جيل التكنولوجيا يسقط جيل الألعاب التقليدية.. إفلاس Toys R US

ارتبطت الألعاب دائمًا بجلب السعادة للأطفال، فحبهم للألعاب يفوق حب أيّ شيء آخر. في الماضي إذا أردت أن تسعد طفلًا كان كلّ ما عليك فعله هو أن تشتري له لعبة جميلة. لكن ومع التطورات التكنولوجية وظهور الأجهزة والألواح الذكية، لم تعد الألعاب التقليدية تجذب أدنى انتباه إليها من قبل الأطفال فبمجرّد أن يرى الطفل جهازًا ذكيًّا في يدك فإنه يرمي لعبته من يده ويبدأ بالبكاء مشيرًا إلى رغبته باللعب فيه، وعندما يكبر الطفل قليلًا فإن أول ما يطلبة من والديه هو جهاز لوحي علية مجموعة وتشكيلة واسعة من الألعاب الإلكترونيه المشوقة.

وعندما نتحدث عن الألعاب فإنّ أول شيء سيخطر في بالنا هو شركة Toys R US “تويز آر اص”، تلك الشركة الرائدة في بيع الألعاب والتي بدأت نشاطها التجاري في بيع الألعاب من اللاشيء، لكنّ طموح مؤسسها “تشارلز لازاروس” الذي كان يرى الأطفال وهم يلعبون ويمرحون بألعابها وهو فقط يغمض عينيه ويحلم، لأنه كان لا يملك سوى الحلم، هذا الحلم الذي قاده إلى تأسيس أكبر شركة للألعاب والتربع على عرش إمبراطورية ألعاب الأطفال في العالم.

وبما أنّ التغيير سنّة كونية لا مفرّ منها، ولا يوجد مكان في عالم الأعمال للشركات التي لا تتطور ولا تواكب متطلبات العصر الحالي، وقعت الشركة في فخّ المديونية والإفلاس وسقط معها حلم تشارلز.

فمن هو الحالم تشارلز؟ وكيف بدأ شركته هذه؟ وما الذي تسبب في إفلاسها وإنهاء مسيرة النجاحات المتتالية التي حققتها على مدى سنوات طويلة؟ هذا ما سنعرفه في هذا الطرح.

إعلان

حلم تشارلز وبداية “تويز آر أص” Toys R US

وُلد تشارلز في العام 1924م في الولايات المتحدة الأمريكية وعاش طفولة قاسية؛ فقد عمل منذ صغره مع والده الذي كان يمتلك محلًا لإصلاح الدرّاجات الهوائية في واشنطن.

ومع بلوغ تشارلز عامَه ال 22، كان قد استطاع أن يجمع مبلغ 2000 دولار من عمله مع والده، وإلى جانب هذا المبلغ اقترض تشارلز مبلغ 2000 دولار من البنك، بعدها قام بتحويل محلّ والده إلى محلّ متخصص ببيع أثاث الأطفال.

في بداية الأمر لم ينجح تشارلز في تحقيق مبيعات عالية من أثاث الأطفال ونصحة زبائنه بأن يقوم ببيع لعب الأطفال، ومع أنّه لم يقتنع بالفكرة إلا أنه عمل بها، ومن هنا كانت البداية.

“Toys R US” من الدرجات الهوائية وأثاث الأطفال إلى أكبر شركة لألعاب الأطفال في العالم

عندما حقّق تشارلز رغبة زبائنه وقام ببيع ألعاب الأطفال في محله كان ذلك بمثابة جواز العبور إلى عالم النجاح حيث انعكس رضى الزبائن بشكل إيجابي على المبيعات وازداد حجمها بصورة ملحوظة.

حينها كان اسم المحلّ هو (سوبر ماركت للأطفال)، ومع زيادة المبيعات قرر تشارلز التوسع في عمله وفتح محلًا آخر بشعار أطلق عليه(اخدم نفسك بنفسك).

حقق تشارلز من ذلك زيادة في المبيعات ولكن بشكل بطيء لم يوصله إلى النجاح الذي يصبو إليه، الأمر الذي جعله يتخذ قرارًا بفتح محلّ ثالث، وكان ذلك في العام 1958م ، في الحقيقة إنّ المحلّ الجديد لم يكن كسابقيه، بل كان مفتاحًا للنجاح والشهرة والظهور بشكل أوسع.

أضاف تشارلز لمحله الجديد مجموعة كبيرة جدًا من ألعاب الأطفال وأعطى عليها خصومات كبيرة وصلت إلى مايقارب ال 25% مقارنة بالمحلات الأخرى.

تزايدت المبيعات ووصلت في العام 1966 إلى 12مليون، ولكن وعلى الرغم من الزيادة في المبيعات لم يستطع تشارلز التوسع بشكل أكبر، حيث لم يضف خلال تلك الفترة سوى محلًا واحدًا لأنه لم يكن يمتلك السيولة الكافية لفعل ذلك.

حينها قام تشارلز باتخاذ خطوة جريئة جدًا وهي بيع شركتة (سلسلة متاجرة) إلى شركة “انترستيت” مقابل 5،7 مليون دولار وكانت عملية البيع هذه مشروطة بأن يكون تشارلز هو المسئول عن بيع لعب الأطفال.

