جياكومو ليوباردي | محاورة فرفوريوس وأفلوطين.. عن الانتحار وقسوة الطبيعة

يناقش جياكومو ليوباردي في محاورة فرفوريوس وأفلوطين فكرة الانتحار وأن هذا الفعل ليس إنكارًا للوجود، بل عمل موجه ضد التعاسة والملل المُستشريان في حياة الإنسان

ذات يوم كنت أنا، فرفوريوس، أتأمَّل في وضع حدٍّ لحياتي، وحين خمَّن أفلوطين نِيِّتي قاطعَني، وقالَ: إنَّ مثل هذا المخطط لا يُمكن أن ينطلِقَ من ذهنٍ سليمٍ، ولكنَّه ينطلقُ من بعض النّفور السَّوداويّ، وإنّه لابدَّ لي من استنشاقِ هواء جديد.
(حياة أفلوطين، بقلم فرفوريوس)

ويتمّ سرد نفس الحادثة (في حياة أفلوطين المكتوب بواسطة إونابيوس)، والذّي أضافَ فيه أنَّ أفلوطين سجَّلَّ المحادثة التّي أجراها مع فرفوريوس حول هذا الموضوع بعدها في كتاب.

أفلوطين: أنت تعرفُ، يا فرفوريوس، كم أنا صديقٌ مُخلصٌ لك. ولذلك لن تتعجَّّب من قلقي عليك؛ لقد لاحظت منذ بعض الوقت مدى حُزنك وانشغال تفكيرك، إنَّ تعبيرات وجهك غير عادية وقد ذكرتَ أنت كلمات مُعيَّنة أثارت في نفسي قلقًا.. باختصارٍ أخشى أن تدفعك نفسك للتفكير في مخطّط شرير.

فرفوريوس: كيف؟! وماذا تقصد بذلك؟

أفلوطين: أعتقد أنّك تنتوي إيذاء نفسك؛ وهذا الفعل من نذير شؤم أن نُعطيه اسمًا.. لذا فاستمع لي، يا عزيزي فرفوريوس، ولا تُخفِ الحقيقة، ولا تُخطئ الظنَّ في صداقتنا القائمة منذ فترة طويلة، إنني أعلمُ أنَّ كلماتي قد تتسبَّب في استيائك، ويمكنني أن أفهم بسهولةٍ أنّك تفضل إبقاء مخططك مختبئًا.. ولكنني لا أستطع الصمت في مثل هذه المسألة، وعليك ألا ترفض أن تثق في شخصٍ يُحبُّك كما يحبُّ ذاته، ولذا دَعْنا نتحدث بهدوء، ونزن كلماتنا… وافتح قلبك لي، وقل لي مشاكلك، واسمح لي أن أُصغِي لفاجعتك؛ فلقد استحققتُ ثِقتَك، وأعدك من جانبي بعدم معارضتك في تنفيذ قرارك، إذا اتَّفقنا على أنه مفيدٌ وعقلانيٌّ.

فرفوريوس: أنا لم أرفض قط طلبًا لك يا عزيزي أفلوطين. لذا، سأعترف لك بما كنت سأفعله بنفسي؛ ولا شيء في العالم من شأنه أن يدفعني على أن أقول ذلك لأي شخص آخر. بلى أنت محق في تفسيرك لأفكاري. وإذا كنتَ ترغب في مناقشة الموضوع، فلن أرفض، على الرغم من عدم رغبتي في ذلك؛ لأنه في مثل هذه المناسبات، يُفضَّل للعقل أن يشمل نفسه بالصمت، وأن يتأمل في العزلة، ويترك نفسه لفترة من الوقت في حالة كُلية من الاستغراق الفكري الذاتي. ومع ذلك، أنا على استعداد للقيام بما ترغب.
في المقام الأول، جديرٌ بالقول أن أؤكد على أن تصميمي لا يتمخض عن أي محنة خاصة، أنه ببساطة نتيجة الضجر التام من الحياة، الملل (ennui) المستمر الذي امتلكني لفترة طويلة كالألم، وربما أضيف إلى ذلك الشعور بزيف وعبثية كل الأشياء، الذي يجتاح جسدي وروحي، ولا تقل أن هذه النزعة غير عقلانية، على الرغم من أنني أعترف أن جزء من هذه النزعة انبثق من أسباب جسدية. إلا أن هذه النزعة في حد ذاتها أمرٌ عقلاني تمامًا، وتختلف عن جميع تصرفاتنا الأخرى؛ التي تُبني على الوهم والزيف، لتجعلنا نصبغ بعض القيم على الحياة والأشياء البشرية؛ ولتثبت أن هذا التحليل يتعارض مع المنطق.
فلا يوجد ما هو أكثر عقلانية من الملل، جميع الملذات غير واقعية. الألم ذاته، أو بشكل خاص الألم العقلي، زائف بنفس القدر، لأنه عند اختباره نادرًا ما يكون له أي أساس، لا شيء على الإطلاق، ويمكننا قول نفس الشيء عن الخوف أو الأمل، الملل وحده، الذي ولِد من زيف الأشياء، هو الحقيقي، لا يُخادِع أبدًا. وبناءً على ذلك، كل شيء أخر هو محض عبث، إن واقع الحياة يتلخص في الملل.

