التعذيب باللون الأبيض
نوع من أنواع التعذيب يتم فيه إحاطة السجين باللون الأبيض بحيث يُعزَل في غرفة بيضاء ويرتدي ملابس بيضاء ويأكل طعامًا أبيض اللون موضوعًا في أطباق بيضاء.
هل خطر ببالك مُسبقًا أنه يمكن استخدام لونٍ ما كأُسلوب تعذيب؟ يُعتَبر التعذيب بالغُرف البيضاء واحدًا من أخطر أشكال المِحن النفسية. ورغم أنّ أسلوب التعذيب هذا قد استُخدِم لعقودٍ من الزمن إلا أنّ استخدامه قد شاع مؤخرًا في إيران.
إنّ التعذيب باللون الأبيض نوع من أنواع التعذيب النفسي الذي يتضمن استخدام العزلة التامة والحرمان الحسي. إذ يُعزل السجين في زنزانة بجدران بيضاء أو في صندوق أبيض اللون. فَكل شيء موجود في الزنزانة يتميز بأنه أبيض اللون؛ بما في ذلك الملاءات وملابس السجين وبوابة الزنزانة، فضلًا عن أن الأضواء بيضاء اللون كذلك. وفيما يتعلق بالطعام الذي يُقدمه الحراس للسجين فهو وجبة من الأرز الأبيض.
وعلاوة على تطبيق الحرمان الحسيّ عبر استخدام لون واحد فقط، يتم تطبيقه عبر خلق بيئةٍ صامتةٍ بشكلٍ كلِّي؛ أي أنّ الصمت التام يحيط بالزنزانة من كل حدب وصوب. فيُعزل السجين ولا يتمكن من التكلم مع أحدٍ على الإطلاق. وحتى إن احتاج السجين دخول المرحاض، يتعيّن عليه حينها أن يُرسل ورقةً بيضاء للحراس من الفتحة التي تقع بين أرضية الزنزانة وبابها. وحتى لا يسمع السجين أيَّ صوت صادر من الخارج، يرتدي الحراس حذاءً مُبطنًا لا يصدِر أيَّ صوت عند المشي؛ وبذلك يسمع السجين الأصوات الصادرة منه فحسب.
وبذلك نرى أنّ كل ما هو موجود داخل الزنزانة ذو لونٍ أبيض، وأنه لا يصدر أي صوت من داخل الزنزانة أو من محيطها عدا الأصوات التي يُصدِرها السجين. وكما اتضح لنا، لا يتم استخدام الضرب أو الألم الجسدي في أسلوب التعذيب هذا. إلا أنّ دماغك كسجينٍ يتعرض للضرب المُبرِح دون تدخلٍّ ملموسٍ من قِبَلِ أيِّ سجّان -مما يجعل أسلوب التعذيب النفسي هذا أسوء من التعذيب الجسدي. ويهدف هذا النوع من العقاب النفسي إلى غرس الخوف في نفس السجين رغم أن النتيجة أكثر خطورة من ذلك. إذ تتبدد هوية السجين أمام نفسه، فيُصبِح عاجزًا عن تذكر أفراد عائلته وينسى هويته التي كان عليها قبل أن يتمَّ احتجازه. كما وأنّ هنالك شعوراً بالخوف تكيَّف الإنسان على ربطه باللون الأبيض.
فإضافةً إلى أنّ نوع التعذيب هذا يؤدي إلى فقدان المرء لهويته وتثبيط أحاسيسه، فهو يؤدي بالمرء إلى نبذ اللون الأبيض وتحاشي رؤيته وفقدان القدرة على تمييز الأشخاص الذين عرِفهم قبل عزله.
استخدام التعذيب باللون الأبيض في زمننا هذا
تمَّ استخدام تعذيب الغرفة البيضاء حديثًا من قِبل الحرس الثوري الإيراني في مركز اعتقال سري يقع في إيران. أمّا معتقلو هذا المركز فهم مجموعة من الصحفيين الذين شككوا في نظام الحكم الإيراني عبر إلقاء الخطابات وكتابة المقالات. وكان الكاتب أمير فخرافار أحد معتقلي هذا السجن؛ إذ وصف تجربة تعذيبه على أنها لاإِنسانية مُحاطة بالصمت المُطبِق. حيث اعترفت منظمة العفو الدولية بقضية فخرافار وقامت بتوثيقها عام 2004 -وهو العام الذي تعرض فيه للتعذيب لمدة ثمانية أشهر. ولا زال السجين الإيراني السابق أمير فخرافار مرعوباً من الفترة التي قضاها في غرفة التعذيب البيضاء؛ إذ صرح قائلاً:
“قضيت ثمانية شهور من عمري في غرفة التعذيب البيضاء، وبعد انقضاء الشهور هذه كنت قد نسيت كيف يبدو والدي وشكل وجه والدتي. لم أعد إنساناً طبيعيًا بعد خروجي من السجن!”.
كما وظهرت حالات التعذيب المماثلة في كل من أيرلندا والولايات المتحدة الأمريكية وفنزويلا. إنّ تعذيب الغرفة البيضاء لشكلٌ من أشكال الشقاء النفسي الذي لا يغادر أرواح السجناء المُعذَّبة حتى بعد خروجهم من السجن؛ إذ تستمر معاناة السجين للأبد ولا يمكنه العودة إلى طبيعته مُطلقًا. ورغم أن جلسات العلاج النفسي قد تساعد المرء إلى حدٍ ما، إلا أن الشفاء النفسي الكامل ما هو إلا حلم بعيد المنال يستحيل تحقيقه. فما إن يصبح المرء سجينًا مُعذّبًا باللون الأبيض، فلَن يعود إلى طبيعته مُطلقًا -إذ يستمر الشقاء والخراب النفسي الناجم عن التعذيب باللون الأبيض مدى الحياة.
نرشح لك: السادومازوخية: سيكولوجيا مُتعة القسوة والرغبة في الخضوع
مصدر الترجمة white room