الأوبئة السابقة وإدارة أوضاع اللاجئين الإنسانية في كوفيد-19

 الأشخاص المستضعفون غالبًا ما يكونون الأكثر تضرُّرًا من انتشار الأوبئة بما فيها جائحةُ كوفيد-19، فماذا يمكننا أنْ نتعلَّم من تجارب انتشار الأوبئة السابقة لحماية اللاجئينَ والمجتمع بكل شرائحه؟

على الرغم من أنَّ المديرَ العام لمنظمة الصّحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس قد حثَّ الحكومات والمجتمعات -على حدٍّ سواء- على اتّباع النهجِ المتكامل لمواجهة الكورونا، [وهي مجموعةٌ من الإجراءات المشتركة التي تقوم بها مختلفُ الوزاراتِ والإداراتِ والهيئات العامّة من أجلِ توفيرِ حلٍّ مشتركٍ لمعضلةٍ معيّنة بمساعدةِ جميعِ المُجتمع]، إلّا أنَّ السُّكان المُهجّرين والّلاجئينَ لطالما تمَّ وصمهم بالألقابِ والصورِ النّمطية والتضحيةِ بهم ك”كبشِ فداء” في الاستجابة لحالاتِ الطوارئ الوطنيّة.

تواجه هذه الفئةُ من السُّكان مشاكلَ كثيرةً عندَ انتشار الأوبئة إضافةً إلى ما يعانوهُ في الأصلِ من ظروفٍ معيشيّة متدنّية، واكتظاظٍ سكانيّ في أماكن تجمعهم، ومحدوديّة الوصولِ إلى المياه النظيفة والصّرف الصحيّ، وتدنّي مستويات أنظمةِ الصّحة وأنماطِ التغذية السليمة، ما يزيدُ بشكلٍ كبيرٍ من خطر الإصابة بالعدوى ومن صعوباتِ أكبرَ من تلك التي يواجهها عامّة السُّكان في الحصولِ على الخدماتِ الصحيّة، مضطرّين لتحمُّل -بشكلٍ غير متكافىءٍ- عبءَ تدابير مكافحةِ الوباء، بما في ذلك القيودُ المفروضةُ على الحركة وإغلاقِ الحدود. في السياقات الإنسانية، يزيدُ كل من الصّراعات وعدمُ الاستقرار السياسيّ، والقيودُ على الموارد، وضعفُ الحوكمةِ والنظم الصحيّة والبُنى التحتيّة للصحة العامّة من تقييد القدرةِ على اكتشاف حالاتِ الإصابةِ ومعدّلها والاستجابةُ لها بشكلٍ فعّال.

وفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤونِ اللاجئين، من بين 196 دولةٍ متأثّرة بفيروس كورونا عالميًا، هناك 79 دولة منها مضيفة للاجئين. سوفَ ينتشر فيروس كورونا حتمًا في المجتمعات اللاجئة، ونحنُ بحاجةٍ ماسّة إلى العملِ؛ للتخفيف من الآثار قصيرةٍ ودائمةِ المدى على المُهجّرين، وبالتالي حماية المجتمع الأوسع. تقدّم تجربتنا مع الأوبئة والجائحات السّابقة، بما في ذلك الإيبولا ومتلازمةُ الجهازِ التنفسيّ الحادّة الوخيمة (سارس) ومتلازمة الشرقِ الأوسط التنفسيّة (ميرس)، دروسًا مهمّة حولَ ما يمكن توقعه والاستعداد له من أجلِ التغلُّب على التحدّيات المقبلة.

الحفاظ على الخدمات الصحيّة الأساسيّة للحدِّ من وفياتِ الكورونا

نحن نعلم من الأوبئة السابقة، بما في ذلك الإيبولا وإنفلونزا الخنازير، أنَّ الآثار الصحيّة غيرَ المباشرة تتجاوز أعداد الوفيات ونسبِ الانتشار التي يسببها المرض. إن احتكارَ الموارد، وتعطيلَ سلاسلِ الإمداداتِ الطبيّة، وإغلاقِ المرافقِ الصحيّة، ونقصِ العاملينَ في مجالِ الرّعاية الصحيّة (بسببِ الوفيات أو المرضِ أو الغياب أو مسؤوليّات الرعاية أو تدابيرِ الإدارة) خلال الاستجابة للوباء يمكنُ أن يُربكَ النُظم الصحيّة، خاصّةً في السياقات الإنسانيّة، أيْ يمكنُ أنْ تؤدّي إلى تعميق التفاوتات القائمة في توزيع المواردِ بين المناطقِ الحَضَرية والرِّيفية والعشوائيّات، إلى جانب القيودِ المفروضة على الحركة ومخاوفِ الوضع القانونيّ والمخاوفِ من العدوى التي تحدُّ من قدرةِ الأفراد أو رغبتِهم في الحصولِ على الرعاية الصحيّة.