إعلان

أفلوطين: قد يكون كلامك صحيحًا. ولن أتعارض معك فيما يتعلق بذلك. ولكن يجب علينا الآن النظر في طبيعة المخطط. فكما تعلم، أن أفلاطون رفض أن يسمح للإنسان بالحرية في الرحيل عن طريق الهروب، وأن يكون مثل العبد الذي يهربُ من الأسر الذي وُضِع فيه بإرادة الآلهة، عن طريق حرمان نفسه من الحياة.

فرفوريوس: أتوسل إليك، عزيزي أفلوطين، أن تدعك من أفلاطون الآن، بمذاهبه وأحلامه. فأن نثني على نظريات معينة في المدارس وفي الكتب ونشرحها ونؤيدها هذا شيئٌ، وتطبيقها عمليًا شيئٌ آخر. فالتعليم المدرسي يُجبرنا على الإعجاب بأفلاطون، والاقتداء به، وهذه هي العادة في الوقت الحاضر. ولكن في الحياة الحقيقية، من الصعب الاقتداء به، حتى أنه يتم مقته. فصحيحٌ أن أفلاطون ذاع صيته في الخارج من خلال كتاباته الخيالية حول الحياة المستقبلية (حياة ما بعد الموت)، والتي تركت البشر في شك حول مصيرهم بعد الموت، وتخدم غرضًا جيدًا في ردع البشر عن الشر في هذه الحياة، من خلال الخوف من العقاب في الحياة القادمة. إلا إنه إذا تخيلت أن أفلاطون هو مُخترع هذه الأفكار والمعتقدات، فسأود أن أتحدث معه وأخبره بالتالي: –

“أنت تلاحظ، أيا أفلاطون، كيف كانت القوة التي تحكم العالم دومًا معادية لعرقنا، سواء كانت معروفة باسم الطبيعة أو المصير أو القدر. وهناك العديد من الأسباب التي تعارض الافتراض المزعوم، والذي نحب أن نتخيله بسرور؛ بأن للإنسان مرتبة أعلى في ترتيب الخلق، لكن لا يمكن بأي حال من الأحوال حرمانه من الخاصية التي ينسبها له هوميروس، ألا وهي المعاناة، ومع ذلك، فقد أعطتنا الطبيعة علاجًا لجميع الشرور، إنه الموت، الذي يخشاه قليلًا أولئك الذين لا يملكون وعيًا كافيًا بذواتهم، والرجاء الذي يُنشده كل الآخرون.

ولكنك حرمتنا من هذه المرثية الغالية في حياتنا، حياتنا المليئة بالمعاناة. فالشكوك التي أثرتها، نزعت هذه الراحة من دواخلنا، وجعلت فكرة الموت أكثر الأفكار مرارة. والفضل لك، في أن البشر الفانين التُعساء يخشون الآن الميناء أكثر من العاصفة، حيث تم طردهم من مكانهم الوحيد الذي يستريحون فيه، وسرقة العلاج الوحيد الذي يمكنهم البحث عنه، ولذا  يسلمون أنفسهم لمتاعب ومعاناة الحياة. وبالتالي، كنتَ أنت أكثر قسوةً تجاهنا من المصير، أو الطبيعة، أو القدر، وهذا الشك، بمجرد تصوُّره، لا يمكن التخلص منه أبدًا، وهذا يرجع إليك لأن أتباعك يعتبرون أن الموت شيئًا أكثر فظاعة من الحياة. وأنت المسئول عن نبذ هذه الراحة وهذا السلام اللذان تم نبذهما إلى الأبد من اللحظات الأخيرة في حياة الإنسان، في حين أن جميع الحيوانات الأخرى تموت في طمأنينة تامة، وهذا هو الشيء، أيا أفلاطون، الذي كان يتبقى لتكملة نِصاب البؤس البشري.

