النزعة التدميريَّة والتأسيسيَّة للكُتُب
إذا اقتنع العالَم أنّ الكتاب فاعلٌ في التاريخ، وليس مجرد مراقب للعالم نعرف عبره ماضيه وحاضره، فلا شكّ أنَّنا سنمحنه بذلك دورًا في تقرير مصير المجتمعات وتغييرها.
إنّ الكتاب صندوقٌ يجمع الفلسفة والفنّ، ويضُم البشر بمختلف معتقداتهم، فهو مرآة ترى فيها الشعوب تراثها وراهنها، إذا لم تكن أيضًا رسائل تصل إلى جميع الأمكنة.
الكتاب الجديد يخرج إلى النور:
إنَّ الكتاب عالَم بإمكان الجميع حيازته بين يديه ونشره، صحيح أنّه منذ القرون الوسطى وما قبلها، كان مُعدَّل معرفة القراءة والكتابة مع امتلاك الكتب يجري عند النُّخْبة والطبقة النبيلة فحسب. هل نتذكَّر قول سيوارن الساخر: “في العصور القديمة كانت الكتب أغلى من أن يُتاح تجميعها، إلّا إذا كان المرء مَلِكًا أو طاغية أو… أرسطو، أوّل من امتلك مكتبة جديرة بهذا الاسم”(1).
وما دامت النُّخْبة وحاشية الملك هي من كانت تقود الدول والإمبراطوريات، فلن يُغيِّر هذا الكثير، لكن ما إن تَمَّ اختراع المطبعة سنة 1440م تقريبًا بأيادٍ ألمانية، حتى صارت القراءة والحصول على الكتب، أحد الحقوق الخطيرة التي تتسرَّب إلى الطبقات الدنيا، ومع إبعاد اللغة اللاتينيَّة التي كانت لغة المثقَّف ورجل الدين، وإحلال اللغات واللهجات المحليَّة، حتى صارت موازين القوَّة بيد الشعوب المُنْسحِقَة أيضًا.
لقد رأى الإصلاحي مارتن لوثر المطبعة “أكبر وآخر هِبَة من الله”(2)، غير أن آخرين تخوّفوا من ما يمكن أن تقترفه، ومنهم رجل الدين والرسَّام فرافيليبو، حين ذكر بأنّها وما تفرزه من مؤلَّفاتٍ: “أسوأ من الدعارة“. أما أحد الرُهْبَان فلعنها بثلاث خطايا، مُدعيًّا أنّ لها يدًا فيها(3).
كما أنّ شكل الكتاب الحاليّ ساهم في نشر هذه الموجة من التغيُّرات وثَّوْرة الأفكار والمشاعر، فصار من السهل حمله أو إخراج نسخ عديدة منه بفترةٍ أقصر، لن نتحدَّث عن الأوقات التي كان الكتاب يُمثِّل فيها ألواحًا طينيَّة وبردي أو رقوق من جلود ليست متوفرة دائمًا.
يسرد لنا المؤرِّخ وأستاذ الأدب الفرنسيّ دانيال مورنيه، قصة الجنرال المشهور “لازار هوش”، حيث كان في الحقيقة أحد الرجال المتواضعين، الذي يشتغل في ماضيه سائسًا، لكنّه حين شرع في قراءة كتابات فولتير وفلاسفة الأنوار تحوّل إلى جنرالٍ ثوريٍّ.
أضِف إلى ذلك، تذمَّر البعض في تلك الأوقات من العمال الذين صاروا يقرأون الكتب، ولهذا السبب ارتفعت مطالبهم وشكاويهم، فهم الآن صاروا واعين بقيمتهم بفضلها. وإلى جانب حكاية الجنرال لازار هوش مثلما نقلوها إلينا صحيحة أم منمَّقة، مع قصة العمال الذين يواظبون على القراءة، نرى غيوم دوماليزرب، وقد كان ابن رئيس قضاة فرنسا، يزعم أنَّ الإنسان الذي يقرأ فقط الكتب التي تسمح الحكومة بها، هو شخص متأخر بقرنٍ كامل عن غيره ممن يقرأون بحريَّةٍ(4).
كانت أكثر المواضيع الموجودة في الكتب، التي بإمكانها تدمير أو بناء تاريخ جديد من المفاهيم والأحداث، هي موضوعات الدين والأخلاق والسياسة، أما أهم مُراقِب عليها، فهي السُّلطات الدينيَّة، لكن الأمر تغيَّر حين دخلت السُّلطة السياسيَّة في المُراقبة أيضًا، فحتى هي متضرِّرة بدورها.
