ثقّف نفسك ورحّب بفوضى الحياة نصائح كيرت فونغيت لأطفاله – مقال مترجم

“ثقّف نفسك، ورحِّب بفوضى الحياة، واقرأ لتشيكوف، ولا تصبح مهندسًا معماريًا مهما حدث”.

يظلّ الكاتب الأمريكي كيرت فونغيت (11 نوفمبر 1922 – 11 أبريل 2007) واحدًا من أكثر المؤلفين المحبوبين في التاريخ الحديث، فهو حكيم السرد القصصي وساحر الأسلوب الأدبي، ولكنه كان أبًا حنونًا كذلك؛ ففي كتاب كيرت فونيجت: رسائل. وهو الكتاب الذي نجد فيه أيضًا أعمال هذا المؤلف الروتينية، والثمينة، ومشكلاته في شقته المحببة، وكذلك نجد القصيدة القصيرة الجميلة التي كتبها لصديقه. وفي هذا الكتاب أيضًا يُساهم فونيجت بأفضل الرسائل التي تحتوي على نصائح أبوية في التاريخ بمجموعة من الرسائل لأولاده، فبالإضافة إلى أولاده الثلاثة: نانيت، ومارك وإديث، قام فونيجت وزوجته الأولى “جين” بتربية ثلاثة من أولاد شقيقته أليس الأربعة بعد أن توفيت هي وزوجها لأسباب مختلفة خلال 24 ساعة من وفاة الآخر، ثم تبنّى فيما بعد ابنة أخرى هو وزوجته الثانية “جيل”.

وفي خطاب أرسله في عام 1969 إلى ابنه مارك البالغ من العمر الثانية والعشرين، يقدم لنا فونغيت إكليلًا من النصائح الأبوية العملية وغير التقليدية، فيكتب لمارك:

“نصائح قدّمها لي والدي: لا تأخذ الشراب معك إلى غرفة النوم مطلقًا، ولا تضع شيء في أذنيك، وكن أي شيء سوى أن تكون مهندس معماري”.

وفي العام التالي انفصلا كيرت فونغيت وجين عن بعضهما، وبدأ العيش مع المرأة التي أصبحت فيما بعد زوجته الثانية بعد تسع سنوات. كان هذا الأديب قلقًا بخصوص مدى تأثير الطلاق على أصغر بناته “نانيت” التي كان يدعوها بحب باسم دلعها “ناني” أو “نانو” أو “عزيزتي نان العجوز”، فكتب في عام 1971 رسالة إلى تلك الفتاة التي كانت في السابعة عشر من العمر:

“حسنًا، يمكن أن يسير الأمر بطريقتين معنا: يمكنك أن تقولي هجرني والدي، وتتفجعي على ذلك. أو يمكنك التواصل معي، ونحب بعضنا بعضًا أكثر من قبل.

إعلان

والاحتمال الثاني هو الأحب لي، وهو الاختيار الضروري بالتأكيد بالنسبة لي، لكن المشكلة فيه أنه سيكون عليكِ أن تكتبي لي الكثير من الرسائل، أو بعضها على أيّة حال، كما عليكِ أن تتصلي بي في بعض الأحيان وهكذا دواليك، وسيكون علينا أن نتمنى أعياد ميلاد سعيدة لبعضنا البعض، ونطمئِن على سير عمل كلاً منّا، ونطلق النِكات لبعضنا البعض، وكل ذلك.. وسيكون عليك زيارتي كثيرًا، وسيكون علي أن أعير المزيد من الاهتمام لتلك الأشياء التي تسعدك بالفعل، بدلًا من تلك الأشياء التي تسبب لك الملل”.

كتبت نانيت مؤخرًا عن علاقتها المتضاربة مع والدها، وشهرته في مقدمة تلك المجموعة الرائعة لأولى أعمال فونغيت وآخرها التي نُشرت بعد موته. وقد اختارت الاحتمال الثاني، حيث ظلّ الاثنان على صلة وديّة على مر السنين. ويتضح لنا من خلال هذا المقتطف المشجع من الخطاب الذي أرسله كيرت فونغيت في عام 1972 لابنته نانيت ذلك الدفء الذي كان يميز علاقتهما:

“يجب أن تعرفي أنني عندما كنت طالبًا في الجامعة لم أكن أكتب الكثير من الرسائل لوالدي، لقد قلت كل ما له أهمية في رسالتك الأولى من هناك…وهو أنك تحبينني كثيرًا، كما كتب مارك لي رسالة يقول فيها الشيء ذاته مؤخرًا، وهذا جيد، وسيدوم لسنوات. أظن أنني احتفظت بتلك الرسالة من والداي، أما ذلك أو أنني كرّرتها كثيرًا حتى أنه لم يعد لها معنى، والشيء نفسه في كلتا الحالتين”.

