أفغانستان ورحلة التكفير عن الذنوب
مراجعة رواية عداء الطائرة الورقية لـ خالد حسيني
“التكفير عن الذنوب” قد لا تكتشف في بدايات رواية عدَّاء الطائرة الورقيّة أن هذا المعنى هو الخط الذي تسير عليه الرواية، ولكن بمرور الصفحات والانغماس بالرواية وما بها ينجلي لك المعنى، التي يأخذنا خالد حسيني خلال صفحاتها برحلة بأفغانستان تلك الدولة الهادئة المُستقرة، والتي سُرعان ما تتحول إلى ما هي عليه الآن منذ الاجتياح الروسي الغاشم لها ومقاومة الأفغان المستميتة له مرورًا بسقوطها بأيدي حركة طالبان والتي توسم بها الشعب الأفغاني خيرًا، ولكن لا ينال المرءُ كل ما يُريده.
ترصد الرواية التغييرات الاجتماعيّة قبل السياسيّة بأفغانستان من خلال الصديقين “أمير” و ” حسن” وما يمر بهما من أحداث وصِعاب.
صديقان يعيشان متجاورين، أحدهما بمنزل والده-أمير- والآخر-حسن- بالكوخ مع والده خادم والد”أمير” ، يستنكر الكثيرون من حولهم عليهم تلك الصداقة بسبب اختلافهم في العقيدة، ولكنهم لا يلقون لهذا بالاً.
الرواية خليط ومزيج من المشاعر الفياضة ومن المعاني المتنوعة مثل الصدق والكذب الأمانة والخيانة، الجبن والشجاعة وغيرها من القيم.
في ظهيرة أحد الأيام بعد مسابقات الطائرات الورقيّة التي تشتهر بها أفغانستان في ذلك الوقت، يحدث أمر يغير مجرى العلاقة بشكل كامل بين الصديقين، والذي يجعل الأمر ينتهي برحيل حسن ووالده عن الكوخ الذي يسكنان به.
بعد الاجتياح الروسي يهرب أمير ووالده إلى أمريكا، ويستقرا بها، وبعد مرور عشرين عامًا على وجود أمير بها، يعثر عليه أحد أصدقاء والده المُقربين، وأحد المُقربين له خلال صِغره، والمُشجع الأول على استمراره بالكتابة، حتّى صار فيما بعد كاتبًا كبيرًا ويمتلك بعضًا من الشهرة داخل الولايات المُتحدة.
يخبره الصديق القديم بأن عليه العودة مرة أخرى إلى أفغانستان ليكفر عن الذنب الذي اقترفه في حق حسن، ويستجيب بعد رفضه للطلب، ويبدأ التخطيط لرحلته، في خلال العودة يكتشف الكثير من الأمور التي كان يجهلها.
تصدمه الرحلة بما ألت إليه الأمور بأفغانستان من دمار وهلاك وتشريد لأهلها ولما يتعرض له الجميع على يد حركة طالبان التي سيطرت على الأمور، ظنا منها بأنها تعمل على تطبيق الشريعة
يكتشف أمير حقيقة عن والده وأنه كان يعيش ليكفر عن ذنبًا هو الأخر، أخبره والده بأحد الأيام عن كرهه للكذب فهو بمثابة السرقة، فعندما تكذب فأنت تسرق حق الشخص في معرفة الحقيقة، ليكتشف أن والده سلبه حقه هو وحسن في معرفة الحقيقة!
عرف أكثر عن والدته والتي لم يكن يعلم إلا إنها ماتت خلال ولادته لا غير، لم يخبره والده بأي شئ عنها، وكان يتجنب الحديث عنها أمامه أو إخباره لم لا يفعل.
العودة إلى أفغانستان للعثور على ابنه حسن كان بمثابة الفعل الذي سيكفر به عن ذنبه، فذهب ليبحث عنه ويعود به إلى مكان أمن، ولكن لا تسير الأمور بسهولة ولا يتم الأمر كما كان ينوي، فتتبدل الخطة من وضعه بمكان أمن إلى العودة به إلى أمريكا، كي يعيش معه ومع زوجته التي ترحب بعدما يخبرها بكل الحقيقة التي اكتشفها خلال رحلته.
“لأجلك ألف مرة ومرة” كانت أحد الجُمل التي حدّث بها حسن أمير معلنًا بها عن وفائه وحبه الدائمين، والتي فيما بعد يجد أمير يخبرها لسهراب-ابن حسن- محاولا بكل ما يملك التكفير عن الذنب الذي اقترفه بحق الوالد.
الرواية خليط من المشاعر والتفاصيل التي لا تشعر خلالها بالملل، بل بالرغبة المستمرة باستكمال القراءة لمعرفة المزيد من الحكاية، التي خلالها، يختبر الكاتب لدينا الكثير من المشاعر وطرح الكثير من الأسئلة على أنفسنا.
تحكي الرواية التشتت والفقد والصعاب التي واجهت الأفغان خلال الاجتياح الروسي وفيما بعد، وتبدل حال الكثيرين ممن خرجوا إلى أمريكا، و الآثار النفسيّة والاجتماعيّة والماديّة عليهم، فمنهم من كان من أثرياء أفغانستان وأصبح بائع بأحد شوارع الولايات المتحدة.
رواية تتملكك وتؤثر فيك بقدر كبير، إن كنت لا تملك الكثير من المقاومة فـ سيصيبك الحزن خلال القراءة والتأثر بالأحداث والمشاعر والمواقف التي تمر بشخصيات الرواية، رغم ذلك عليك خوض غمار هذه التجربة الجديدة والفريدة، التي على الأغلب ستنال إعجابك. ستتعرف خلالها على جانب من حياة وعادات وتقاليد الأفغان.
صدرت الطبعة الأولى من الرواية بلغتها الأصلية عام ٢٠٠٤ وتحولت بعدها بثلاث أعوام أي عام ٢٠٠٧ إلى فيلم من إخراج مارك فورستر، وحقق الفيلم نجاحًا باهرًا وحصل على العديد من الجوائز التي تتجاوز الاثنتي عشرة جائزة منها الجولدن جلوب والبافتا، كما حصلت الموسيقا التصويرية الخاصة بالفيلم على جائزة الأوسكار.
ولا يمكننا إغفال ترجمة إيهاب عبد الحميد الرشيقة للرواية بنسختها العربيّة التي صدرت الطبعة الأولى منها عام ٢٠١٢، والتي من خلالها نقل النص الأصلي للعربية بكل براعة، وقضى على أي صعاب قد تواجه القارئ بسبب الترجمة، مثلما يحدث في بعض الترجمات.