يرى الكثيرون أنّ مثل هذا الحذر والخوف مُبَالغٌ فيه، لكننا حين نعلم حجم التأثير الذي يمكن للكتاب تحقيقه، فسوف نجد هذه المحاولات مبرَّرة. فمن المعهود في أوقاتٍ كثيرة تخللتها الرقابة على الكتب، هو أنّ حيازتها اعتبرت بمثابة مقاومة للنظام، يقول ألبرتو مانغويل: “غدت القراءة وطقوسها فعلًا من أفعال المقاومة. كما كتب الطبيب النفسي الإيطالي اندريا ريفوتو: كل شيءٍ يمكن أن يُعامَل كفعل من أفعال المقاومة، لأن كل شيءٍ كان محظورًا”(5).
ونجد في كتاب الرقابة على المطبوعات: “إنّ شراء كتاب ممنوع هو أيضًا فعل سياسيّ، مظهر لمقاومة أو معارضة الآيديولوجيا المسيطرة“(6).
إنّ عملية القراءة هي التي تُكَمِّل العمل الأدبيّ، كما يرى سارتر في مُنجَزه “ما الأدب”، فكلّ كتاب هو عمل ناقص يحتاج إلى قارئه، حتى يعلن تأثيره على العالَم ويقوم بمهمته المنتظرَة على المستوى الفرديّ ثُمَّ الجماعيّ.
يستنتج روبرت داونز، وهو رئيس المكتبة الأمريكيَّة سابقًا ومكتبة جامعة الينويز في الولايات المتحدَّة، في كتابه “كتب غيَّرت وجه العالم”: أنَّه متى أراد القادة الديكتاتوريِّين قمع شعوبهم، راحوا يقومون بمنع وإتلاف مؤلَّفات المعارضين، ومتى أرادوا فرض رُؤاهم راحوا ينشرون مؤلَّفاتهم بالقوّة، مثل كتاب هتلر “كفاحي”، وكتابات ستالين ولينين.
إذن لا يوجد ابتكار حُظِر في التاريخ البشري أكثر من الكتب التي تمثِّل قوَّة معرفية أو تدميرية قد تستدعي الفعل، وتبعًا لهذا فحيازته بين العوام، لاسيما النساء هو بمثابة خطرٍ عظيم، ناهيك عن أنَّه ليس بوسعنا إنكار أنه وسيلة للاستمرار في العيش، وإشغال الذهن بالمعرفة وسط فوضى الحروب والبؤس التي شهدها العالَم فقد يكون عزلة أيضًا.
الحرب على الكتاب:
اذا اتفقنا أنّ الكتاب الذي له عَلاقة بالكتابة بالمجمل أكثر من أيّ وسيلة أخرى؛ يمثِّل الشخص الذي يكتبه مع قدراته التي بإمكانها أن تكون عبقريَّة، وأنّ الإنسان هو البطل الذي يلعب دوره في التاريخ، إيجابيًّا أو سلبيًّا، فعلى الكتاب بالضرورة أن يتبع صاحبه في هذا التأثير، إلّا أنّه من النتائج التي بإمكانها الوقوع أيضًا، أنّ كلّ نقد له بإمكانه أن يؤدي إلى قتل أو اعتقال صاحبه والعكس من ذلك.
ألم يُحرَق يان هوس غدرًا بسبب أفكاره وكتاباته التي لم تكن تَصُب في مصلحة الكنيسة؟ وجون ويكلف المشهور بترجمته للكتاب المقدَّس باللغة الإنجليزية العامية، التي أُخرِجت جثته من قبره وتمت محاكمته ميتًا، فأحرِقت.
بينما حُكِم غيابيًا على السيد “كوتينيه”، صاحب مطبعة في فرنسا بالموت، فشنقت دُّمْية تُمثِّله بسبب فراره، وقد صاحبه الحظ عندما نال تخفيفًا بعد ذلك(7).
أما الكاتب جون ميلتون، فأحرقت جامعة أوكسفورد كتبه بأمر من الملك تشارلز الثاني، وتعرَّض لعدَّة تهديدات كاد فيها أن يُقتَل، ولم يتوقَّف الأمر عنده، حين نعلم أن صاحب أحد المطبعات تَمَّ إعدامه بسبب طبعه أحد مؤلَّفاته، وفرنسا لم تكن أفضل من إنجلترا حين أحرقت كتابه، “دفاعًا عن الشعب الأنغليكاني”(8).
ونرى علاوة على ذلك ألمانيا النازيَّة وهي تتطاول على الكتب، فقد أعلنت قيادتها أنّها سوف تحرق عدَّة كتب أمام العامة، لمؤلِّفين مثل هاينرش مان، فرويد، هيلين كيلر، لأنّه بهذا الفعل سوف تُخلَق بداية جديدة للشعب الألمانيّ(9).
إنّ إتلاف الكتب هو إتلاف لهُويَّة الشعب وتاريخه، فلن نتعجَّب حين نعرف أنّ ألمانيا كانت تواصل ما تفعله مع كتب اليهود، أوالصليبيين مع المسلمين، أو المسلمين مع شعوبٍ وأديانٍ أخرى.
