الكثير من العلماء ملحدون ولكنهم ليسو معادين للدين – ترجمات
إن عدم الثقة بالملحدين قوي في الولايات المتحدة الأمريكية. يوضح المسح الاجتماعي العام باستمرار أن الأمريكيين يكرهون الملحدين أكثر من أي مجموعة دينية أخرى. وفقًا لدراسات مختلفة، ما يقرب من نصف سكان أمريكا لن يوافقوا على زواج أطفالهم من ملاحدة، وحوالي 40% من الأمريكيين لا يعتقدون أن الملحدين يشاركونهم وجهة نظرهم تجاه المجتمع الأمريكي، و60% فقط من الأمريكيين سيكونون مستعدين للتصويت لملحد في الانتخابات الرئاسية.
ومع ذلك، هناك مجال واحد يُفترض فيه الإلحاد غالبًا: العلم.
غالبًا ما ينظر الناس إلى العلماء على أنهم ”ملحدون“. قد تكون بعض هذه الآراء نابعة من سماع الناس المتزايد للعلماء الملاحدة مثل عالم الأحياء التطوري ريتشارد دوكينز وعالم الأعصاب سام هاريس ممن هم في طليعة الحركة المعروفة باسم ”الإلحاد الجديد“. الملحدون الجدد ليسوا مجرد علماء مقتنعين بأنه لا وجود لأي إله أو آلهة. إنهم يقرنون إلحادهم بالنقد العنيف للمعتقد الديني باعتباره تهديدًا لرفاهية المجتمع.
يتبنى هؤلاء العلماء خطابًا ساخرًا في كثير من الأحيان حول الدين والجمهور المتدين. دوكينز، على سبيل المثال، جادل بأن الدين هو أحد أشكال ”الأمراض العقلية“ وأحد ”الشرور الكبرى“ في العالم ويمكن مقارنته بمرض الجدري.
لكن مثل هذه المواقف المتشددة قد لا تكون ممثلة للعلماء بشكل عام.
كشفت دراسة بحثية حديثة أجريناها أن معظم العلماء الملحدين في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة ليسوا معاديين للدين.
بالاعتماد على الدراسات الاستقصائية مع 1,293 عالمًا قاموا بتعريف أنفسهم على أنهم ملحدين، و81 من المقابلات الشخصية التفصيلية مع بعضهم من عام 2013 حتى عام 2016، وجدنا أن آراء العلماء حول الدين أكثر تنوعًا بكثير من الصورة التي ينقلها الملحدين الجدد.
اختار كل من العلماء في دراستنا عبارة ”أنا لا أؤمن بإله“ من بين خيارات أخرى كاللا أدرية عندما سُئلوا عن آرائهم عن وجود الإله.
بصفتنا علماء اجتماع، فإننا ننظر إلى الدين على أنه متعدد الأبعاد – يتكون من معتقدات وممارسات وتقاليد وهويات – ونسعى لفهم هذه الأبعاد في حياة العلماء الملحدين وآرائهم عن الدين.
إحدى النتائج الرئيسية التي توصلنا إليها هي أن معظم العلماء الملحدين يرفضون خطاب ”الملاحدة الجدد“. وعلى الرغم من أننا لم نسأل عن دوكينز على وجه التحديد خلال هذه المقابلات، إلا أن العلماء غالبًا ما قاموا بذكره خلالها.
كما قال أحد علماء الأحياء الذين قابلناهم في المملكة المتحدة عن دوكينز، “حسنًا، لقد دخل في حرب ضد الدين، … أعتقد أن الدين هدف سهل، وأعتقد أن دوكينز متبلد الشعور ومتنمر“.
حتى العلماء الملحدين الذين تبنوا آراء سلبية عن الدين أعربوا عن مخاوفهم من أن مثل هذا الخطاب المعادي للدين ضار بالعلم.