صحيح، أن نيتك كانت جيدة. لكنها فشلت في غرضها. فلم يتم القضاء على العنف والظلم، لأن الفاعلين الأشرار يدركون فقط رعب الموت في لحظاتهم الأخيرة، أي عندما يكونون عاجزين تمامًا عن إلحاق المزيد من الأذى. لذا فشكوكك تُصيب فقط الأخيار، الذين هم أكثر ميلاً إلى التعرض للأذى أكثر من أقرانهم، والضعفاء والخَجالَى، الذين لا ينحرفون بسبب الطبيعة وليس عندهم مَيل إلى إيذاء أي شخص آخر. أما الرجال الجريئون والأقوياء، الذين بالكاد لديهم أي مخيلة، وأولئك الذين يحتاج بعضهم إلى ضبط النفس بخلاف القانون، فيعتبرون هذه المخاوف مخزية، ولا تردع عن فعل الشر، ونحن نرى حالات يومية من هذا، وكل العصور، من وقتك إلى الوقت الحاضر، تؤكد ذلك. فالقوانين الجيدة، والتعليم الجيد، والثقافة العقلية والاجتماعية؛ تُعد هي الأشياء التي تحافظ على العدالة والتسامح بين الرجال. والحضارة، والقدرة على التفكير العقلاني، يجعلون البشر يكرهون دائمًا الحرب فيما بينهم وسفك دماء بعضهم البعض، ويصبحون غير ميالين إلى الشجار، وأن يعرضوا حياتهم للخطر بسبب الفوضى. لكن هذه النتائج الجيدة لا ترجع أبدًا إلى التهديدات المروعة، والتوقعات المريرة للعواقب الرهيبة؛ فهذه (العواقب)، مثل العديد من العقوبات القاسية المستخدمة في بعض الدول، لا تؤدي إلا إلى زيادة انحطاط ووحشية الرجال، وبالتالي تجعلهم يعارضون رفاه المجتمع البشر.

وربما، مع ذلك، سترد على أنك وعدت بمكافأة أبدية في المستقبل. فما هي إذن هذه المكافأة؟ حالة من الحياة تبدو مليئة بالملل، وحتى أقل تحملاً من وجودنا الحالي! مرارة عقوباتك لا لبس فيها، ولكن حلاوة مكافآتك مخفية وسرية، غير مفهومة لعقولنا، فكيف يمكن القول إن النظام والفضيلة تشجعهما عقيدتك؟ وسأجرؤ على القول إنه إذا تم ردع القليل من الرجال عن طريق الشر خوفًا من ترتاروس الرهيب، فلن يُقدِم أي رجل صالح على القيام بعمل جدير بالثناء برغبة في جنتك (Elysium) فمثل هذه الجنة لا تجذبنا، ولكن بصرف النظر عن حقيقة أن جنتك نادرًا ما تكون مكانًا جذابًا. فمن هو الأفضل بيننا، الذي يُمكن أن يأمل في استحقاقها؟ من هو هذا الرجل الذي بإمكانه إرضاء قضاتك الذين لا يرحمون، مينوس، وإيكوس، وهادامانثوس، الذين لن يغفلوا عن خطأ واحد، مهما كان تافهًا؟ مَن ذلك الذي يُمكن أن يصل إلى مستوى نقائك؟ باختصار، لا يمكننا البحث عن السعادة في العالم القادم؛ وعلى الرغم من أن ضمير الإنسان قد يكون نقيًا، أو مهما كانت حياته مستقيمة، فإنه في ساعته الأخيرة سيخشى المستقبل بسبب توتره الرهيب. وذلك يرجع لتعليمك أن الخوف ذو تأثير أقوى بكثير من الأمل، ويمكن القول إنه يهيمن على البشرية.

هذه هي نتيجة مذهبك، فالإنسان، الذي حياته على الأرض تصل إلى أقصى حدود البؤس، لا يستطيع أن يعجل بالموت، كنهاية لجميع مآسيه، ولكن يمسى كبداية لوضع أكثر بؤسًا. وهكذا أنت تتفوق في القسوة، ليس فقط على الطبيعة والقدر، ولكن تصبح كأكثر الطغاة انعدامًا للرحمة وتعطشًا للدماء عرفه العالم على الإطلاق.

ما هي القسوة التي يُمكن أن تتجاوز قانونك، بتحريم الإنسان من وضع حدٍ لهذه المعاناة والمآسي عن طريق إنهاء حياته طواعية، وبالتالي الانتصار على أهوال الموت؟ فالحيوانات الأخرى لا ترغب في وضع حدٍ لحياتها، لأن بؤسهم أقل مننا؛ ولن يكون لديهم حتى الشجاعة الكافية لمواجهة الموت الطوعي، ولكن إذا كانوا يرغبون في الموت، فما الذي سيردعهم عن تحقيق رغبتهم؟ إنهم ليسوا متأثرون بأي تحريم ولا خوفًا من المستقبل. وهذا مرة أخرى يجعلنا أقل شأنًا من الوحوش الضارية، فالحرية التي يمتلكونها؛ لا يستخدمونها، وهذه الحرية الممنوحة لنا أيضًا من الطبيعة، البخيلة جدًا في هباتها؛ أنت تسلبها، وهكذا، فالمخلوقات الوحيدة القادرة على توق الموت، حقهم فيه مرفوض. والطبيعة والقدر والحظ يطغون علينا بضربات قاسية، ويتسببون في جعلنا نعاني على نحو رهيب؛ وأنت تضيف إلى معاناتنا معاناة عن طريق ربطك لأذرعنا وتقييد أقدامنا، بحيث لا نستطيع الدفاع عن أنفسنا، ولا الهرب من مضطهدينا.