ونعثر في تاريخ المسلمين على قصصٍ كثيرة مشابهة، منها قصة العالِم الشيعيّ أبي الحسن الحلبيّ، الذي صُلِب في مصر بسبب كتابٍ له حول قراءة عاصم، كما أُحرِقَت خزانة الكتب في حلب التي كان مسؤولًا عنها(10).
واُشتهر الخليفة المهدي بقتل الزنادقة جماعات وإتلاف كتبهم، مع ملوك الأندلس الذين كانت لديهم مشكلة مع الفلسفة، ويقال عن أبي بكر الرازي: إنّ المَلِك منصور بن نوح اتَّهمه بالكذب في كتاباته، فأمر بضرب رأسه بكتابه حتى يتمزَّق، فكان نتيجة ذلك إصابته بفقدان البصر. هذه الرواية التي تُنسب العمى إلى الكتب!
نقرأ كذلك عن عبد السلام بن عبد الوهاب، الذي كان يشتري كتبًا كثيرة ومولعًا بالعلم، قد أوقعوه في فخ الكلام فيما لا يوجد في الدين أو الهرطقة، فأخرجوا كتبه للناس وأحرقوها واحدة واحدة بعد نقد أفكارها وسَبّ الفلسفة، أما هو فقد سُجِنَ لفترةٍ(11).
ونجد الكثير ممن أحرَق مؤلّفاته بنفسه، مثل أبو بكر بن مقسم، الذي كان في بغداد بعد أن تَمَّ مهاجمة كتبه فاعترف بخطأه وأحرقها، وسفيان الثوري اِمام الكوفة، طلب أن تُدفن معه كتبه ندمًا على أشياءٍ كتبها، أما شعبة بن الحجاج بالبصرة، فقد أوصى ابنه أن تُغسل كتبه بعد موته، ونجد أبو سليمان الداراني من دمشق يقول وهو يحرقها: “والله ما أحرقتك حتى كدت أحترق بك”، وكان هناك من أتلف أعماله حتى لا يقرأها غيره ويفهمونهها خطأ أو يغيّرون شيئًا منها(12).
وفي هذا ألَّف العرب أشعارًا تُرثيها وتتحدَّث عن الدمار الذي لحقها، يقول أبو محمد بن حمزة الذي أُحرِقَت كتبه بأشبيلية:
“دعوني من إحراق رقٍ وكاغدٍ
وقولوا بعلم كي يرى الناس من يدري
فإن تحرقوا القرطاس لم تحرقوا
الذي تضمّنه القرطاس بل هو في صدري”(13).
يطالعنا التاريخ حول حرق عشرات المكتبات في العالَم، منها مكتبة المعصومة التي أنشأتها الدولة الرستميَّة، ومكتبة سابور في إيران، ومكتبة بني عمار في طرابلس بالشام، وفي فرنسا هناك حرق مكتبة اكس لاشابيل، ومكتبة نالاندا في الهند، أما مكتبة غلاسني في بريطانيا الملحقة بالكليَّة فأُحرِقت بالكامل بأمر من الملك هنري الثامن(14).
نقرأ لأحد الصحفيِّين وهو يكتب حول ما حدث لمكتبة اليهود لوبلن يشيفا: “تدمير أكاديميَّة التلمود هو بالنسبة لنا أمر يبعث على الفخر بوجهٍ خاص، فهي عُرِفَت بكونها الأكبر في بولندا.. لقد رمينا بالمكتبة التلموديَّة الضخمة خارج المبنى وحملنا الكتب إلى ساحة السوق وأضرمنا فيها النيران، ظلت المكتبة تشتعل عشرين ساعة، تجمَّع يهود لوبلن حول المكان وهم يبكون بمرارة، وكتموا تقريبًا أصواتنا بعويلهم، استدعينا فرفة موسيقيَّة عسكريَّة وبأنغامهم البهيجة حجبت صرخات اليهود”(15).
ليس بوسعنا العثور على اقتباس مليء بالكراهية ضد الكتب، وما تحويه في فكرها، وعلى قرّاءها، مثل الاقتباس المذكور آنفًا، وما القصص السابقة غير مجرد أمثلة قليلة على ما وقع لها ولأصحابها، بما فيها الأماكن التي كانت تحتويها من مدارس ومكتبات، فأيّ حرب على الكتاب هي حرب على الإنسان.
ما هي الطبقة الثالثة؟:
يعتبر الكتاب الصغير للفرنسي إيمانويل جوزيف سياز، “ما الطبقة الثالثة” أو “ما الطبقة الشعبيَّة”، من أهم الكتب التي شهدت وشاركت في رسم منعطف جديد في التاريخ الفرنسيّ عصر الثورة الفرنسيَّة، بإمكاننا القول: إنّ هذا المؤلَّف يُعَدّ من أناجيل هذه الثورة، يُقال إنّه قد بيع منه 300 ألف نسخةٍ.