لا يقتصر الأمر على أن العديد من العلماء الملحدين ليسوا معاديين للدين، ولكن يعتقد البعض أن الدين يمكن أن يكون مفيدًا أيضًا للمجتمع؛ على حد تعبير أحد العلماء المشاركين في الاستطلاع، ”يمكنك أن ترى فوائد الذهاب إلى الكنيسة“. ناقش الكثيرون، على سبيل المثال، شعور الإحساس بالانتماء الذي يجده المرء في الكنائس. وأكد آخرون على أن الحضور في دور العبادة الدينية لهو خير يشجع الناس على التصرف بشكل أكثر إحسانًا.
في الواقع في الولايات المتحدة الأمريكية، 29% من العلماء الملحدين يقولون أيضًا أنهم ”متدينون ثقافيًا“. أي، على الرغم من عدم إيمانهم بالإله، فهم يتفاعلون بشكل روتيني مع أفراد أو منظمات دينية، مثل وجود زوجة مؤمنة، أو إرسال أطفالهم إلى مدرسة دينية، أو حضورهم في دور العبادة الدينية بأنفسهم.
كما أخبرنا أحد علماء الأحياء الملحدين: ”أستمتع بالذهاب إلى الكنيسة لتعطيل عدم الإيمان بشكل مؤقت، للقراءة، لأداء الشعائر الدينية المختلفة، للاستماع إلى القصص الأسطورية الرائعة، إنها تجربة حقيقية“.
وجدنا أيضًا أن هناك قواسم مشتركة بين العلماء الملحدين وأصحاب الإيمان بدرجة أكبر مما قد يعتقده معظم الناس، مثل الروحانيات. في حين أن العديد من الأفراد المتدينين يختبرون الروحانية من خلال إيمانهم، يتحدث بعض العلماء الملحدين عن عملهم بمفاهيم مشابهة.
يتحدث هؤلاء العلماء عن ”طبقات أخرى من الواقع – تبعث الدهشة وتحفز عملهم – غير ملموسة ولا يمكن ملاحظتها“.
كما أوضح علماء الاجتماع بيني إدجيل وجوزيف جيرتيس ودوغلاس هارتمان، عندما يُسأل الأمريكيون عن الملحدين في الاستطلاعات، فمن المرجح أن يتخيلوا شخصًا موجوداً بشكل نظري فقط يرفض فكرة الإله، بدلاً من التفكير في ملحد حقيقي ربما يكونوا قد قابلوه بالفعل بشكل عملي.
في الواقع، في مجتمع منفصل أيديولوجيًا مثل الولايات المتحدة الأمريكية، قد لا يتفاعل الأفراد المتدينون وغير المتدينون بطرق من شأنها أن تُعلمهم بوجهات نظرهم الحقيقية تجاه بعضهم البعض. نتيجة لذلك، تعتمد آراء الأفراد المتدينين وغير المتدينين تجاه بعضهم البعض بشكل كبير على الصور النمطية لكل مجموعة.
وبالتالي، عندما يفكر الناس في العلماء الملحدين، فمن السهل جدًا أن يتخيلوا الصورة المنتشرة في المجال العام والتي يرسمها الملاحدة الجدد مثل دوكينز وغيره.
علاوة على ذلك، من الصعب أن تعرف ملحدًا عندما تراه، خاصة إذا كان جالسًا على مقعدك في الكنيسة، كما يشير بحثنا إلى أنهم قد يفعلوا ذلك.
في عصر تعتمد فيه حياتنا حرفيًا على الثقة في المجتمع العلمي، فإن قول الحقيقة حول من هم العلماء الملحدون من خلال البحث العلمي – بدلاً من السماح بتمثيلهم بشكل خاطئ كمعاديين للدين – أمر مهم. ومن الجدير بالذكر أيضاً أنه كما أن هناك الكثير من العلماء الملحدين، هناك أيضاً الكثير من العلماء المؤمنين، بحسب الإحصائيات فما يقرب من نصف جميع علماء أمريكا مؤمنين بالدين، وبحسب أكبر مسح للدين والعلم – 9,422 عالم في 8 دول حول العالم، فأكثر من نصف العلماء في تايوان وإيطاليا وتركيا والهند مؤمنين بالدين.