إعلان

يحتاج الأشخاص الذين يعانونَ من حالاتٍ مُزمنة، بما في ذلك فيروس نقصِ المناعة (العَوزِ المناعيّ البشريّ) والسِّل وأمراضِ القلبِ والأوعية الدمويّة والسُّكري، إلى استمرار الرعاية كونهم معرَّضونَ بشكلٍ متزايدٍ لخطرِ الوفاة أو المضاعفاتِ إذا توقَّف علاجهم، كما أنَّهم أكثرُ عرضةً للإصابةِ بعدوى الكورونا الحادّة والمُميتة خصوصًا وأنَّ النظامَ الإنسانيّ غير مُجهّز بالفعلِ للتعاملِ مع احتياجاتِ الأمراض المُزمنة. خلالَ فترةِ انتشارِ وباءِ إيبولا 2014-2016 في غربِ أفريقيا، قُدِّر أنَّ انخفاض فرصِ الحصولِ على علاج الملاريا وفيروس نقصِ المناعة البشريّ والمكتسبِ (الإيدز) والسّل قد تسبَّب في 10600 حالةِ وفاةٍ زائدةٍ في غينيا وليبيريا وسيراليون، وهو رقمٌ ينافس إجمالي 11300 حالة وفاة بفيروس إيبولا المبلَّغِ عنها في هذهِ البُلدان.

وُجِدت دراساتٌ أخرى أيضًا انخفاضًا كبيرًا في الزيارات الروتينيّة لصحّة الأمِّ والطفل، والصّحة الإنجابيّة، وأمراضُ الطفولة الشائعة في البلدانِ المصابة بفيروس إيبولا. أظهرت الدراسات أنّه حتى في ظروفٍ إدارةِ المواردِ بشكلٍ جيّد، ارتبطت زيادةُ أعباءِ الرعايةٍ الصحيّة بسببِ جائحةِ إنفلونزا الخنازير عام 2009 بزيادةِ الوفيّات بسببِ السكتةِ الدماغيّة والذّبحة القلبيّة وقصورِ القلب. مع تكثيفِ المجتمع الدوليّ لاستجابته لتدابيرِ انتشار الكورونا، من الضروريّ ضمانُ استمراريّة الخدماتِ الصحيّة الأساسيّة وبرامجِ الوقايةِ الضروريّة لإنقاذِ حيواتِ الناس، يتطلّب القيامَ بذلك الاهتمام الفوريّ بالاحتياجات والأولويّات الصحيّة للمُهجّرين ورسمِ خططِ الطوارئ لضمانِ استمرارية الخدمة التي تشمل طرق تقديم العلاج البديل وإدارة سلسلة التوريد وتوفير إمدادات الأدوية لحالات مثل فيروس نقص المناعة البشريّة والسل والأمراض غير المعدية ووسائل منع الحملِ الحديثة. تبرزُ الحاجة أيضًا لحماية العاملين في مجالِ الرّعاية الصحية، وضمانِ شعورهم بالأمان لمواصلةِ العمل (بما في ذلك توفير المعدّات الواقية الشخصيّة الكافية، والإشراف والدّعم وصرفُ الرَّواتب) وعدمُ تقييدِ قدرتهم على العملِ دون مبرِّر.