يقول سياز عنها: “الطبقة الثالثة تحتضن بالتالي كل ما يخص الأمة، وكلّ ما ليس من الطبقة الثالثة لا يمكن اعتباره كأنّه من الأمة”(16).
إنّ سياز هنا يُشجِّع ويُدعِّم هذه الطبقة التي هي في الحقيقة كلّ المجتمع وصاحبة القرار في فرنسا، مع إقصاء أي شخصٍ لا ينتمي إليها، بالتالي هذا إقصاء لأفكاره وقراراته، لن نستغرب عندما ندرس المراحل التي مرَّت بها الثورة الفرنسيَّة إلى أن وصلت إلى عصر الإرهاب وما ترتَّب عليه لاحقًا، فالكثير من أحداثها كانت عن طريق الطبقة الثالثة المُهَيْمِنة.
أما ما يعادل كتاب سياز في غير بلده، فهو كتاب توماس بين “الإدراك العام”، حين انبهر به عِدَّة مسؤولون ومفكِّرون، منهم جورج واشنطن، الذي أكَّد أنّه نجح في التأثير على العديد ممن قرأوه، ورأوا فيه وحيًا يقطع شكوكهم، ناهيك أنّه سجَّل نسب قراءات ومبيعات ضخمة(17).
ودعى الكتاب إلى الانفصال عن بريطانيا والمناداة بالاستقلال، حتى انطلقت الثَّوْرة الأمريكيَّة لتحقيق أهدافها ونجحت بعد مراحل متعاقبة، فضلًا عن أنَّ توماس بين نفسه قد شجَّع الثَّوْرة الفرنسيَّة وشارك فيها.
إنّ الثَّوْرة الفرنسيَّة لم يُدعِّمها كتاب واحد فقط، وإنَّما عِدَّة كتب ومنشورات وكاريكاتوريات، وقد تَمَّ إعدام الكثير من الأشخاص في التاريخ الفرنسيّ والعالميّ من مكتبيِّين وطابعيين وبائعي كتب متجوِّلين، بسبب نشرهم لكتابات كثيرة اعتُبِرَت تهديدًا للأخلاق العامة وبراءة الأطفال والنساء، حسب ما ادّعته الجهة السياسيَّة والكنيسة.
الروحانيَّة في الفَنّ:
هذا الكتاب للفنَّان الروسي فاسيلي كاندينسكي، أهم مؤسِّسي المدرسة التجريديَّة، الذي كتبه باللغة الألمانيَّة وتَمَّ نشره سنة 1911. قيل عنه إنّه إنجيل الاتجاه التجريدي، تمامًا كما قلنا عن كتاب سياز.
لقد كان الفن التشكيليّ قبل وقت كاندنسكي، يُقدِّس المُشاهِد التشخيصيَّة والطبيعيَّة، لأهدافٍ محدَّدة أو لمجرد التزيين وتلمُّس الجمال، غير أنّ فاسيلي كاندنسكي يرى أنّه على اللوحة أن تتعدَّى مثل هذه الأساليب، فهي لا تحمل جانبًا ماديًّا فقط، بل يجب أن يكون داخلها عَلاقات باطنيَّة تتجاوز الأشكال المعهودة وتُخاطِب الروح لا العين فحسب، تمامًا مثلما يفعل الدين.
بالتالي فقد ركَّز على الألوان والأشكال الهندسيَّة، لأنّها رموز أرقى من مجرد صور تجسيميَّة، وإنّ الفنّ العصريّ ينبغي عليه حسبه تجنُّب سؤال “كيف؟”، أي كيف يُقلِّد ويحاكي النماذج القديمة، بل أن يسأل “ماذا؟”. ما هي الحقيقة التي ينبغي على الفنّ أن يُعبِّر عنها؟ وما الجديد دائمًا؟
إلى جانب أنّه أدخل الموسيقى إلى الرسم، فاللون هو بمثابة نغمة أو إيقاع في اللوحة يترك أثرًا في النفس، وشبَّه كل لونٍ بآلةٍ موسيقيَّة حسب درجته والأحاسيس التي يوحيها إلى المُشاهِد، وبذلك فقد مزج كاندنسكي في التشكيل بين الرؤية الموسيقيَّة مع الرؤية الدينيَّة الصوفيَّة.
أضف إلى ذلك أنَّه يقال أنّ ما أوحى إليه نظرياته، هو رؤيته لـ لوحة جديدة لا تُمثِّل أي صورة وجسم، غير أنه اكتشف بعدها أنّها لوحة من لوحاته وضعها بشكلٍ مقلوب، ومرَّة لفت نظره ثوب امرأة كانت عليه بقع كثيرة، غير أنّ تأمُّله جعله يُدرك أنّها رسومات أزهار(18).