في بداية الأمر نجح تشارلز في هذه الخطوة ولكنّ السوق لا يخلو أبدًا من تواجد المنافسة والمنافسين الشرسين حينها، وتحديدًا في العام 1969م، إذ تعرضت شركة “انترستيت” لمنافسة شرسة جدًا من شركة (Kmart) ولم يشفع التوسع إلى 47 متجرًا ولا المبيعات التي بلغت 130 مليون دولار سنويًا وكل هذه النجاحات لم تكن كافية للنجاة حيث خسرت شركة “انترستيت” التي كان يعمل تشارلز تحت لوائها مبلغ 92 مليون دولار وغرقت في الإفلاس.

وكما يقال “رُبّ ضارة نافعة”، فلم تكن هذه النهاية، فقد كان تشارلز محاربًا شجاعًا ولم يستسلم وواصل مسيرته في بيع الألعاب بكل تحدٍّ وشغف.

عاود تشارلز مجددًا بيع الألعاب وبسبب إيمانه بأنّ الألعاب ليس لها موسم محدد بل هي سلعة مطلوبة في كلّ الأوقات، على مدار السنة استطاع تشارلز معاودة مسيرته في جني الأرباح، وتحديدًا في العام 1987م حقق تشارلز مبيعات عالية جدًا، واستخدم الأرباح الناجمة عنها في إنقاذ شركة انترستيت وإعادتها بعد الإفلاس. ليس ذلك فحسب بل استطاع أن يمتلك الشركة بشكل كامل وغيّر اسمها إلى “Toys R Us” وتعمّد جعل حرف ال R مقلوبًا في شعار الشركة لكي يجذب الأنظار اليها.

استمرت مبيعات الشركة في الارتفاع وتزايدت عدد المحلات التابعة لها، وفتحت خطًا جديدًا لإنتاج ملابس الأطفال مع استمرار الشركة في إعطاء الخصومات عن بضائعها، وليس هذا فحسب بل أخذت الشركة في التوسع حتى دخلت أسواق دول أخرى مثل اليابان وبلجيكا وهولندا والبرتغال وسويسرا بالإضافة إلى فتحها لسلسلة من المتاجر في العديد من الدول العربية كمصر والإمارات وغيرها وواصلت الشركة تحقيق المزيد والمزيد من النجاحات.

بعدها تنحّى تشارلز عن منصبه كمدير تنفيذي للشركة لصالح “مايكل غولدستاين” ولكنه ظلّ يقوم بمسؤولياته كرئيس للشركة.

بداية تدهور شركة Toys R Us

صمدت شركة تويز آر اص أمام الكثير من العقبات والتحديات واستطاعت أن تكسب المنافسة وتتغلّب على الكثير من شركات الألعاب لكنها كغيرها من الشركات التي لم تستطيع الصمود أمام التكنولوجيا ووقعت في فخ الشركات الإلكترونية.

فمنذ ظهور التجارة الإلكترونية والشركات التي تعمل في مجال الإنترنت أصبحت المنافسة أشدّ شراسة وخصوصًا إذا كان المنافس قويًا وعملاقًا مثل شركة آمازون، حيث كانت هناك حرب طاحنة دارت بينهما وبدأت في العام 2005 وتسببت بسلسلة كبيرة من الخسائر وانخفاض حادّ في مبيعات شركة تويز آر اص وأغرقتها بمزيد من الديون.

يذكر أنّ شركة تويز آر اص كانت قد رفعت دعوة قضائية على شركة آمازون متهمة إياها بأنها خرقت عقد البيع بينهما وأتاحت الفرصة لأشخاص آخرين ببيع منتجاتٍ كان لتويز آر اص الحق الحصريّ في بيعها، وحينها كسبت شركة الألعاب القضيّة ضدّ آمازون وتقاضت تعويضًا من أمازون بقيمة 51مليون دولار.

الأمر الذي أدّى إلى قيام أمازون بفسخ عقدها معها وهو ما تسبّب بتجنّب الكثير من شركات البيع الإلكتروني التعامل مع شركة “تويز آر اص”.

وليست فقط أمازون وغيرها من شركات البيع الإلكتروني كان من تسبّب بإلحاق الضرر بشركة تويز أر اص، فمن جهة أخرى هناك شركات كان لها الدور الأكبر في ذلك أمثال شركتي آبل وسامسونج، فالألعاب والتطبيقات الإلكترونية الموجودة على الأجهزة الذكية تسببت في جذب الأطفال إليها وأبعدتهم عن اللعب بالألعاب التقليدية.

لم تستطع” تويز آر أص” الصمود أكثر من ذلك وأصدرت قرارًا بإغلاق جميع فروعها في الولايات المتحدة الأمريكة والبالغ عددها 735 متجرًا كذلك أغلقت محالّها في بريطانيا، معلنة بذلك استسلامها وعدم قدرتها على مواكبة التطورات الحديثة وألعاب الأطفال الذكية وعدم تمكّنها من سداد ديونها البالغة 8 مليار دولار، مخلّفة وراءها أكثر من 30 ألف موظف ستتمّ إقالتهم خلال الأسابيع المقبلة.

صدم هذا الإعلان أطفال أمريكا، ويذكر أنّ هناك طفلًا يدعى” أندرو” قام بإرسال رسالة للمحاكم الأمريكية معبرًا فيها عن استيائه وحزنه الشديد من قرار إغلاق سلسلة متاجر “تويز آر اص”.

ينبغي الاتعاظ مما حدث مع شركة Toys R Us وغيرها من الشركات التي لا تعمل حسابًا للتطورات المتواصلة وللتغيّر في أذواق وتفضيلات مستهلكيها، وللثورة الحاصلة في مجال الإلكترونيات، فحتمًا أي منشأة لم تبدأ الاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي والتقنية فإنّ مصيرها سيكون الموت المحتّم.

إعلان

اترك تعليقا