اقتصاديات الزواج في مصر وترشيد النفقات التفاخرية

أتساءل كيف حال الزواج في مصر؟ وكم تبلغ تكلفته! ولماذا ينظر الأغلبية عند شراء الأثاث والتجهيزات وكأنهم يسارعون في شرائها لغرض التخزين وليس الفرحة! هل خطر ببال أحدكم أن هذه التكاليف أصبحت بمثابة الحائل أو العائق الذي يقف في طريق الشباب فيجعلهم يُحجمون عن الدخول في مشروع الزواج بسبب المتطالبات المبالغ فيها في ظل الظروف الاقتصادية الحالية؟ وأن هذه التكاليف هي أحد الأسباب الرئيسية في ارتفاع نسبة العنوسة أو تأخر الزواج! وهل من السهل توفير قدر كافٍ من المال للزواج بهذه الطريقة المتدنية التي تتبع أسلوب من يُنفق أكثر هو الأفضل! وكيف يحدث هذا والبطالة تجتاح المقاهي وأحجار الدخان! لماذا لا ننظر إلى الخسائر المادية والمعنوية والنفسية التي تعود على الطرفين وعلى أُسرهم في حالة الانفصال ونأخذها بعين الاعتبار؟!

لماذا لا نتذكر رسول الله وهو يدعونا إلى تيسير الزواج وعدم المغالاة في المهور؟! فعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِى الْعَجْفَاءِ السُّلَمِىِّ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رَضِىى اللَّهُ عَنْهُ- يَقُولُ: “إِيَّاكُمْ وَالْمُغَالاَةِ فِى مُهُورِ النِّسَاءِ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ تَقْوَى عِنْدَ اللَّهِ أَوْ مَكْرُمَةً عِنْدَ النَّاسِ لَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَوْلاَكُمْ بِهَا، مَا نَكَحَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- شَيْئًا مِنْ نِسَائِهِ وَلاَ أَنْكَحَ وَاحِدَةً مِنْ بَنَاتِهِ بِأَكْثَرِ مِنِ اثْنَىْ عَشَرَةَ أُوقِيَّةً وَهِيَ أَرْبَعُمِائَةِ وَثَمَانُونَ دِرْهَمًا وَإِنَّ أَحَدَهُمْ لَيُغَالِي بِمَهْرِ امْرَأَتِهِ حَتَّى يَبْقَى عَدَاوَةً فِى نَفْسِهِ فَيَقُولُ: لَقَدْ كُلِّفْتُ لَكِ عَلَقَ الْقِرْبَةِ” . -رواه الخمسة وأحمد والحاكم والبيهقي واللفظ له وغيرهم وصححه الشيخ الألباني -رحمه الله– .

فلا مقارنة بين ما كان عليه السلف الصالح من تيسير لموءن الزواج وقلة التكلفة وما نحن عليه اليوم من إسراف وتبذير ومغالاة فى النفقات والمصروفات والأقساط والديون. وإذا نظرنا إلى عادات وتقاليد الخطبة والزواج في أمريكا -مثلاً- نجد أن الشاب يقدّم للفتاة خاتم الخطبة كبادرة حسن نية للعروس -مع الوضع في الاعتبار أنه في حال ميسورة للغاية-، فلماذا لا نأخذ في اعتبارنا أن المالَ شيءٌ والسعادةَ شيءٌ آخر! ربما كان المال وسيلةً لتحقيق السعادة في بعض الأحيان لكن كثرة المال لا تعني كثرة السعادة أبداً؛ فالمال عندما يصبح هدفاً ويتجاوز عن الحاجة يفقد قيمته ويستعبد صاحبه بدل أن يحرره؛ فالسعادة لا يمكن شراؤها بالمال.

ومن منظور اقتصادي لا تتمثل التكلفة الحقيقية للزواج في هذه التكلفة المباشرة إنما تتمثل في تكلفة “الفرصة البديلة opportunity cost”، وهي ببساطة تتحدث عن الفرصة المفقودة بسبب اقتنائك فرصة أخرى، أي أقل عائد يمكن التضحية به في سبيل الحصول على بديل آخر؛ إذ أن محدودية الموارد -التي هي من طبيعة الأشياء- لا تمنحك الفرصة لاقتناء كل ما تريد، وبالطبع لا تمنحك الفرصة لاقتناء كل شيء.

وهناك رأي يقول أن التكلفة البديلة للزواج تعتبر تماما كالتكلفة البديلة للسلع والخدمات؛ فهي مسألة لا يمكن تقديرها إلا على المستوى الشخصي، والتكلفة البديلة دائماً يتحملها “صاحب الطلب” وهو المشتري، وقد يشاركه آخرون في الاستهلاك مثلما يحدث في حالة الاستهلاك الأسري وفي هذه الحالة تكون هناك أكثر من تكلفة بديلة!