وسواء حصلت هذه القصص وأحدثت هذا الإلهام في فكره أم هي مجرد اختلاق، إلّٕا أنّ الحادثة لا تبدو وحدها منطقيَّة في نظرنا حين نعرف أنّ فاسيلي كاندينسكي كان يتدرَّج في التجريد مرحلة بعد مرحلة، بعد تأثُّره بالإنطباعيّين والوحشيين والفنون البدائيِّة، إلى أن وصلت تجريديَّته البحتة وحوَّلها إلى كتابه.
آلام فارتر:
آلام فارتر هي رواية للكاتب الألماني يوهان غوته، نتوغَّل معها داخل كم هائل من المشاعر التي تتولَّد في قلب البطل، والأوصاف الرومانسيَّة التي تتحدَّث عن الطبيعة والأمكنة ودواخل النفس، وكذلك الماضي، حيث تغوص في شخصيات وحيوات الأشخاص الذين عرفهم في حياته.
إنّ فيرتر الشاب المثقَّف الذي يعرف الفن التشكيليّ، يقع في حب فتاة تُدعى شارلوت، غير أنَّها تكون مخطوبةً لشاب يُسمى ألبير.
تنشأ صداقة بين فيرتر وشارلوت، ورغم أنّه كان يهيم بها إلَّا أنّه لم يقدر لا هو ولا هي أن يخونا ثقة ألبير، وبسبب هذا تسوء حالة فيرتر النفسيَّة، إلى أن يُقرِّر في أحد الأيام الانتحار بمسدسٍ في غرفته، وفوق مكتبه كتاب “إيمليا جالوني”: مسرحيّة مأساويَّة كتبها الكاتب ليسنغ، حتى ليبدو وكأنّ هذه النهاية لمأساةٍ أفظع من آخر كتاب اختاره فيرتر ليودِّع به الحياة.
في ورقة بحثيَّة لدايفيد فيليبس، عالِم اجتماع أمريكي في مجلة The American Sociological Review،(19) يناقش فيها التأثيِّر الذي زعمه البعض حول رواية فيرتر، وكيف ساهمت في زيادة مُعدَّلات الانتحار بنفس الطريقة التي وضع بها فيرتر حدًّا لحياته، وحُظِرَت في عدَّة دول.
لقد حاول عالِم الاجتماع التأكيِّد على مثل هذه العدوى والتقليد للأشخاص، رغم وجود دراسات قليلة عن هذا مثلما يقول، حيث يُخالِف دراسة دوركايم في كتابه المشهور “الانتحار”، عن أنّ مثل هذه العدوى ذو تأثير طفيف، لكن فيليب يؤكِّد أن تأثير هذه الرواية مع روايات الانتحار كان على المستوى الوطنيّ أو على مستوى مكشوف بأدِلَّةٍ ودراساتٍ إحصائيَّة، أثبتت كذلك احتمال وجود حالات انتحار عديدة عن طريق تقليد أحد المعارف والأشخاص. هذا البحث لا يتعلَّق فحسب حول تأثير فيرتر داخل نطاق روايته، بل عن حالات الانتحار التي تُحاكي قصص مثلها ومدعومة بالترويج له كلما ظهرت قصص عنه في الجرائد والكتابات.
ويصرِّح طه حسين في تقديمه لترجمة هذه الرواية معبِّرًا عن جمالها: “من الناس من يأخذ على هذا الكتاب أنه يحمل الشباب على الانتحار.. ويستدِّل على ذلك العدد الوافر الذي انتحر من الشباب في ألمانيا وفرنسا وغيرهم من بلاد أوروبا… هب أن الكتاب قد ساء أثره حينًا، فإنّ هناك حقيقة ليس لإنكارها من سبيلٍ، هي أنّ الكتاب قد بلغ من الجمال والروعة يلزم كل محب الفن أن يقرأه”(20).
لا شَكّ أنّ هذا العمل مثل العديد من الروايات، ترك أثرًا في نفوس قرَّائه، ليس من السهل نسيانه حتى لو عدَّت نتائجه المتصِّلة بالانتحار غير أخلاقية أو صار يُعتبر عملًا مبتذلًا اليوم.
ثَّرْوة الأُمَم
يعدّ كتاب ثروة الأمم للاقتصاديّ الإسكتلندي آدم سميث، من رموز الاقتصاد الحديث، فقد رسم خطًا جديدًا للمنظومة الاقتصاديَّة آنذاك، وغيَّر مفاهيم قديمة كانت الدول والمجتمعات تعتقد بها.
