أصول مفهوم المواطنة عند الإغريق والرومان (مترجم)
يشكّلُ مفهوم المواطنة، والذي كان معروفًا عند الإمبراطوريات والدول قربَ الشرق الأوسط، واحدًا من أبرز سمات العالم الإغريقي والروماني. إنّ الخصوصيةَ التي يتمتع بها هذا المفهوم في العالم الإغريقي والروماني تقارب مفهومَ الجنسيةِ الحديث، والذي يرتبط بحقوق الفرد والحقوق العالمية ضد سلطة الدولة.
وفي الواقع يوجد فرق بين “مفهوم المواطنة الإغريقية-Politeia” و”مفهوم المواطنة الرومانية-Civitas”. إذ يرتبط المفهوم الإغريقي بفكرة “الاشتراك في حياة المدينة- metechein tes poleos” بشكلٍ فعالٍ. بينما يرتبط المفهوم الروماني بالامتيازات القانونية والحالة الاجتماعية، وكانت عبارة: “أنا مواطن لروما-civis Romanus sum” دلالةً على هذه المواطنة(1).
كان المواطنون في العالم القديم الكلاسيكي ينتمون إلى المجتمع السياسي الذين يسكنون به بشكلٍ حصري، ولكن مع مرور الوقت تطور مفهوم المواطنة المزدوج كمواطن للدويلة الفدرالية اليونانية، ومواطنٍ للإمبراطورية، فمثلًا يكون الشخص (2) “مواطنًا جرمانيًا ومواطنًا لروما في نفس الوقت civitas Romana and Germana patria”.
كما نجد أنّ المفهوم الأرسطي للمواطنة كان ذا معنين، الأولُ هو الاشتراك في الحكم القانوني أو ما أسماه أرسطو بعملية “الاشتراك في عملية اتخاذ القرارات-Krisis”والاشتراك في “الكيان -Arche” والذي كان مرتبطًا بدولة المدينة(Pol. 3.1275a22) (3)، والتي اعتبرها أرسطو غايةَ الإنسان في التنظيم الاجتماعي. كما أنّ مساواةَ المواطنة مع مفهوم الحياةِ الجيّدةِ كانت من بين الأفكار المؤثرة على العديد من الفلاسفة (مثل حنة آرندت: الجماعانية) . وكان بعضُ الأكاديميين الذين ركزوا على طبيعة إضفاء صفة المواطنة في المدينة الأغريقية وكذلك في روما، قد اهتموا حينئذ بالحدود القانونية والتي فصلت بين المواطن وغير المواطن.
فيما بعد عُرِفَت المواطنة عند الإغريق والرومان بكونها مجموعةً من الحقوق القانونية والعادات والممارسات والسلوكيات في سياقِ الثقافة السياسية. طالما تتكون الأخيرة من قواعد تتعلق بالمنزل والقرابة والطقوس الدينية والعمل الخيري بالإضافة للنقاشات واتخاذ القرارات. وكذلك تزايد الاهتمام بمنح المواطنةِ للنساء وكذلك بمسألةِ إقصاء الأفرادِ غير المواطنين (Blok 2005; Patterson 2009) فيما عدا منح “المواطنة للرجال-pοlίtZς” في التاريخ الذي تلى القرن الرابع قبل الميلاد ، ومن بعدها وُجِدت أدلةٌ على “منح النساء صفة المواطنة- pοlitiς” α᾽stή,’AyZnaίa” .
أولًا: المواطنة في اليونان:
من بين السمات المهمّة للمواطنة في العصور المتأخرة اليونانية والتي تواجدت في عصور أقدم، والتي تتعلق بالمجتمع السياسي، هي : مساعدةُ الجار، والقتالُ جنبًا إلى جنب، والاشتراك في الجمعيات، والاشتراك في الطقوس، والمشاركة في الأحداث ذات السِّمة البطولية في القرية أو المدينة (Farenga 1998).
وحينما برزت دويلات المدينة وأُسِّست مؤسَّساتٌ رسميّة (في حوالي العام 650 قبل الميلاد) أصبح سؤالُ “ما المواطن” سؤالًا هامًّا، حيث أنّ الإجابةَ عن هذا السؤال تعني تحديدَ من يجب أن يكون له الامتيازُ بالتصويت لحاملي المناصب، وجعلت مسألة النزاعات القانونية أمام المحاكم، من الضروري التمييزَ بين المواطن والأجنبي، كما ساعدت طاعة قوانين المدينة المكتوبة في خلق مفهوم المواطنة المتسِّق لا مجرّدَ أفرادٍ مقيمين. كذلك فإنّ تأسيس مدنٍ جديدةٍ (راجع: apoikiai COLONIZATION,GREEK) من قبل المستعمرين الذين جاؤوا من مدن مختلفة قد زاد من الحاجة لتوحيد مفهوم المواطنة.