وأقول بكل صدق، عندما أفكر في بؤس البشرية العظيم، يبدو لي أن عقيدتك، أيا أفلاطون، فوق كل شيء، هي الأكثر ذنبًا، وأن البشر قد يشتكون منك أكثر من الطبيعة. فالأخيرة، تُصدر لنا وجودًا مليئًا بالتعاسة، وتترك لنا وسيلة للهرب منها حينما يحلو لنا. وفي الواقع، إن التعاسة لا يمكن وصفها بأنها نهائية، فعندما يكون في أيدينا القدرة على وضع حد لها حين نرغب، والقدرة على الخروج من الحياة بكل سرور، والانسحاب من مآسي العالم، يُعد ذلك عزاء عظيم لنا، وهو بحد ذاته يكفي لجعل الوجود محتمل، وبالتالي، لا يمكن أن يكون هناك أي شك في أن التعاسة الرئيسية تنبع من الخوف، من أننا قد نُغمِس حياتنا في حالة من البؤس (في حياة ما بعد الموت) تفوق الحاضر، ولن يكون المستقبل أكثر بؤسًا فحسب، بل سيكون مليئًا أيضًا بالتعذيب القاسي، بحيث تكون المقارنة بين هذه التعذيبات غير المجربة، مع المعاناة المُجربة لهذه الحياة؛ تُحقِّر من شأن الأخيرة.

أنت بسهولة، أيا أفلاطون، أثرت هذا السؤال حول الخلود؛ ولكن الجنس البشري سوف ينقرض قبل أن يشعر بالاستقرار. فعبقريتك هي أكثر الأشياء المميتة التي ابُتليت بها البشرية على الإطلاق، ولا يوجد شيء أكثر كارثة من آثارها.”
هذا ما أود قوله لأفلاطون، لو أنه هو من اخترع هذه العقيدة التي نناقشها؛ ولكنني أدرك جيدًا أنه لم يُنشئها. ومع ذلك، فقد قلت بما فيه الكفاية. لذا دعنا نترك هذا الموضوع، من فضلك.

أفلوطين: أنت تعرفُ كم أحترم أفلاطون، يا فرفوريوس ومع ذلك أثناء حديثي إليك الآن في مناسبة كهذه، سأعطيك رأيًا خاصًا، وسأغفل سلطته. فكلماته القليلة التي تحدثتُ أنا بها لم تكن أكثر من مقدمة ولا شيئًا آخر. وبالعودة إلى حجتي الأولى، أؤكد لك، أنه ليس فقط أفلاطون ولا الفلاسفة الآخرين، لكنها الطبيعة نفسها، تُعلّمنا أنه من غير المناسب أن نُنهي حياتنا بأنفسنا. ولن أقف كثيرًا عند هذه النقطة، لأنه إذا فكرت فيها مليًا، فأنا متأكد من أنك ستتفق معي على أن الانتحار أمر غير طبيعي. إنه في الواقع إجراء يتعارض مع الطبيعة. فلسوف يتم تخريب نظام الأشياء بأكملها إذا دمرت كائنات العالم نفسها. ومن البغيض ومن العبث أن نفترض أن الحياة توهب، ليتم سلبها فقط عن طريق مالكها، وأن الكائنات يجب أن تكون موجودة فقط لتصبح غير موجودة. فقانون الحفاظ على الذات هو أشد قوانين الطبيعة صرامة. والمحافظة عليها موضوعة بكل طريقة ممكنة داخل الإنسان وجميع مخلوقات الكون. وبغض النظر عن أي شيء آخر، ألا نخاف بصورة غريزية، ونكره ونتجنب الموت، رغمًا حتى عن أنفسنا؟ فلذلك، بما أن الانتحار يتعارض تمامًا مع طبيعتنا، فلا أستطيع أن أعتقد أنه مسموح به.