يقول إيمون باتلر، صاحب كتاب “آدم سميث”، عن مُنجَز هذا الأخير: “هذا الكتاب كان أساس العصر العظيم للتجارة الحُرَّة والتوزيع الاقتصاديّ في القرن التاسع عشر”. كما أنّه “مهَّد الطريق أمام تأييد رئيس الوزراء وليام بيت للتجارة الحُرَّة وتبسيط الضرائب”(21). ويضعه الكثيرون ومن بينهم ماكس ليرنر من بين أهّم المنجزات البشريَّة التي غيّرت نمط حياتنا إلى لحظتنا هذه. (22)
إنًه الكتاب الذي مهَّد إلى الرأسمالية بنظريَّاته ودراساته التي صَبَّت في مواضيع اقتصاديَّة مثل سوق العمل، والمنافسة الاقتصاديَّة، وتراكُم رأس المال، والحُريَّة في التجارة، والمِلكيَّة.
لقد أكَّد آدم سميث في كتابه، أنّ ثراء الدولة وازدهارها لا يتوقَّف على مقدار الذهب الذي تَملكه، بالتالي فمن الخطأ تقييد التجارة أو النظر إلى الاستيراد بوصفه عائقًا في طريق اقتصاد الدولة.
وإنّ الدولة في نظره لا يمكن لها أن تُضَيِّق الخِناق على سوق تبادل السِّلع، وإنّما أن تضمن مصالح الجميع، وتُدَعِّم روح التنافس والحريَّة في الإنتاج والمِلكيَّة.
كما يتحدَّث آدم سميث عن تقسيم العمل والتخصُّص، فكلَّما كان صناعة منتج مشتركًا بين عدَّة عُمَّال، فإنّ العملة ستتم بإتقانٍ وسهولة وفي وقتٍ أقصر من وقت عامل يفعل جميع هذه الأشياء، يقول في ذلك:
“لنأخذ المعطف الصوفي الذي يرتديه العامل العادي كمثال، فمهما كان هذا المعطف يبدو خشنًا ورديئًا، فإنه يمثِّل حصيلة العمل المشترَك لعددٍ هائل من العمال: الراعي، وفارِز الصوف، وممشِّطه ومنظِّفه، والصبَّاغ، والغزَّال، والنسَّاج، والقصَّار، والخيَّاط، وغيرهم الكثيرين ممَّن تتضافر اختصاصاتهم بهدف اكتمال إنتاج حتى هذه السِّلعة المتواضعة”(23).
وقد جاء بعد هذا الكتاب التأسيسي؛ كتاب كارل ماركس وفريدريك إنجلز “رأس المال”، الذي قام بنقد وتشريح الرأسماليَّة من منظوره، وإظهار الجانب المُظلِم الذي غفل عنه أو تجاهله آدم سميث مع ثغراتٍ ومشاكلٍ كثيرة.
نماذج مختلفة
تُقَدَّر تلك الكتب المهمة وما شابهها من وثائق مكتوبة، والتي ألحقت تدميرًا أو بناءً في العالَم بثقلها المعرفيّ والعمليّ بالآلاف في الحضارة الغربيَّة أو الشرقيَّة، واحدٌ منها كتاب “الاستشراق” لإدوارد سعيد، الذي يُعَدّ ثَّوْرة في الدراسات الاستشراقيَّة والنقد الأدبيّ، هذا الكتاب الذي كشف عن المركزيَّة الغربيَّة التي ترى الشرق بمنظوراتٍ متخيَّلة مجحفة في حقه، حيث يُرَى أيضًا محرّكًا للنظريَّة ما بعد الكولونياليَّة مع الأعمال الأخرى لهومي بابا وفرانز فانون.
ونجد كتاب “حياة المسيح” لإرنست رينان، الذي كان سبب شُهرَته، وأرغم موضوعه الكثير من المحافظين ورجال الكنيسة يُعادونه. هذا الكتاب الذي يُعَدّ من أوّل المُنجَزات التي درست المسيح كشخصية بشرية تاريخيَّة، وطالبت بدراسة هذا التاريخ على نحو علميّ غير مُتحيِّزٍ وهو يذكِّرنا لكتاب معروف الرصافي “الشخصية المحمديَّة”. أما رواية سلمان رشدي “آيات شيطانيَّة”، فقد تَمَّ منعها في العديد من البُلْدان الإسلاميَّة، وشُنَّ هجوم عنيف على كاتبها، لما تَضَمَّنته من مواضيعٍ دينيَّة أثارت الجدل.
وترتفع أعمال الفيلسوف فريدريك نيتشه، خاصة كتابه “هكذا تكلَّم زرادشت” إلى قمم الكتابات الملهِمة، وكيف هي طريق لما بعد الحداثة، هذه الأخيرة التي نقدت بشراسة مبادئ حداثيَّة ونظمًا أخلاقيَّة وفلسفيَّة عهدها العالَم بل وسخرت منها، وقد شاهمت كتبه أيضاً في التمهيد لمسار متميِِّز في الفلسفة الشذريَّة الشعريَّة.
