ألعاب الإنترنت “ MMORPG” والوجودية: ماذا تُعلمنا ألعاب الإنترنت عن الفلسفة؟ (مترجم)
مقال مُترجم لجوزيف سينترلي، باحث بالفلسفة من جامعة بلومسبرج بولاية بنلسفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية.
سواءً كانت لعبتك المفضلة هي Final fantasy XI أو World of craft أو Eve online أو أي لعبة ضمن عدد كبير من الألعاب المنتشرة من فئة ألعاب الإنترنت متعددة اللاعبين، فأنت تعلم بكل تأكيد كيف أن تلك الألعاب مثيرة وممتعة، وأما بالنسبة لأولئك الذين لا يمارسون تلك الألعاب فإن فكرة قضاء ساعات طويلة لمدة أيام وشهور أمام شاشات الحواسيب هي فكرة ضبابية بأي حال! وسواء أعجبتك تلك الألعاب أم لا، إلا أن تلك الألعاب قد صنعت ثروة من خلال كفاءتها باغتنام الظروف البشرية في عوالمهم الخاصة، ومن خلال التعمق في أصل الظروف البشرية تزود تلك الألعاب أي مستخدم لها بكل ما قد يسعى إليه أي بشري ويشتهيه: الرغبة والهدف والحرية والقوة.
سوف أتخذ اليوم مُهلة من الحديث الفلسفي المعقد وسأقدم رأيًا شخصيًا عن الوجودية وعلاقتها بألعاب الإنترنت.
استهلال
دعونا الأن نُفند كلمة“MMORPG”: رمز RPG هو اختصار لـ Role Playing Game، وتقوم فكرة ذلك التعريف على القيام بدور شخصية واحدة في العادة واللعب بها عبر قصة أو سلسلة من الأحداث من أجل الوصول إلى تحقيق اللعبة. وتعتبر لعبة Final Fantasy هي أشهر مثال لذلك؛ نظرًا لقصصها وحبكاتها المعقدة والمليئة بالسحر والغموض واللكنات الرومانسية. وقد وجِدت تلك الألعاب من أمثال Final Fantasy منذ بزوغ فجر ألعاب الفيديو. وعلى الجهة الأخرى فإن رمز MMO هو اختصار لـ Massive Multiplayer Online وهو تعريف يعبر عن نفسه بوضوح شديد (ألعاب الإنترنت متعددة اللاعبين).
ولهذا فإن ألعاب الإنترنت من فئة MMORPG تتطلب من اللاعب أن يقوم بدور شخصية معينة في عالم افتراضي ضمن الآلاف بل وأحيانًا الملايين من اللاعبين الآخرين.
التواجد بعالم لعبة World of Warcraft ..
(سأتخذ لعبة WoW كمرجع لمعظم ما سيتم شرحه نظرًا لشهرتها الواسعة). يشرح الفيلسوف مارتن هايديجر مسألة “التواجد في العالم” من خلال مصطلح Dasein أو الوجود.
يعني مصطلح “Dasein” مسألة الوجود في العالم كنتيجة لمسبب بشري يتصرف ضمن بيئته، ولذا ماذا لو أن تلك البيئة هي بيئة افتراضية؟ ماذا لو كنت تستكشف بيئة افتراضية من خلال موجود “شخص” افتراضي؟
ولهذا السبب أحب افتراض أن ألعاب الفيديو مثل WoW هي وجود في العالم الحقيقي ووجود في عالم اللعبة نفسها في آن واحد، وذلك الأخير “التواجد بداخل عالم اللعبة” هو ماسأقوم بمناقشته. إن ما يجعل تلك الألعاب جيدة في إحداث تلك الانتقالات “بين العالمين المختلفين” أكثر من أي ألعاب أخرى هي خاصية واحدة تميزها عن غيرها ألا وهي “تطبيق الإرادة الحرة”، فعند ممارسة تلك اللعبة يمتلك اللاعب حرية الاختيار للقيام “افتراضيًا” بأي شيء يريده أو عدم القيام بأي شيء لا يريده. كمثال على ذلك يمكنني أن أصطدم بشخصٍ ما في لعبة WoW يقاتل عدوًا ولكنه لا يبلي حسنًا، وفي الواقع فإن لدي الفرصة لمعالجته وإنقاذه من الموت، وإذا عالجته فبذلك أكون قد وفرت له كمية لا بأس بها من الوقت والإحباط، ولكن إن كان لدي أشياء أخرى للقيام بها فيمكنني بكل بساطة المرور به ثم الإكمال في طريقي المرح. والحقيقة هي أن تلك الألعاب ومثيلاتها تضعك في عالم افتراضي مع الآلاف من اللاعبين اللذين يتصرفون جميعهم باستقلالية.
الرغبة والغرور والقوة
أعتقد أنه إن كان هناك شيء واحد تسعى إليه غالبية اللاعبين من خلال تلك الألعاب فهو القوة، حيث إنه عند ممارستك لتلك الألعاب لفترة كافية يمكنك أن تصير قويًا تمامًا، وفي الغالب فإن تلك الشهوة تجاه القوة والهيمنة هي التي تدفع معظم لاعبي WoW لأن يصبحوا مُدمنين لها، فحينما يغدو المرء قوة لا يمكن إيقافها وقادرًا على جرف أي شيء يعوق طريقه فإن ذلك يثبت كم هو جيد جدًا في ذلك ويوضح كم القوة التي صارت في جعبته، وتلك الرغبة الشديدة بالقوة هي إحدى المبادئ الأساسية عند نيتشه، حيث أكد نيتشه أن كل البشر يرغبون في جني القوة، والأهم من ذلك تسخير تلك القوة للهيمنة على الآخرين.