فرفوريوس: لقد تأملت بالفعل حول هذا الموضوع من جميع وجهات النظر؛ فبالنسبة للعقل فلا يمكنه تصميم مثل هذه الخطوة دون اعتبار. ويبدو لي أن كل براهينك في موضع مساءلة بنفس القدر لنقيضها. ولكنني سأكون مختصرًا. أنت تشك في ما إذا كان يجوز الموت دون ضرورة. وأنا أسألك هل يجوز أن تكون تعيسًا؟ فالطبيعة، كما تقول، تحظر الانتحار. وهذا أمر غريب، بما أنها غير قادرة أو غير راغبة في إرضائي أو أن تحررني من التعاسة، أيجب أن تكون لديها القدرة على إجباري على العيش؟. وإذا كانت الطبيعة قد منحتنا حب الحياة وكراهية الموت، فقد منحتنا أيضًا حب السعادة وكراهية المعاناة؛ والغرائز الأخيرة أقوى بكثير من الغرائز الأولى، لأن السعادة هي الهدف الأسمى من جميع أعمالنا ومشاعر الحب أو الكراهية لدينا. فلأي غاية إذن نتجنب الموت، أو نرغب في الحياة، لأن ننهض برفاهيتنا، وأن لا نخشى من النقيض؟

فكيف يمكن إذن أن يكون من غير الطبيعي الهروب من المعاناة بالطريقة الوحيدة المتاحة للإنسان، أي بالموت؛ حين تُصبح المعاناة في الحياة لا يمكن تجنبها؟ وكيف، أيضًا، أن يكون صحيحًا، أن الطبيعة تمنعني من تكريس نفسي للموت، وهو بلا شك شيئًا جيدًا، ونبذ الحياة، التي هي بلا شك شيئًا شريرًا ومضر، لأنها مصدر معاناتي؟

اقرأ أيضًا: محاورة بين الطبيعة وآيسلندي.. جياكومو ليوباردي

أفلوطين: هذه الأشياء لا تقنعني بأن الانتحار ليس غير طبيعي. أوليس لدينا رعب غريزي قوي بالموت؟ إضافة إلى ذلك، فنحن لا نرى أبدًا الوحوش الضارية، والتي تتبع دائمًا غرائزها الطبيعية (عندما لا يتم ترويضها من قِبل الإنسان) تنتحر، أو أن تعتبر الموت أمرًا لا يجب مكافحته، حتى في أعظم أوقاتهم معاناة. باختصار، كل الرجال الذين يرتكبون هذا العمل اليائس، سوف يكونون قد عاشوا غير ممتثلين للطبيعة. وعلى النقيض من ذلك، فالذين يعيشون بشكل طبيعي، يرفضون الانتحار دون استثناء، حتى لو أفكارهم اقترحت عليهم ذلك.

فرفوريوس: حسنًا، كما تُريد، سأعترف بأن الإجراء يتعارض مع الطبيعة. ولكن ما علاقة ذلك بالأمر، فإذا لم تتفق ذواتنا مع الطبيعة؛ ألا يُعد ذلك أمرًا وحشيًا؟ قارن بيننا، على سبيل المثال، بسكان الهند أو إثيوبيا، الذين يقال إنهم احتفظوا بأخلاقهم البدائية وعاداتهم البرية. بالكاد تظن أن هؤلاء الناس ينتمون حتى لنفس النوع الذي ننتمي نحنُ إليه. فهذا التحول في الحياة، وتغيير الأخلاق والعادات من خلال التحضر، قد صاحبه، في رأيي، زيادة هائلة في المعاناة. فالمتوحشون لا يرغبون أبدًا في الانتحار، ولا يحفزهم خيالهم أبدًا على اعتبار الموت أمرًا مرغوبًا فيه؛ بينما نحن المتحضرون نرغب فيه، وأحيانا نسعى له طواعية.

والآن، إذا سُمح للإنسان أن يعيش بشكل غير طبيعي، وبالتالي غير سعيد، فلماذا لا يموت أيضًا بشكل غير طبيعي؟ إن الموت في الواقع، هو الوسيلة الوحيدة التي يستطيع بها الإنسان إنقاذ نفسه من التعاسة التي تنجم عن الحضارة. أو، لماذا لا نعود إلى حالتنا البدائية، وحالة الطبيعة؟ آه، يجب أن نجد ذلك مستحيلًا تقريبًا فحينما يتعلق الأمر بالظروف الخارجية، فمن الناحية العقلية، يكون ذلك مستحيلًا تمامًا. وما هو أقل طبيعية من الدواء؟ وأنا أعني بذلك الجراحة واستخدام العقاقير. كلاهما يُستخدم بشكل اعتيادي صراحة لمحاربة الطبيعة، وغير معروفين تمامًا للوحوش الضارية. ومع ذلك، نظرًا لأن الأمراض التي يعالجونها غير طبيعية، وتحدث فقط في البلدان المتحضرة، حيث سقط الناس من حالتهم الطبيعية، فإن هذه الفنون، مع كونها غير طبيعية أيضًا، إلا أنها  تحظى بتقدير كبير ولا يمكن الاستغناء عنها. وبالمثل، يجب عدم إلقاء اللوم على الانتحار، وهو علاج جذري لمرض اليأس؛ اليأس الذي هو إحدى نتائج الحضارة. ويجب عدم إلقاء اللوم عليه أيضًا لأنه غير طبيعي؛ فالشرور غير الطبيعية تتطلب علاجات غير طبيعية. وفي الواقع سيكون الأمر عصيبًا وغير عادلٍ حين يكون السبب الذي يزيد من بؤسنا هو إجبارنا على العيش عكس الطبيعة، وفي هذا الصدد أينبغي علينا أن ننضم للطبيعة!، ونسلب من أنفسنا أملنا وملاذنا الوحيد المتبقي والمصدر الوحيد المتسق مع نفسه، وأن نُجبِر أنفسنا على الاستمرار في تعاستنا.