ومن جانب آخر سنقرأ في حقلٍ آخر وهو الدراسات النِسويَّة والجندريَّة الكتاب المشهور لبيتي فريدان “اللغز الأنثويّ”، الذي افتتح الموجة النِسويَّة الثانية في الولايات المتحدة الأمريكيَّة مع كتاب سيمون دي بوفوار “الجنس الآخر” وكتاب كيت ميليت “السياسة الجنسية”.
ونرى توماس مالثوس الذي يؤمن أنّ ما يحرّك العالم هو الجوع والنمو السكانيّ، في كتابه “مقال عن مبدأ السكان” كيف ناقش مسائل مثل عدد السكان والفقر والجنس والغذاء، كما تبنّى عدَّة أفكار مثل معارضة الزواج المبكّر والدعوة إلى منع الزواج والانجاب على الفقراء.
لقد انتقِد توماس مالثوس بقسوة من اشتراكيّين ومفكّرين، فكتب أحد النقاد عنه ساخراً “لم يجد ما يكتشفه بعد أن قرأ قوائم سلالة نوح. بعد أن عرف أنَّ الدنيا مستديرة”. أما آخر فقال: “كيف يستطيع مالثوس وأتباعه المعنّفون الأغبياء، كيف يستطيع أولئك الذين يريدون نبذ الطبقات الفقيرة، ومنع الفقراء الزواج، كيف تستطيع تلك الفئة الغبيَّة المغرورة أن تنظر في وجه الرجل الكادح، وهم في الوقت نفسه، يطلبون منه أن يحمل السلاح ويخاطر بحياته للدفاع عن الوطن؟” (24) ورغم تلك الانتقادات إلّا أنَّ شهرة كتابات مالثوس ليس بالامكان انكارها، لا سيما وأنَّ منجزَه هذا اعتُبِر في فترته بمثابة عمل يكمل كتاب آدم سميث سابق الذكر.
وإذا ذهبنا إلى عصر النهضة سنجد كتاب “الأمير” لميكيافيلي، الذي لم يلق في البداية اهتمامًا ولم يُطبَع حتى بعد وفاة مؤلِّفه، لكنّه أضحى بعدها من أكثر الكتب طلبًا ومنعاً في الوقت نفسه، وقد حاز على اعجاب العديد من القادة والملوك فحاولوا تطبيق نظريَّاته مثل الامبراطور شارل الخامس وفريدريك العظيم مع لويس الرابع عشر وحتى نابوليون الثالث وهتلر وغيرهم.
ونقرأ في الكُتيِّب الصغير للورينزو فالا في عصر النهضة، حول “منحة قسطنطين الزائفة”، الذي كشف زيف هذه الوثيقة، فلطالما اعتبرت صادقة، حيث يعترف فيها الملك قسطنطين الأوّل بالكهنة ويسلِّمهم عدّة مناطق نفوذ وأملاك. هذا المُنجَز الأدبيّ والتأريخيّ كان من بين أهم الكتابات التي تصادمت مع الكنيسة، من دون نسيان أعمال رابليه الناقدة والساخرة. أما كتاب بطليموس “الجغرافيا”، الذي أعيد طباعته في هذا العصر، فقد كان إنجيل الملاحين والتجار والجغرافيِّين. وقبل بطليموس بقرون سبقته، كان كتاب أفلاطون “الجمهوريَّة” من بين أهّم ما كتب في التاريخ على الاطلاق في فلسفة السياسة، حيث بقي نموذجاً للمدن الفاضلة عند الفلاسفة والسياسيّين من بعده، كما أشاد به البعض وجعلوه من أوّل الكتابات التي طالبت بالمساواة بين الرجل والمرأة ولو أنّ ذلك أثار الكثير من الجدالات بوصف ما بدر منه محض براغماتيَّة. بامكان أيّ شخص من العوام في النهاية معرفة قيمة هذا الكتاب حين يجده في قائمة الكتب الثلاث التي ناقشها هوراس شيب في كتابه “ثلاثة كتب هزت مشاعر العالم”.
وإذا تقدَّمنا في الزمن من جديد سوف نجد كتاب داروين “أصل الأنواع” الذي رسم مساراً جديداً في علم الأحياء، مع منجز فرويد في علم النفس خاصة “تفسير الأحلام” و”مقدَّمة في التحليل النفسيّ”.
وكآخر عملين مكتوبين؛ يجدر التفكير بالكتاب المقدَّس بعهديه، والقرآن. هذان الكتابان اللذان يؤمن بهما عشرات الملايين من المؤمنين، بل ويستميتون في الدفاع عنهما وتطبيق تعاليمها، وإلى الآن لا توجد كتب ربما حققت هذا التأثير مثل كتب الأديان الإبراهيميَّة، وأغلب الكتب المقدَّسة لمختلف الأديان حتى في الدراسات الأدبيَّة والبلاغيَّة.