تأمين تدابير الوقاية للاجئين وفحصهم لضمان سلامة الجميع

من المهمّ ضمانُ وصول السُّكان المهجّرين، وكذلك العاملين في مجال الرّعاية الصحيّة الذين يخدمونهم، إلى تدابيرِ الوقاية من العدوى ومكافحَتها والفحصِ والعلاج. نظرًا للإبلاغ عن نقصٍ حادّ في معدّات الحماية الشخصيّة [كموادِ التعقيمِ والكمّامات والقفازات] وأماكنِ الفحص وأجهزةِ التهوية في جميع أنحاءِ العالم، يجبُ الدفاع عن احتياجاتِ اللاجئين والعاملين معهم. وعلى الرّغم من أنّه ينبغي دمجهم في عمليّات الاستجابة الصحيّة الوطنيّة، يبدو أنّ العديدَ من البلدانِ تعطي الأولويّة لاحتياجاتِ المواطنين الآخرين. مثلًا، لجأ لاجئو مخيمٍ للسوريين في ليسبوس- اليونان إلى خياطةِ كمّاماتِ الوجهِ بشكلٍ يدويّ للأفرادِ الذين قد يصابونَ بالعدوى. ويعد التباعدُ الاجتماعيّ مهمًّا لتقليلِ معدّل انتشارِ المرض، ولكنّه نادرًا ما يكون متاحًا للاجئين الذين يعيشونَ في المُخيّمات أو أماكنِ الاحتجاز أو المناطقِ الحضريّة عاليةِ الكثافة أو العشوائيّات غير الرّسمية. هذه المواقع مكتظّة بالسُّكان، وغالبًا ما تفتقر إلى إمداداتِ المياه والصّرف الصّحي الكافيين، وتنتشر فيها المراحيضِ ومرافقِ الطبخ المشتركة. علاوة على ذلك، يتطلّب تقديمُ الخدمات الإنسانّية، بما في ذلك توزيعُ الغذاء عادةً من الأشخاصِ، التجمُّع في حشود.

وينصح التوجيه المؤقت من “اللجنة الدّائمة المشتركة بين الوكالات”، [وهو منتدًى مشتركٌ بين الوكالاتِ والشركاءِ الإنسانيين من الأمم المتحدة وخارجَها تأسس عام 1992 لتعزيزِ المساعدةِ الإنسانيّة]، بالاستعدادِ والاستجابةِ لتفشّي الكورونا في الحالاتِ الإنسانيّة من خلال التخطيطِ الاستراتيجيّ للمواقعِ لتطبيقِ التباعدِ الاجتماعيّ بشكلٍ أفضل، والاهتمامُ بإدارةِ الحشودِ وتعزيزِ المراقبةِ والفحصِ المستمرِّ للكشفِ عن الحالاتِ الأوليّة في وقتٍ مبكّر. أمّا بالنسبةِ للحالات الحادّة، يحتاجُ اللاجئونَ إلى تأمينِ الوصول إلى المستشفيات التي تحتوي على وحدِ العناية المركّزة مع إعطاء الاهتمام الخاصِّ للفئاتِ الأكثرِ عرضةً للإصابةِ بالكورونا، بما في من تزيد أعمارهم عن 50 عامًا، والذين يعانون من الأمراض المزمنة والأمراض غير المعديّة، ومن ثمّ تعزيزُ الحفاظِ على المسافة الاجتماعية، والحصولِ على التوعيّة واللوازم المناسبة لنظافة اليدينِ والجسم، وفحوصات الكورونا.

دور تعاون المجتمع وثقته في مكافحة الجائحة 

توضِّح تجربتنا مع فيروسِ إيبولا والسارس أنَّ الشفافية والثقةَ والشراكة المجتمعيّة هي مفتاحُ الجهودِ المبذولةِ للسيطرةِ على الكورونا، كما توضّح الدُّروس المستفادةُ من السّارس أهميّة الكشفِ المبكّر والتواصلِ مع فئاتِ السُّكان كافةً وتطبيقِ استراتيجيات الاحتواءِ والتّعاونِ على المستوى العالميّ. إنَّ التواصلَ الفعّال والثقة العامّة أمرانِ حاسمان لنجاحِ تدابير الصّحة العامة؛ لأنها تتطلّب تعاونَ الأفراد والمجتمعاتِ المتضرّرة، وهما مهمان بشكلٍ أكبرَ للاجئين، الذين قد لا يمتلكون، بناءً على تجاربٍ سابقة، الثقة في السُّلطات أو الحكومات أو الأنظمةِ التي من المفترضِ أنَّها موجودةٌ لخدمةِ احتياجاتهم.

مع قيودِ السَّفر التي قد تمَّ تطبيقها عالميًّا استجابةً لفيروسِ كورونا، شجَّعت منظمةُ الصّحة العالميَة على تفادي القيودِ الفضفاضة التي تُغذّي الخوفَ وتعيقُ النقلِ الفعّال للعاملينَ في المجال الطبيّ والإمداداتِ الطبيّة، والتي تأتي غالبًا بعد فوات الأوان لاحتواءِ انتشار المرض. بذلك نشيرُ إلى ضرورةِ عدم تطبيقِ قيود حرية التنقل بطريقةٍ تمييزية على اللاجئين، واحترامِ مبدأ عدمِ الإعادة القسريّ بغضِّ النظر عن المخاوف الحقيقيّة أو المتصوَّرة من فيروس كورونا. كما يمكن لحظرِ السفر عند دمجه مع الخطاب الشعبويّ الذي يهدف إلى إلقاء اللوم على “الغُرباء”، أنْ يُحرِّض على تشكيلِ وصمةِ عار وكبشِ فداءٍ لمجتمعاتِ المهاجرين، وبالتالي تقويضُ أهداف الصّحة العامة.