فالحقيقة هي هذه، يا أفلوطين. طبيعتنا البدائية قد غادرتنا إلى الأبد. والعادة والعقل أعطونا طبيعة جديدة بدلًا من الطبيعة القديمة، تلك التي لن نعود إليها أبدًا. وفيما مضى، لم يكن من الطبيعي أن ينتحر البشر أو يرغبون في الموت. وفي الوقت الحاضر، كلا الأمرين أصبح أمرًا طبيعيًا. بل إنهما يتوافقان مع طبيعتنا الجديدة، والتي، مثلها مثل القديمة، لا تزال تدفعنا إلى البحث عن سعادتنا. وبما أن الموت هو أعظم خير لنا، أليس من اللافت للنظر أن يسعى الرجال له طواعية؟ فعقلنا يُخبرنا أن الموت ليس شرًا، ولكنه، علاج لجميع الشرور، وهو أكثر الأشياء المرغوب فيها.

والآن أخبرني.. هل جميع أعمال البشر المتحضرين تنظمها معايير طبيعتهم البدائية؟ وإذا كان الأمر كذلك، فأعطنِ مثالًا واحدًا؟!. لا، إن حاضرنا، وليست طبيعتنا البدائية، هو الذي يفسر أفعالنا؛ أي، أنه عقلنا. فلماذا إذن يجب الحكم على الانتحار وحده على أنه غير عقلاني، ومن ناحية طبيعتنا البدائية؛ التي ليس لها تأثير على حياتنا، لماذا هي تُسيطر على موتنا؟ ولماذا لا ينبغي أن يحكم موتنا نفس العقل الذي يحكم حياتنا؟ إنها لحقيقة، فسواء كان ذلك بسبب العقل أو تعاستنا، إن بداخل الكثير من الناس، وخاصة أولئك الذين يعانون من التعاسة والمِحن، يتم إبطال كراهية الموت البدائية بداخلهم، وتتحول حتى إلى رغبة ومحبة، فكما قُلتُ، هذا الحب، على الرغم من أنه يتعارض مع طبيعتنا البِكرية، وهي حقيقة واقعة في يومنا هذا. فإننا أيضًا تُعساء بالضرورة لأننا نعيش بشكل غير طبيعي. وبالتالي من غير المعقول بشكل واضح، التأكيد على أن الحظر الذي نهى عن الانتحار في الحالة البدائية يجبُ أن يكون جيدًا الآن. وهذا يبدو لي مبرر كافي للفعل. وما يتبقى هو البرهان إذا ما كان مفيدًا أم لا.

أفلوطين: لا يهم هذا الجانب من السؤال، يا عزيزي فرفوريوس، لأنه إذا كان الفعل مسموحًا به، فلا شك لدي في فائدته القصوى. ولكنني لن أعترف أبدًا أن أي إجراء محظور وغير لائق يمكن أن يكون مفيدًا. فالأمر يحل نفسه حقًا في هذا: فأيهما أفضل، أن تُعاني، أم أن لا تُعاني؟ ومن المؤكد أن معظم البشر يفضلون المعاناة مختلطة مع المُتعة، عن حالة خالية من كلا الأمرين المعاناة والتمتع، ولذلك نحنُ نرغب ونتعطش للمتعة. ولكن هذا جانب من السؤال، لأن المتعة والسرور، بالشكل السليم، أمر مستحيل بقدر عدم وجود مفر من المعاناة. وأعني أن المعاناة مستمرة مثل رغبتنا التي لن تشبع أبدًا من المتعة والسرور، وبصرف النظر عن المعاناة العرضية والغريبة التي يجب أن يختبرها حتى أسعد البشر. وفي الحقيقة، إذا كُنا على يقين أنه من خلال استمرارنا في العيش، ينبغي أن نستمر في المعاناة، فيجب أن يكون لدينا سببٌ كافٍ لتفضيل الموت على الحياة؛ لأن الوجود لا يحتوي على متعة حقيقية واحدة للتعويض عن هذه المعاناة، حتى لو كان ذلك ممكنًا.