في الواقع ليس الكتاب فقط من يؤثِّر على الأشخاص بهذا الشكل بل حتى الصوّر. هل نتذكَّر الصورة المُعنوَنة بجملة “We Can Do It”، وكيف صارت أيقونة للنِسويَّة بعدما اتخذتها السُّلطات الأمريكيَّة في سبيل دعايتها لتوظيف النساء العاملات في فترة الحرب؟
ونشاهد الأيقونات واللوحات الدينيَّة التي عدَّت بمثابة كتاب يقرأه الأميّون الذين لا يجيدون القراءة، وهو يشحن طاقة المؤمنين بما يمدَّه من تأثيرِ ديني عليهم أو الكاريكاتورات التي لا تزال إلى اليوم تُودي أصحابها إلى حتفهم.
بوسعنا في النهاية القول أنّ أهمية الكتاب هي بنفس حجم أهمية الإنسان القديم والجديد، حيث تعتمد في الأخير علينا نحن من حيث إنتاجها وطرق التفاعل معها، ومن المثير للاهتمام معرفة أنه يمكن لمنزلة المؤلِّف الاجتماعيَّة والسياسيَّة وشهرته أن تجعل كتابه يغدو ناجحًا ومعروفًا في الوسط العلميّ والشعبي حتى إن كان هراءًا، بينما بالإمكان أيضًا أن يجعل الكتاب صاحبه معروفًا ومهمًا، فالمسألة هي اتصال بيننا وبين الكُتُب مع قليلٍ من الحظ أو التدبير الجيد. مع مراعاة الكتب المهمشَّة بسبب تهميش كتابها والتي لا يقدِّرها أحد على الرغم أنَّه بوسعها أن تكون في مركز القوَّة.
مراجع:
1 – إيميل سيوران، مثالب الولادة، ترجمة: آدم فتحي (منشورات الجمل، ط1، بيروت، 2015) ص129
2 – روبرت نيتز، تاريخ الرقابة على المطبوعات، ترجمة: فؤاد شاهين (دار الكتاب الجديد المتحدة، ط1، بيروت، 2008) ص22
3 – المرجع نفسه، ص20
4 – المرجع نفسه، ص90- 62
5 – البرتو مانغويل، المكتبة في الليل، ترجمة: عباس المفرجي (دار المدى، ط1، دمشق، 2012) ص 197
6 – روبرت نيتز، تاريخ الرقابة على المطبوعات، مرجع سابق، ص88
7 – المرجع نفسه، ص46
8 – خالد السعيد، حرق الكتب، تاريخ إتلاف الكتب والمكتبات (دار أثر للنشر والتوزيع، ط1، الدمام 2018) ص185، 186
9 – البرتو مانغويل، المكتبة في الليل، مرجع سابق، ص193
10 – خالد السعيد، حرق الكتب، مرجع سابق، ص 104
11 – المرجع نفسه، ص42، 43
12 – ناصر الحزيمي، حرق الكتب في التراث العربي (منشورات الجمل، بيروت، 2002) ص37، 87، 91، 96
13 – المرجع نفسه، ص51
14 – انظر كتاب: حرق الكتب، تاريخ إتلاف الكتب والمكتبات الذي ذكرناه سابقًا.
15 – البرتو مانغويل، المكتبة في الليل، مرجع سابق، ص194
16 – ألبير سوبول، تاريخ الثورة الفرنسية، ترجمة: جورج كوسي (منشورات عويدات، ط4، بيروت، 1989) ص 29
17 – روبرت ب. داونز، كتب غيرت وجه العالم، ترجمة أمين سلامة، (الهيئة المصرية العامة للكتاب) ص54، 63، 64
18 – فاسيلي كاندينسكي، الروحانية في الفن، تقديم: محمود بقشيش (الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2008) ص131
19 – The Influence of suggestion on suicide
substantive and theoretical implications
Of the Werther effect, by David P. Phillips, American Sociological Review 1974 June, PP:340, 341, 345, 346.
يمكن قراءة الدراسة من هنا: https://cutt.ly/lBa3zD6
20 – جيته، آلام فارتر، ترجمة: أحمد حسن الزيات (دار القلم، بيروت، 1920) ص15
21 – إيمون باتلر، آدم سميث، ترجمة: علي الحارس، مراجعة: إيمان عبد الغني نجم (مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، ط1، القاهرة، 2014) ص22
22- روبرت ب. داونز، كتب غيرت وجه العالم، مرجع سابق ص85
23 -ايمون باتلر، آدم سميث، مرجع سابق، ص36
24 – روبرت ب. داونز، كتب غيرت وجه العالم، مرجع سابق، ص97