تحوت سيد المعرفة والحكمة في مصر القديمة
من يكون تحوت (Thoth)؟
(ياتحوت ضعني في مدينتك التي يحلو فيها العيش.. احفظ فمي من الألفاظ، قف خلفي عند الصباح، احضُري أيتها الكلمة الألهية عندما أدخل أمام الإله سيّدي حتى أكون صادق القول، يا تحوت أيها النبع العذب للإنسان الذي أصابه عطش الصحراء) -من أناشيد تحوت
– تحوت، أبو منجل، أبو قردان، إيبس، جحوتي، هيرمس.. كلها أسماء وصِفات لسيد العلم والحكمة والمعرفة والعلوم في مصر القديمة.
– تحوت هو الذي يحسِب في السماء ويعدّ النجوم ويقيس الأرض ويُحصي كلّ ما عليها. فهو قلبُ “رع” ولسانه، وهو الحديث الربّاني وربّ القوانين، هيرمس كما أسماه اليونانيون سيّد المعلومات والفهم.
-تحوت هو سيّد الحكمة في مصر القديمة، وهو الذي نشر العلم والكتابة والحساب في ربوع مصر المجد في سالف الأزمان، صاحب اللوح والقلم، المعظم ثلاث، صاحب الوقار والأسرار.
-كان المصريّ القديم يرى روح تحوت حيث العلم والمعرفة والقدرة على الحياة في كلّ المخلوقات، لذلك تجسّد تحوت في هيئة البشر، فللبشر علوم ومعارف وكذلك في هيئة الطيور فنراه في شكل طائر أبو منجل، فالطيور مخلوقات وهبها الخالق قدرات وذكاءً يساعدها على الحياة، وكذلك في الشكل الحيواني حين يتمثّل في هيئة قرد البابون؛ فكلّ المخلوقات تحتاج للتعلّم حتى تستمرّ حركتها في الحياة.
اسم تحوت جاء في الغالب من الاسم القديم لأبي قردان (تيحو)، أو أبو منجل وهو طائر مائيّ له عدّة أنواع، أهمّها الذي قدّسه المصريّون القدماء وهو ( أبو منجل المقدّس) ذو اللونين الأبيض والأسود، من عائلة أبو منجليات ورتبه اللقلقيات، ولا يزال يعيش في عدة أماكن من أفريقيا، وله منقار طويل ورفيع ومُنحنٍ لأسفل وساقين طويلتين ويعيش في مستعمرات كبيرة ويتغذّى على الأسماك والحيوانات المائية.
-أما هيئة تحوت البشرية فجسّدها المصريّ على شكل إنسان يقبض بيده على الصولجان وعلامة الحياة، أما بالنّسبة لغطاء الرأس أو التاج لهذا التجسّد البشريّ فيتغيّر بحسب الوظيفة، فلو ارتبط الشكل بالإحصاء والمواقيت والمواسم نجد على رأسه هلالًا وقرص شمس.
– وكما ذكرنا فإنّ لتحوت هيئة حيوانية؛ حيث يتجسّد في حيوان يملك قدرًا كبيرًا من الذكاء وهو قرد البابون الذي يعلوه غالبًا قرص الشمس والهلال، وارتبط بشكل كبير بالقمر والتقويم.
– وتعتبر ماعت سيدة العدالة والنظام قريناً أنثويًا مرتبطًا على الدوام بتحوت، سيّد العلم والحكمة والمعرفة. وكأنّ المصريّ القديم أراد القول بأنّ هذه الحياة لا تنتظم دون اقتران أبديّ للعدالة والعلم معًا.
– في عقيدة المصريّ القديم الروحية والمادية نلاحظ أنّ وجود تحوت وماعت مرتبط باللحظة الأولى والانبثاق الأول لهذا الكون طبقًا لنظريات الخلق في مصر القديمة، أي أنّ الكون بأكمله نشأ بميزان العدل وقوة العلم اللامحدود.
– كنت أستمع في إحدى الندوات التاريخية للآثاريّ المتميز الأستاذ (عماد مهدي)، وشرح الصورة (انظر في الأسفل) لطائر أبو منجل والذي يرمز لتحوت وتحت منقاره مباشرة ريشة الماعت أو العدالة، ويبدو من الرسم أنّ تحوت سيد العلم يعلو قليلًا عن الريشة.. وكأنّ العلم والحكمة والمعرفة هي أسمى هدف للإنسان، وحين يتوفر الاهتمام بالعلم تتوفر بعد ذلك العدالة، وكأنّ المصريّ القديم يعطي صورة رمزية للأشياء ويقول من خلال هذا الرسم أنه إذا أردتم العدل فعليكم بالعلم والمعرفة.