فرفوريوس: يبدو لي أن الملل وحده، وحقيقة أننا لا نستطيع أن نأمل في وجود أفضل، هو سبب مقنع بما يكفي للحث على الرغبة في الموت، وعلى الرغم من أن حالتنا يسودها النماء. فغالبا ما يكون الأمر مفاجأة بالنسبة لي أنه ليس لدينا سجل من الأمراء الذين انتحروا من الملل والضجر من عظمتهم، مثل الرجال الآخرين في مراكز الحياة الُدنيا. فلقد قرأنا كيف اعتاد هيجيسياس القوريني، على التفكير ببلاغة كبيرة حول بؤس الحياة، حتى أن مُستمعينه ذهبوا على الفور وانتحروا؛ ولهذا السبب كان يطلق عليه “المُقنِع بالموت”، وحظره بطليموس عن الإدلاء بمزيد من الخُطب حول هذا الموضوع. وصحيح أن بعض الأمراء قد تعرضوا لعمليات انتحار، منهم ميثريدات وكليوباترا وأوثو. ولكن هذه كلها حالات أنهت حياتها طواعية للهرب من شرور مُعينة، أو من الخوف من زيادة المِحن. فالأمراء، أتصور، أنهم أكثر عرضة من البشر الآخرين ليشعروا بالكراهية تجاه حالتهم، والتفكير بشكل جدي حول الانتحار. لأنهم لم يصلوا بعد إلى قمة ما يسمى بالسعادة البشرية؟! برغم أنهم لديهم كل ما يتطلعون إليه، ولديهم بالفعل جزءٌ من كل ما يشكل؛ ما يُسمى بالأشياء الجيدة في هذه الحياة. لذا هم لا يمكن أن يتوقعوا المزيد من المتعة في الغد مما كانت عليه في اليوم. وهكذا أنهم في حالة غير مرضية أكثر من الناس الأقل شأنًا. الذين في الوقت الحاضر هم دائما حزانى وغير راضيين. ولكنهم يتطلعون للمستقبل الذي قد يحمل المتعة لهم.

ولكن أي كان الأمر. فنرى حينئذٍ أنه لا يوجد ما يمنع البشر من ترك الحياة طواعية، وتفضيل الموت، فبعيدًا عن الخوف من عالم آخر، فجميع الأسباب الأخرى غير واضحة المعالم. بل إنها ناتجة عن نظرة خاطئة، فعند مقارنة مزايا وشرور الوجود. فكل منا يشعر في أي وقت بالتعلق القوي بالحياة، أو يعيش في حالة من الرضا؛ يفعل ذلك وهو مدفوعًا بقرار أو إرادة أو حتى حقيقة خاطئة.

أفلوطين: هذا صحيح يا عزيزي فرفوريوس. ولكن مع ذلك، اسمح لي أن أنصحك، بالاستماع إلى نصيحة الطبيعة بدلًا من العقل. وأن تتبع غرائز تلك الطبيعة البدائية، أمنا جميعًا، والتي رغم أنها لم تبدِ أي عاطفة لنا في خلقنا من أجل التعاسة، إلا أنها عدو أقل مرارة وقسوة من عقلنا، بفضوله غير المحدود، وتخميناته، وثرثرته، وأحلامه وأفكاره وتعاليمه البائسة. إلى جانب أن الطبيعة سعت إلى تقليل تعاستنا من خلال إخفائها أو تحديدًا إخفائها عنا قدر الإمكان. وعلى الرغم من أننا قد تغيرنا، وتقلصت قوة الطبيعة بداخلنا، إلا أننا لم نتغير كثيرًا وهناك بقايا عديدة مما كُنا عليه سابقًا، ولم يتم خنق طبيعتنا البدائية تمامًا بداخلنا. ورغم كل حماقتنا، فلن يكون الأمر خلاف ذلك. كذلك أيضًا، فإن النظرة الخاطئة للحياة التي ذكرتها، وعلى الرغم من أنني أعترف بأنها في الواقع غير صحيحة، إلا إنها ستستمر. ولن يحتفظ بها فقط البلهاء ومتوسطي البديهة، بل سيحتفظ بها الأذكياء والحكماء والمتعلمون، وسيظلون كذلك دائمًا، فما لم تضع الطبيعة – وليس الإنسان ولا عقله – التي صنعتنا بنفسها حدًا لذلك. فدعني أؤكد لك، أنه لا الاشمئزاز من الحياة، ولا اليأس، ولا الإحساس بتفاهة كل شيء، ولا انعدام أهمية الإنسان، ولا كراهية النفس وكراهية العالم، سيدوم طويلًا؛ فرغم أن نزعات العقل هذه معقولة تمامًا، والعكس غير معقول. فحالتنا البدنية تتغير في كل لحظة. وغالبًا دون أي سبب خاص، فتحيا الحياة من جديد داخلنا مرة أخرى، وتضفي الآمال الجديدة سطوعًا على الأشياء البشرية، والتي تجعلها تبدو مرة أخرى جديرة ببعض الاهتمام؛ وليس من إدراكنا، ولكن ممّا يمكن تسميته بالحواس العُليا للعقل. وهذا هو السبب في أن كل واحدٍ منا، على الرغم من إدراكه التام للحقيقة، فلا يزال يعيش على الرغم من العقل، ويتوافق مع سلوك الآخرين؛ لأن حياتنا تتحكم فيها هذه الحواس وليس إدراكنا.