ويمثل الغرور والزهو ركيزة رئيسية أخرى لتلك الألعاب. فيبدأ اللاعبون في العادة رحلتهم كشخصيات باللعبة باختيارات بسيطة ومتواضعة لمظاهرهم، ثم ومن خلال صعودهم الدرج رويدًا رويدًا باللعبة يمكنهم الحصول على المواد والإكسسوارات المعقدة التي تجعلهم – إن جاز التعبير- “مثيرين للشغب” ( أو باللغة الدارجة “روشين”)، ففي لعبة Eve Online يتحكم اللاعبون في سفن فضائية ويتسكعون بها في جميع أنحاء الكون مُشكلين شخصياتهم بالشكل الذي يختارون، ولكنك بالطبع لن تبدأ رحلتك باللعبة مع “أروش” سفينة بالمتجر الإلكتروني. إن الأمر ذاته الذي يحدث في معظم تلك الألعاب هو الذي يحدث في الحياة الواقعية حينما يتم تأليه المشاهير بسبب “مظاهرهم المبهرجة المدهشة”.
الغاية أو الهدف
في استطاعة تلك الألعاب فعل شيء قد لا يكون موجودًا في الأساس بالواقع الحقيقي، ففي عالم حيث يتسائل تقريبًا الجميع حول الغرض من كل شيء تقدم تلك الألعاب مسارًا واضحًا، ليس واقعًا حقيقيًا بالطبع ولكن تلك الألعاب تقدم لك ذلك الحس بوجود غرض ومعنى، خصوصًا عندما تكون منغمسًا في قصة اللعبة وأحداثها.
يَقِر معظم الوجوديين بأمر واحد من ضمن أمرين لا ثالث لهما، الأول هو أنه لا يوجد أي غرض أو معنى للحياة, والثاني هو أن أي معنى أو غرض للحياة فهو من صنع الإنسان. ومع الاصطدام بتلك الأفكار يتضح جليًا لماذا قد يقضي أحدهم وقتًا طويلًا ليمارس تلك الألعاب. في نهاية الأمر ستحصل على ذلك الشعور بالرضا حيال إشباع فكرة المعنى والغرض والتي لا تتحقق فعليًا بالعالم الواقعي.
نظرية “الموقف” لسارتر وكيف تنطبق على موضوعنا
نظرية “الموقف” هي فكرة قد طرحها الفيلسوف جان بول سارتر. تنبثق تلك الفكرة من المفهوم الخاطئ للحرية. يوضح سارتر أن الحرية هي بكل بساطة النزاع المتواصل بين قدرتنا على الاختيار والعوائق التي تقف في طريقنا، ولهذا فإننا بعالمنا الواقعي لسنا نهائيًا أحرارًا بشكل كامل، فدائمًا هناك معرقلات يجب التغلب عليها من أجل الاستمرار، فنحن نتواجه مع الاختيارات سواءًصغيرة أو كبيرة في كل دقيقة تقريبًا: “هل أريد أن أتناول البيض على الإفطار؟ نعم. ولكن .. لقد نفذ البيض! ربما يمكنني تناول بعض الشوفان! ما الذي حدث للأطباق؟ أوه. لقد أصبحت متسخة. سوف أقوم بتنظيفهم الآن. ”
يبدو الأمر تافهًا وبدهيًا، غير أنه منذ اللحظة التي نستيقظ بها فإننا نبدأ بمواجهة كل تلك المعرقلات.
الأمر ذاته يحدث بتلك الألعاب الإلكترونية، والتي أعتقد أنها تُمثل تصغيرًا مثاليًا لفكرة “الموقف “، حيث أإه يتم تزويدك بما يُعتقَد أنها القدرة على اختيار طريقك بحرية، غير أن “الموقف” هنا له تواجد مستمر، ففي الألعاب مثل WoW و Final Fantasy XI تكون مُقيدًا بمستواك باللعبة وفئتك وموقعك وترتيب، تلك هي العوائق التي يجب أن تتغلب عليها حتى تستطيع المضي قدمًا، فسواء أعجبك الأمر أو لا فأنت لست حرًا بشكل مطلق، بل إنه في حقيقة الأمر فإن ما يمكنك فعله وما لا يمكنك فعله “في الألعاب” مخطط له ومحدود وفقًا لتصاميم الألعاب، فلا يُمكن للاعب من المستوى الأول أن يستحوذ على المعدات الأعلى جودة ويهيمن بها على العالم! بل عليك أن تمضي وقتًا في التغلب على العقبات لاكتساب الخبرة، محققًا بذلك مكاسب لتستحوذ بها على أدوات ومعدات محددة، ومتعاملًا مع العديد من اللاعبين المتحفزين الذين قد لا يحبون أي شيء آخر أكثر من تعقبك والإطاحة بك لإخراجك من اللعبة.
ختامًا
لا زلت أعمل على معظم تلك الأفكار المذكورة، ولكنني سعيد بمشاركتي لأفكار، فلدي شعور أن عالم الألعاب الإلكترونية متعددة اللاعبين أو ال MMORPG يمكن أن يقدم الكثير والكثير حول الطبيعة البشرية والوجودية، وهو موضوع بالطبع سوف أستمر بالتعمق به، لذا إلى اللقاء.
نرشح لك: جيل التكنولوجيا يسقط جيل الألعاب التقليدية.. إفلاس Toys R US
رابط المقال الأصلي : http://unenlightenedenglish.com/2011/01/mmorpgs-and-existentialism-what-onling-gaming-can-teach-you-about-philosophy/