قد يعجبك أيضًا: رسائل الحب المذهلة بين خليل جبران وماري هاسكل

وفي خطاب آخر نجد كيرت فونغيت البالغ من العمر خمسين عامًا يكتب لإبنته العزيزة “نانو”:

“إن معظم الخطابات المرسلة من الولدين تشير عادةً إلى أحلامهم الضائعة محجوبة بعباءة النصائح الجيدة، ونصيحتي لك هو أن تستأجري شخصًا ليعلّمك بعض اللغات الأجنبية، وأن يقابلك مرتين أو ثلاث مرات أسبوعيًا، وأن يتحدث معك. كذلك أنصحك بأن تجدي شخصًا آخر لكي يعلّمك العزف على آلة موسيقية. إن ما يجعل من نصيحتي هذه فارغة وزائفة هو أنني لم أمت بعد، فإذا كانت نصيحتي هذه جيدة لكنت أخذت بها بنفسي.”

(وبعد أكثر من ثلاثة عقود يُكرّر كيرت فونغيت تلك النصيحة في رسالته الرائعة التي يقدم فيها نصائح حياتية لأولاده وهم في المدرسة الثانوية، يحثهم على: “ممارسة أي نوع من الفن أو الموسيقى، الغناء، الرقص، التمثيل، الرسم، الطلاء، النحت، الشعر، الأدب، كتابة المقالات،أو التحقيقات الصحفية، مهما كانت درجة اتقانهم لها سيئة أو جيدة، وأن لا يكون الهدف من ذلك الحصول على المال أو تحقيق الشهرة؛ ولكن لتجربة التطور ولمعرفة ما في داخل الذات ولتنمية الروح”.

pastedGraphic.png

(كيرت فونغيت في رحلة إلى شلالات نياجرا مع أولاده عام 1963).

لكننا نجد نصيحته الأكثر خلودًا في خطاب كتبه في أواخر عام 1971 لابنته نانيت وتحث على الفكرة المتكررة في يومنا هذا وهي الترحيب بالمجهول:

“عزيزتي نانو العجوز.

أنت تعرفين الآن أنك لا تقفين على بنية اجتماعية صلبة وموثوقة، كما تعرفين أنك كلما كبرت في السن كلما أصبح من حولك من البشر قلقين ومتقلبي المزاج وأغبياء. البشر أنفسهم الذين كانوا هم أنفسهم أطفال صغار منذ بضع أيام مضت، ولذلك يمكن أن ينهار المنزل، ويمكن أن تنهار المدارس، لأسباب طفولية في المعتاد، ولكن ماذا لديك؟ تائهة في الفضاء تدعى نان.

وهذا جيّد، أنا تائه في الفضاء يدعى كيرت، وجين تائهة في الفضاء تدعى جين، وهكذا دواليك، فعندما تسير الأمور على ما يرام لعدة أيام بلا توقف فإنه حدث يدعو للمرح.

إنك تشعرين بالرُعب لأنك ضيعتِ عامًا بسبب انهيار المدرسة على الأرجح، حسنًا إنني أشعر وكأنني خسرت الأعوام التي تلت نشر كتاب المذبح-رقم خمسة ولكن هذا هراء فنحن لم نفقد تلك السنوات، فهي فقط لم تأتي كما خطّطنا لها، وكذلك أذكّركِ  بالعام الذي اضطر فيه جيم للبقاء دون حِراك في السرير عندما كان مُصابًا بالسل، والعام الذي جنّ جنون مارك فيه ثم استجمع قِواه العقلية ثانيةً، تلك الأعوام كانت مغامرات، أما الأعوام التي نخطط لها فليست كذلك.

و بالنسبة لي، عندما أتأمل حياتي السابقة لا أرغب في تغيير شيء منها. . . .”

وبعد ذلك في الخطاب ذاته يضيف نصيحة أخرى:

“أظن أنّه من المهم العيش في بلدٍ جميل وليس بلد قوي، فالقوة تفقد الجميع عقولهم”.

ويختم كيرت فونغيت الخطاب بنصيحة أساسية عن التثقيف الذاتي خارج الفصول المدرسيّة، مقدمًا ل “نانيت” توجيهات صارمة وهازئة لتطوير الروح:

“تعلّلي اللّغة الألمانية في النصف الأخير من العام في منتجع سي باينز، ستتعلمين أكثر مما تعلّمتُه من قَبل في المدرسة الثانوية، وأشك أن بمقدورهم جعلك تبدين في مظهر جيد لإرضاء مجالس الكلية، فاللعنة على مجالس الكليات. أطلب منك أن تُعلّمي نفسك ذاتيًا بدلاً من ذلك، وأخيرًا هذا هو ما كان عليّ القيام به، وهو ما كان على العم بيفر القيام به، وهو ما يجب علينا جميعًا القيام به.

سأطلب منك القيام بشيءٍ جديد، إن لم تكوني قد قمت به بالفعل، أريد منكِ أن تحصلي على مجموعات القصص القصيرة لتشيكوف وأن تقرئيها جميعًا، ثم قراءة القصة القصيرة “الشباب” لجوزيف كونراد، وأنا لا أقترح عليك القيام بتلك الأشياء، إنني آمرك أن تقومي بها”.

رابط المقال الأصلي:

https://www.brainpickings.org/2013/11/11/kurt-vonnegut-advice-to-children/

إعلان

مصدر مصدر الترجمة
فريق الإعداد

تدقيق لغوي: نَدى ناصِر

الصورة: مريم

اترك تعليقا