ومن المسائل الأخرى التي جعلت تحديد مفهوم المواطنة مهمًّا هي مسألة تطوّر”قوات الهوبليت- Hoplite Armies” في دويلات المدن، وخصوصًا أنها تطالب بمكانةٍ سياسية أفضل. وبكل حال من الأحوال فإنّ سرعةَ تحديد مفهوم المواطنة وتبعاته ومقدار الحقوق التي تمنح للمواطنين، والتي إذا ما مُنحت للطبقات الفقيرة لما نفعت الطبقة الغنية، اختلف من مدينةٍ لأخرى، واعتمد على هرمية السلطة وحكمة واضعي القوانين.
ففي إسبارطة على سبيل المثال لم يتم منح تعليمٍ خاصٍّ جماعيٍّ سوى لـ 8000 فرد من قوات الهوبليت من ملاك الأراضي (راجع:AGOGE) وكانوا كذلك مواطنين كاملين ولهم وجبات عمومية خاصة بهم (راجع :SYSSITIA) وبالإضافة إلى ذلك كان في إسبارطة طبقة ثانية من المواطنين تلقوا تعليمًا وقاتلوا لكن لم يشاركوا في الجمعية العامة. وفيما بعد قلَّ عدد السكان بشكل كبير (1000 نسمة في العام 375 ق.م) ، ولم تستطع إسبارطة مواجهة هذه الأزمة.
وفي “كريت-Crete” تواجدت أكثر من مدينة صغيرة. أضفت صفة المواطنة للمهاجرين. ولكن ما كان غيرَ اعتياديٍّ في هذا الشأن أنّ والدة المواطن المجنَّس قد لا تكون حرةً. وهذا المفهوم كان مميّزًا في حقيقة الأمر . (Davies 2004: 20)
وفي “آتيكا-Attica” كانت أثينا مركز السياسة. وتحدَّد شكل مفهوم المواطنة فيها من خلال إصلاحات 《سولون- SOLON》 (Manville 1990; Walter 1993: 192–200). فهو من جعل من الحرية الفردية والاشتراك بالجمعية العامة والفخر الوطني أهمَّ عناصر المواطنة الأثينية.
وفيما يخصُّ الشأنَ السياسي، عارض الإغريقيون محاولة “كيلون-Kylon” بأن يصبح طاغية (Herodotus 5.71; Thuc. 1.126) . وفيما يخصُّ الشؤون القبلية في بعض من المدن، حدثت إصلاحات في “الشؤون القبلية –Phylai” ساهمت في وضع حدٍّ للنزاع بين المجاميع المتصارعة، مما عززَّ من الهويّة الوطنية المشتركة Kleisthenes in) Athens Demonax in Cyrene). أمّا تسجيل الشخص بكونه مواطنًا فلا يكون إلَّا لعضو المجتمع المحلّي، أما الرقيق والأجانب فلا يكتسبون صفة المواطنة، بل لا يكونون أحرارًا إلا إذا اقتضى الحال ذلك. ولا يكون الاشتراك بالخدمات العسكرية ولا المجالس ولا النشاطات الدينية إلَّا للقبائل والتي تتفكك بتنظيمها.
وحينما مرَّر “بيركليس –Perikles” قانون المواطنة (حوالي العام 451-450ق.م) فلم تمنح المواطنة فيه إلَّا لمن كان مولودًا من أب وأم أثينية ، أو ما يعرف باللغة اليونانية القديمة باسم “Astoi”. وبيّنت دراسةٌ أكاديمية حديثة بأن هدف هذا القانون كان إقصاء أبناءِ بعض من أفراد الطبقة الارستقراطية الذين يتزوج أحد أفرادها امرأةً أجنبية. وكما بيّن البعض بأنّ مبدأ “النسب الشرعي -legitimate descent” قد أصبح مبدأً رسميًّا للمدينةِ بأكملِها (Patterson 2006; Blok 2009). وقد ظهرت هذه القيود حينما أصبحت المواطنة الإغريقية مجموعةً من الحقوق والواجبات معززّةً بحسٍّ من الحريّة والسلطة (Liddel 2007).
وفي الحقيقة فإنّ معظم المدن _حتى أثينا_ لم تمنح المناصبَ العليا إلا لأغنى المواطنين. وبحكم الأعراف أو الصراعات السياسية فإنّ المشاركة في المجلس والجمعية كان محددًا للرجال الذين استوفوا معاييرَ محددةً تسمّى باسم “CENSUS”. وأصبح إضفاء صفة المواطنة لأقليّةٍ من الأفراد طريقةً لحماية الطبقة الغنية ضد حكم الفقراء غير المتعلمين.
ولم تُمنح المواطنة للأجانب إلا كتشريفٍ لهم وإن كان للموضوع قيمةٌ عملية، حيث مُنح “ثراسيبولوس الكلدوني -Thrasyboulos of Kalydon” والذي اغتال الأوليغارشي “فرنيكوس -Phrynichos” صفةَ المواطن في العام 409 ق.م. ومُنح “السميانيون-Samians” جميعهم صفة المواطنة في العام 405 ق.م (راجع SYMPOLITEIA) ومُنح “أكارنانين-Acarnanians”و”فرمونين-Phormio” و”كارفينين –Carphinas” صفة المواطنة الأثينية حوالي عام 337-338 ق.م. ولم يكن منح صفة المواطنة للأجانب غير حالةً استثنائية في أثينا، وكان أمرًا مهمًّا لدرجة أنه كان يُسجَّل على الحجارة. وأمّا في صقلية فكان الطغاة ينقلون مواطنيهم لمدن أخرى ويحررون العبيد والتجار من أجل حماية سلطتهم.
