط بين ارتفاع تراكيزه، وخسارة هذه المحاصيل.