الطائرة العجيبة.. بلا مراوح أو توربينات.. كيف أمكن هذا؟
تكنولوجيا طيران ثورية من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا
فيديو مثير نشر على موقع مجلة نيتشر وتناقلته كبريات المواقع العلمية في الأيام القليلة الماضية، نشاهد فيه نموذجًا لطائرة غريبة، تبدو من النظرة الأولى أشبه بتلك الآلات الطائرة الأثقل من الهواء التي ظهرت في عصر الأخوين رايت، وحين تراقبها وهي تحوم في الهواء تزداد اقتناعًا بأن تلك الطائرة قد خرجت لتوها من كتاب لتاريخ الطيران، وحين تدقق النظر فيها تنتابك الحيرة وتتساءل: كيف تطير تلك الطائرة العجيبة بلا مراوح أو توربينات؟
الرياح الأيونية
إذن نحن الآن بصدد الحديث عن اختبار ناجح قام به خبراء طيران من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا لطائرة عجيبة بلا مراوح أو توربينات، بل تعمل بنوع جديد من المحركات الأيونية،يستخدم للمرة الأولى في تاريخ الطيران. وكما جاء على موقع مجلة نيتشر فإن المحرك الثوري الجديد يخلو من الأجزاء المتحركة، ويستخدم أقطابًا عالية الطاقة تعمل علي تأين وتسريع جزيئات الهواء، وإنتاج ما يسمى “الرياح الأيونية”. وخلال التجربة قامت تلك الرياح الأيونية بدفع الطائرة، التي تزن حوالي 2 كجم وتصل المسافة بين جناحيها إلى خمسة أمتار، بسرعة 300 متر في الثانية عبر أحد القاعات الرياضية داخل المعهد، لتقطع مسافة حوالي 70 مترًا قبل أن تسقط علي الأرض. ويعتمد المحرك الجديد على تكنولوجيا الديناميكا الهوائية الكهربية، حيث يعمل الهواء المؤين كقوة دافعة، ويأمل الباحثون في استخدام تلك التكنولوجيا في تطوير طائرات صامتة، تطير بلا نقطة وقود.
الخيال العلمي الملهم
يقول البروفسير ستيفن باريت، الباحث الرئيسي للمشروع، في تصريح نشره موقع صحيفة الجارديان: “كنت في طفولتي مغرمًا بحلقات ستار تريك، ولطالما اعتقدت أن المستقبل سوف يشهد ظهور تلك الطائرات التي تطير بلا صوت وتخلو من الأجزاء المتحركة، وربما يكون لها ذلك التوهج الأزرق، ولكن ليس هناك مراوح أو توربينات أو أي شيء من هذا القبيل. لذلك بدأت في البحث عن الفيزياء المطلوبة لتحويل ذلك الحلم إلى حقيقة، حتى تعرفت على مفهوم الرياح الأيونية، الذي ظهر لأول مرة في عشرينات القرن الماضي”.
وأضاف “رغم أن الفكرة لم تحرز تقدمًا كبيرًا في ذلك الوقت، إلا أنه تمت إعادة النظر إليها مرة أخرى في الخمسينات، وخَلُص الباحثون إلى عدم جدواها. ولكني أعدت النظر في ذلك المفهوم مرة أخرى، ورغم أن وكالة ناسا قد أعلنت منذ عشر سنوات أن استخدام “الرياح الأيونية” لدفع الطائرات لا يبدو عمليًا للغاية، لكني لم أستسلم، واستغرق الأمر مني حوالي خمس سنوات، عملت فيها مع مجموعة من طلاب الدراسات العليا لتحسين الفهم الأساسي لكيفية إنتاج الرياح الأيونية بكفاءة، والأهم استخدامها كقوة دفع في مجال الطيران”.
تصميم عجيب
في النموذج الحالي للطائرة، تمتلك الأسلاك الموجودة علي حواف الأجنحة 600 واط من الطاقة الكهربائية، تضخ من خلالها بفرق جهد يبلغ 40,000 فولت، يكفي للحصول على شلالات من الإلكترونات تقوم بشحن جزيئات الهواء بالقرب من الأسلاك، ثم تتدفق تلك الجزيئات المشحونة على طول المجال الكهربائي نحو سلكٍ ثانٍ في الجهة الخلفية من الجناح، وخلال تلك المسيرة ترتطم تلك الجزيئات المشحونة بجزيئات الهواء المتعادلة علي طول المسار وتنقل الطاقة لهم، فتندفع جزيئات الهواء المتعادلة علي شكل تيار من الجهة الخلفية من الطائرة، فنحصل على قوة الدفع المطلوبة. وطبقا للفيزياء النيوتونية، فإن مثل تلك “الرياح المشحونة” من شأنها أن تعمل كتيارات الهواء في حالة الطائرات المروحية، أو كالغازات الساخنة الخارجة من توربينات الطائرات النفاثة، وفي النهاية أصبح في متناولنا الآن نظام دفع صامت يعمل بالطاقة الكهربائية.
ترحيب عالمي
وقال البروفيسور جاي غريتون، وهو مهندس فضاء وأستاذ زائر في جامعة كرفيلد: “من الواضح أن الوقت مبكرٌ جدًا للحكم على ذلك الإنجاز، ولكن فريق معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا قد حقق إنجازًا غير مسبوق، وأثبت للمرة الأولى إمكانية استخدام الغاز المؤين المعجل لدفع طائرة، وهذه التكنولوجيا قد تتطور في المستقبل بصورة تسمح بالحصول على طائرات أكثر كفاءة وغير ملوثة للبيئة. الجيد في الموضوع أنهم قد خرجوا بطائرتهم التي تعمل بالبطارية من المختبر، وطاروا بها ،وإن كان حتى الآن على نطاق صغيرٍ جدًا، إلا أنهم سيطروا عليها جيدًا، وهو أمر مثير للغاية”. في المستقبل القريب، يأمل فريق معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا لزيادة نطاق وسرعة الطائرة في المقام الأول عن طريق زيادة حجم الطائرة . وتشمل التطبيقات المحتملة في الأجل القصير: طائرات بدون طيار، حيث قد تكون الرحلة الصامتة مفيدة، والرحلات التي تعمل بالطاقة الشمسية على علو شاهق، حيث قد يسمح عدم وجود أجزاء متحركة بأن تطير هذه الطائرة لسنوات كما لو كانت قمرًا صناعيًا.
آمال كبيرة
وعلى المدى الطويل، فإن القدرة على الطيران بالطاقة الكهربائية ستفتح المجال لطيران صديق للبيئة بلا انبعاثات كربونية. وأبدى باريت ثقته في قدرة تكنولوجيا الدفع بالحالة الصلبة علي تقليص حجم الطائرات، مما سيمكن الخبراء من إنتاج طائرات صامتة بدون طيار ذات حجم أصغر تعمل بمحرك الرياح الأيونية، مما يفتح الباب أمام استخدام تلك الطائرات في مهام قد لا يتصورها البعض حاليًا.