إعلان

ببساطة لأن المشتري يفقد فرصته في الحصول على سلع عديدة حين يقوم بشراء سلعة محددة، والسلعة هنا هي الزواج نفسه! فغالبية ما نراه اليوم في حالات الزواج عند انعقاد جلسة بين طرفي الأهل للاتفاق على تجهيزات الزواج نجد أن أهل الفتاة يطلبون تجهيزات عديدة من الشاب فى الوقت الذى فيه يعلمون جيداً أن الشاب هذه الأيام دخله منخفضا -خاصةً إذا كان ذو عمل حر ودخلة غير ثابت- . 

لقد بيّن الاقتصادي الإنجليزي “دافيد ريكاردو” في عصره -عاش في القرن التاسع عشر الميلادي- ومن خلال نظرية “المزايا المتوازنة” لماذا يجب أن تتخصّص دولتان في التبادل التجاري للحصول على أقصى الفوائد، ويطبّق “جاري بيكر” النظرية نفسها في التبادل غير التجاري الذي يربط الزوج بالزوجة، حيث يؤكد أن التخصّص فقط هو الذي ينظمّ موارد الأزواج ويحقق لهم الرفاهية.

لقد أدىّ دخول المرأة الواسع في مجال السوق الخارجية إلى إنقاص الربح الاقتصادي للزوج من جهة، وسهولة الطلاق من جهة أخرى! يقول “فيليب ثورو” :

“نستطيع أن نقول بتعبير اقتصادي أنّ خروج أحد الشركاء في الزواج من السوق لم يعد يكلّف غالياً، وبما أنّ الأزواج الشبان يتوقعون أن ينتهي زواجهم بالطلاق فإنهم لا يحرصون على الإسراع في الإنجاب كما كان يحدث في الماضي” .

ويقول “دنجان” : “يبدو جليّاً أن الزواج لم يعد ربحاً كبيراً، ويؤكد ذلك العدد الكبير من الارتباطات الحرة وزيادة عدد النساء المسؤولات عن الأسرة، وكذلك ارتفاع عدد المواليد دون زواج” . يبدو –ومع الأسف– أنّ هذا التطور يتوارث ذاتياً، فترغب الزوجات في العمل كحماية لهن وأولادهن من مصيبة أيّ طلاق محتمل. ومن الملاحظ أن أجور النساء العاملات أقل من أجور الرجال، وربما كان ذلك لأن الزوجات يكن مشغولات بالمهام المنزلية فلا يعطين الجهد نفسه في نشاطهن المهني، ولذلك فهن يستثمرن أقل في الخارج ويخترن أعمالاً تتطلب جهداً أقل ولذلك فإن أجورهن تكون أقل.

من وجهة نظري هناك العديد من المظاهر الكارثية فى زواج هذا العصر أهمها: المبالغة في المهور جعلت من الزواج سلعة تجارية ومجالا للتفاخر والمزايدات، والتي تضطر الأهل بعد الزواج للجوء للاستدانة غالباً بسبب الدخول في دوامة الأقساط والديون. بالإضافة إلى المبالغة في الهدايا مثل هدايا فترة الخطبة وغيرها. الأمر الذي يدعو للدهشة أن بعد المغالاة في طلبات أهل الفتاة يقولون العبارة الشهيرة “احنا بنشترى راجل” ! وهنا أحب أن أسأل: بعد كل هذه المغالاة فى طلبات الزواج ماهى صفات الرجل فى نظركم؟!

ختاماً يجب تفعيل دور الأسرة في تكاتف الجميع (أسرة الزوج وأسرة الزوجة) في مساعدة أبنائهم في بناء أسرتهم الجديدة، وترشيد النفقات التفاخرية والتركيز على النفقات الضرورية والأساسية، وعدم المغالاة في المهور، وعدم المغالاة في قيمة المؤخر الذي يطلبه أهل الزوجة من الشاب وكأنهم يعلمون متى سيتم الطلاق ويستعدون لتحصيل المؤخر والذي يصبح في هذه الحالة عقابًا للزوج على قرار الزواج أصلا! كما يجب التنوية بأنه إذا كانت المغالاة فى المهور وطلبات أهل الزوجة سبباً فى إعراض الشباب عن الزواج فإنها بعد الزواج قد تكون سبباً فى المشاكل وحدوث شقاق وخلافات زوجية تؤدي إلى انهيار البيت الذي تم تجهيزه خلال سنوات. مع تعنت الأهل في التنازل عن بعض الشروط، يحدث عزوف من بعض الشباب عن الزواج حتى يتمكن من تلبية احتياجات الأهل والعروس، لنجد بعد ذلك فتيات كثيرات يكبرن في العمر وهن في أمس الحاجة إلى شريك، وتزداد المشكلة وتتفاقم مع تنامي ظاهرة العنوسة للشباب والفتيات حتى باتت تسكن وراء كل باب في مصر! وأخيراً متى نتخلص من سطحية الأهل في الوجهة المادية البحتة وكأنهم يقولون للشاب: كم ستدفع لتأخذ ابنتنا؟!

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: إيمان سالم

تدقيق لغوي: دعاء شلبي

اترك تعليقا