الواقعية والمثالية في ميزان فَلْسَفة التَّرْبِيَة

الواقعية والمثالية فلسفتان متنافستان في حقل التَّرْبِيَة، ويعود تاريخ هذا التنافُس إلى عهد اليونان القديمة، وما زالت هاتان النظريتان تؤثِّران على التَرْبِيَة والتَّعْليم حتى يومنا هذا.

المِثَاليَّة:

المِثَاليَّة هي مدرسة تتبنى فكرًا تربويًّا طوَّره أفلاطون عام 400 قبل الميلاد. آمن أفلاطون أنه من الممكن للبشر أن يطوروا أنفسهم من الداخل، وذلك عن طريق تصحيح أفكارهم واكتشاف المعرفة الكامنة في دواخلهم منذ لحظة ميلادهم. تُرَكِّز المِثَاليَّة على التَّفْكِير، وقُدرة الإنسان على استحضار المعرفة من داخله، ومن هذا المنظور فإن العالَم موجودٌ فقط في عقول الأشخاص، وهذه الحقيقة المطلقة تعتمد على اتِّسَاق الأفكار، وبالتالي كلما كانت أفكارنا أكثر كمالًا، كنا قادرين على خدمة العالَم بشكلٍ أفضل.

أما في مِثَاليَّة كانط، فإن العالَم موجودٌ، لكن عقولنا منفصلة عنه.

الوَاقِعيَّة:

الوَاقِعيَّة هي مدرسة تتبَنَّى فِكْرًا تَرْبَويًّا طوَّره تلميذ أفلاطون أرسطو. تؤمن الوَاقِعيَّة بأن الحقيقة الوحيدة موجودة في العالَم المادي، وأن دراسة العالَم الخارجي هي الطريقة الوحيدة التي يمكن الاعتماد عليها للوصول إلى الحقيقة. العالَم هو ظاهرة ماديَّة يجب أن تلتزم عقولنا بها. فإننا نُحَقِّق معرفة أعظم بكثير من خلال دراسة صحيحة للعالَم.

في الواقعيَّة الإنسان وعاء فارغ للمعرفة التي إنما تُسْتَقى من خارج النَّفْس، وذلك من خلال المُلاحظة. هذه الفَلْسَفة كانت الأساس في ولادة المنهج العلميّ في البحث، نظام استقصاء يعتمد على الحقائق الماديَّة.

إعلان

مدرسة أثينا.
لوحة مدرسة أثينا. الصورة من موقع PIXABAY

مَنَاهِج مُخْتَلِفَة:

تسعى المِثَاليَّة لإثبات الحقيقة المُطلقة من خلال المنطق وسَبْر الأغْوَار. حيث آمن أفلاطون بأن الأفراد مولودون وهم يحملون معرفة عظيمة من الممكن أن يتم تحريرها من خلال دراسة الأفكار، ومن خلال المنهج السقراطي، والذي يمكن اختزاله بأنه مجموعةٌ من الأسئلة المتسلسلة التي تقود التلميذ إلى معرفة عظيمة. على سبيل المِثال في حوار أفلاطون “مينو”، ساعد سقراط طفلًا مملوكًا على اكتشاف معرفته الداخلية للرياضيات، وذلك على الرغم من أنه لم يتلقَ أي تدريب مُسبَق.

وبناء عليه، فإن جميع التلاميذ متساوون في القُدرة على نقر دواخلهم والاستقاء من المنابع الباطنيَّة للمعرفة والحكمة.

أما الواقعيَّة، فإنها في المقابل تسعى لبناء التلميذ على اعتبار أنه مجرَّد وعاء فارغ من المعرفة، وإن أي طريقة عملية لتنفيذ ذلك هي طريقة ملائمة بما في ذلك التكنولوجيا. كما تتقبَّل هذه الفَلْسَفة الاختبارات العِلميَّة لمستوى التلاميذ، وتحديد الصفوف المناسبة لهم.

الفَلْسَفة والمُعَلِّم:

إن المثالية والواقعية منظوران مختلفان جوهريًّا، لذلك فإن فَلْسَفة المُعَلِّم ستبدو جَليَّةً في الصف.

فالمُعَلِّم المِثَاليّ، على سبيل المثال، سيسعى لأداء دور المُيَسِّر، يُرشِد التلاميذ باتجاه الحقيقة. فالتلاميذ قادرون على السعي نحو الحقيقة بشكلٍ مستقلٍ، ويمكنهم التَّفْكِير بحُرْيَّة بتوجيهٍ دقيقٍ من المُعَلِّم. فالمُعَلِّم بصفته مُيَسِّرًا لن يتصرَّف على أنه السُّلْطَة المُطلقة، بل سيكون مجرَّد مُرشدٍ لطيفٍ بالنسبة للطُّلاب.

أما المُعَلِّم الواقعيّ من جهة أخرى، فسيسعى لتزويد طُلَّابه بالمعرفة من العالَم الخارجيّ. فالمُعَلِّم الواقعيّ يفضِّل السعي لتوظيف المنهج العِلميّ بما يتضمَّنه من تَوَقُّعاتٍ ودراسةٍ دقيقة، على أن يستخدم المَنْطِق المَحض أو العقل كما وجدنا في التَّرْبِيَّة المِثَاليَّة.

إن الواقعيَّة مرتبطة بالسُلُوكيَّة وهي نظام للتعليم من خلال مبدأ العقاب والثواب. باعتمادها التَّام على تحصيل المعلومات من العالَم الخارجيّ، فإن الواقعيَّة قد قلَّصَت الدور الأصلي للتلميذ. فالمُعَلِّم هُنا هو السُّلْطَة العُليا، وهو الشخص الذي ينبغي على الطُلَّاب أن يُقدِّموا له الإجابات، بدلًا من كونه مُرشِدًا تُوَجَّه الأسئلة له.

إعلان

فريق الإعداد

تدقيق لغوي: أمل فاخر

اترك تعليقا