سواء كان الانتحار عقلانيًا، أو توافقنا مع الحياة غير عقلانيًا، فالأول هو بالتأكيد عمل فظيع وغير إنساني. إذ أنه من الأفضل أن اتبع الطبيعة، وأبقى إنسان، من أن أتصرف مثل وحش يتبع العقل. وإضافة إلى ذلك، أفلا ينبغي لنا أن نفكر في بعض من الأصدقاء والأقارب والمعارف والأشخاص الذين اعتدنا أن نعيش معهم والذين سننفصل عنهم إلى الأبد؟ وإذا كانت فكرة هذا الانفصال لا تُعنينا، أفلا يجب أن نفكر في مشاعرهم؟ وإنهم سيفقدون شخصًا يحبونه ويحترمونه؛ وأن فظاعة موته ستعزز حزنهم. أنا أعلم أن الرجل الحكيم لا يمضي بسهولة، ولا يرضخ للشفقة والرثاء إلى حدٍ مُقلق؛ وإنه لا يمسح نفسه من على الأرض، ويذرف الدموع بطريقة غير معتدلة، ولا يفعل أشياء مماثلة أخرى تافهة، هذا الحكيم من يفهم بوضوح الحالة الإنسانية. ولكن يجب الحفاظ على ثبات الروح أمام الظروف الحرجة التي تنشأ عن الطبيعة، أو التي لا يمكن تجنبها؛ فإنها إساءة استخدام أن نُحرم أنفسنا إلى الأبد من المجتمع ومحادثة أولئك الأعزاء لنا. بل إنه بربري، وليس رجلًا حكيمًا، وأناني من لا يأخذ في الحسبان الحزن الذي يعيشه أصدقاؤه ومعارفه ومن هُم على علاقة به. فلا يهتم إلا بنفسه وقليلًا بالآخرين، والحقيقة أن المُنتحر لا يفكر إلا في نفسه. فإنه لا يرغب في شيء إلا رفاهيته الشخصية، ولا يُلقِي بالًا لبقية العالم. باختصار، الانتحار هو العمل الأكثر إفراطًا في الأنانية والدناءة، وهو بالتأكيد أقل أشكال حب الذات جاذبية في العالم.

أخيرًا، يا عزيزي فرفوريوس، إن نوائب وشرور الحياة، وعلى الرغم من كثرتها التي لا مفر منها، عندما تكون غير مصحوبة بكارثة خطيرة أو عجز جسدي، كما هو الحال في قضيتك، تغدو أمرًا يُمكن تحمله، ولا سيما من قِبل رجل حكيم وقوي. وفي الواقع، فإن الحياة نفسها ذات أهمية ضئيلة للغاية، بحيث لا يجب على الإنسان أن يزعج نفسه كثيرًا في الاحتفاظ بها أو التخلي عنها؛ أو أن يُفكر كثيرًا حولها، فيجب أن نعطي الغريزة الأولوية،  الأسبقية على نظيرتها اللاحقة.

لذا كصديق يرجوك أن تفعل هذه الأشياء، لما لا ترضيه؟ والآن أتوسل إليك، يا عزيزي فرفوريوس، بذكرى صداقتنا الطويلة، أن تطيح بهذه الفكرة. ولا تحزن أصدقاءك، الذين يحبونك بمودة دافئة، وأفلوطين صديقك، الذي ليس لديه حبيب ولا صديق أفضل في العالم منك. فساعدنا في تحمل عبء الحياة بدلًا من تركنا دون تفكير. ودعنا نعيش، عزيزي فرفوريوس، ونتعايش مع بعضنا البعض. ودعنا لا نرفض نصيبنا من المعاناة البشرية، ومصيرنا المقسوم لنا، ودعنا نتشبث ببعضنا البعض بتشجيع متبادل، ونعمل يدًا بيد مع بعضنا البعض بشكل أفضل لتحمل متاعب الحياة.

فعُمرنا قصير بعد كل شيء. وعندما يأتي الموت، فلن نشكو. لأنه في الساعة الأخيرة، سوف يريحنا أصدقاؤنا ورفقاؤنا، وسنشعر بالسرور من فكرة أننا بعد الموت سنظل نعيش في ذاكرتهم، وسنكون محبوبين منهم دائمًا.

المصدر:
محاورة فرفوريوس وأفلوطين لـ جياكومو ليوباردي
عن الترجمة الإنجليزية لـ تشارلز إدواردز

 

إعلان

فريق الإعداد

تدقيق لغوي: أحمد المسيري

ترجمة: كريم سعد

اترك تعليقا