بخلافِ ذلك، يمكن أن يسهم إشراك المجتمعات المتضرِّرة والمصادرَ الموثوقة، بما في ذلك المتعافون من الوباء وقادةُ الرّأي في المجتمع، في النجاحِ الشّامل لجهودِ الأمن المتعلّقة بالصّحة في جميعِ أنحاءِ العالم. هناكَ دورٌ للحجر الصحي والعزلةِ بشكلٍ آمنٍ في مكافحة الكورونا، ولكن يجب تطبيقُ هذه التدابير بعنايةٍ مع احترامِ الحقوقِ والظروف المحددة. في الأوضاع الإنسانية، قد يكونُ الحجر الصحي تحدّيًا، ويجبُ بذل الجهود لضمان استمرار قدرةِ الأفرادِ المعزولينَ للوصول إلى الاحتياجات الأساسية والغذاء وخدماتِ الدّعم. بنفسِ القدر من الأهمية الذي يجبُ فيه توجيه رسائلَ توعويّة واضحة حولَ دورِ وأهميّة الحجر الصحيّ كوسيلةٍ لاحتواءِ الأمراض المعديةِ طوالَ فترة الاستجابة للاجئين وكافّة السكان.

الخلاصة

لقد علّمنا الانتشار السريع لفيروسٍ تاجيّ مستجدٍ أنَّ جميعنا مترابطونَ فيما يتعلّق بصحتنا ورفاهيتنا، وفي حالات كهذه، غالبًا ما يكون المهجرون، بما في ذلك اللاجئون والنازحون، هم أول من يتمّ الإساءة لهم ويلامون ظُلماً على انتشار المرض، مع أنهم من بين الأشخاص الأكثرِ تعرُّضًا خلال الوباء – إلى كل من الفيروس نفسه والتدابير المتخذة للسيطرة عليه. وقد تمّ بالفعل رصدُ مشاكلَ كبيرة في العمليات الإنسانية من الميدان، مما يُعرقل الوصول إلى الخدمات الصحية والخدمات الأساسيّة الأخرى، والقدرة على الاستجابة للاحتياجات المجتمعية المُلحّة. يقول أحد العاملين في المجال الإنساني:”إنّ كورونا تجعلُ الضعفاء أكثرَ ضعفًا بشكل كبير حتى قبل تفشّي المرض بينهم”.

يجب علينا الاستفادة من دروس الأوبئة السّابقة في استجابتنا للكورونا التي أظهرت لنا ضرورةَ الاهتمامِ بالتّبعات الصحيّة غيرَ المباشرة للمرض للحدّ من الوفياتِ وضمانِ حصول الّلاجئين والسُّكان المشرّدين على خدماتِ الفحصِ والإحالة والعلاج النهائي إلى جانبِ جميع فئات السّكان، وأن وصمَ العدوى الفيروسيّة بشريحةٍ معيّنة لا يعزِّز إلا تعرُّض السّكان للخطر وتقليل إمكانيّة الحصول على الرعاية. إن التهاون في الرعاية الصحية للمهجّرين قسرًا وتجاهلهم يقوض خط الدفاع الأول للصحة العامة، وهو استعدادِ النّاس للكشفِ عن الأعراضِ وطلبِ الرّعاية. وتعدُّ الثقة هي النقطةٌ الحاسمة في الاستجابات الوبائيّة التي تحتاجُ للتعاضدَ المجتمعيّ. إن ّالوباء في ذاته لا يميّز بين الأفراد، وكذلك يجبُ أن تكونَ الرّعاية الصحيّة، في عصر فيروس كوفيد-19، لا تكون حماية أكثرِ الفئات ضعفًا بيننا مجرد واجبٍ أخلاقيّ، بل هدفٌ عاجل للصحة العامة؛ لأنَّ صحة المرءِ تتوقف عن كونها شأنًا خاصًّا بل تصبح صحة مجتمعٍ بأسره.

مصدر الترجمة

إعلان

فريق الإعداد

تدقيق لغوي: رنا داود

ترجمة: أفنان أبو يحيى

اترك تعليقا