وفي العصر الهلينستي استمَّر كونُ الفرد مواطنًا يونانيًا مسألةً ذات قيمةٍ وهَيبةٍ، حتى وإن كانت المناصب السياسية محتكرةً من قبل الميسورين. وكانت صفة المواطنة لا تُمنح إلَّا تكريمًا للمحسنين والرعاة الأجانب. وخاصةً في المدن الاتحادية فإن صفة المواطنة كانت تمنح للمدن (راجع :ISOPOLITEI)
ثانيًا: صفة المواطنة عند روما:
لم يكن مفهوم المواطن ذا قيمة كبيرة في أوائل العصر الروماني. وكان من السهل ضمُّ الجار اللاتيني نظرًا لوجود تشابه في قانون الأشخاص، ولسماح المجتمع الروماني بالتنقل بشكل أفقي، وبعدما وُقِعَّت أولُ اتفاقيةٍ بين الرومان واللاتينين “اتفاقية كاسيوس- Foedus Cassianum” والتي يعتقد البعض أنها تعود للعام 493 ق.م الميلاد، بينما هي مؤرخةٌ لأوائل القرن الرابع ق.م (4)، أصبحت مسألة الهجرة “والزواج -Conubium” بين سكان روما واللاتينين لاتمثل أيّة إشكاليةٍ بل كانت المسألة قانونيةً.
لكن فيما بعد وضعت روما ما سُمّي بـ “قانون الأشخاص -Law of Person” والذي دُوّن في 12 لوحًا (محطمةٌ اليوم) حوالي العام 450 ميلادي. وبشكل عام منحت القوانين الوظيفةَ بشكل حصريٍّ للذين ينتمون لطبقة “البطارقة -Patrician”. ولكن لم تُمنح الوظائف للطبقات الدنيا على الرغم من وجود فقرةٍ واحدةٍ تشير إلى “الطبقة الدنيا-Proletarius”، لكنّ القانون منح للمواطنين الحقَّ في الطعن أمام لجنة في حال ما إذا وقعَ ظلمٌ من القضاة (راجع: PROVOCATIO) ، وأكدَّ على هذا الحق بـ《القوانين المتعلقة بحقِّ الطعن- lex Valeria》 (حوالي العام 300 قبل الميلاد) . وأنًَ الانفتاح في المجتمع الروماني كان واضحًا حينما أسست روما عصبةً لاتينية عسكرية مع جيرانها.
ولم تصبح للأفراد الفقراء من طبقة “العوام-Plebeian” أحقيةٌ بالمناصب حتى بعد حصول نزاع مع الطبقة الغنية، والذي عُرف باسم “نزاع القوانين-Struggle of The Orders”، إذ ظلّت الوظائفُ محصورةً بطبقة النبلاء، فيما عدا العوام الميسورين إذ يمكنهم أن يصبحوا موظفين في داخل هرم “النظام الوظيفي الروماني -Cursus Honorum” وكان عدد ما يعرفون باسم “السياسيين خارج الطبقة النبيلة – Homines Novi” قد تقلّص في فترة حكم الجمهورية. كما كان الموظفون السابقون يُمنحون مقاعدًا في مجلس الشيوخ، والذي له صلاحيات في الشؤون السياسية في الحرب، وكان لأعضاء مجلس الشيوخ سلطة إصدار الأوامر في الحرب، وفيما بعد كان أعضاء مجلس الشيوخ يُسجلون من خلال ثرواتهم (5) في “عصر الفرسان -equites”.
وحين شعر اللاتينيون بالخوف من هيمنة روما، أعلنوا الحرب على الأخيرة في العام 340 ق.م، وانتصرت روما فيها في العام 338 ق.م. وبعد انتصار روما تم تقسيم المواطنين إلى فئتين: فئة ذات حقوق كاملة وفئة مجردة من حق التصويت، وتعرف هذه الفئة باسم “المواطنون المجردون من حق التصويت – Civitas Sine Suffragio” وهي فئة المواطنين المقيمين بالمدن التي تهيمن روما عليها، وكان على هذه الفئة من المواطنين واجبات ولهم حقوق ولكنهم مجردون من حقِّ التصويت. أما بقية حلفاء روما فكانوا مواطنين درجة ثانية مثل مرتبة اللاتينيين. وفي الجمهورية الكلاسيكية كانت المواطَنَة اللاتينية أداةً مفيدة للاستعمار في إيطاليا. فإذا لم يرغب الرومان منح المستعمرات قدرةً على اتخاذ القرارات، يُمنَح القاطنون بها مكانة المستعمرة اللاتينية.
وفيما عدا المواطنين ذوي المواطنة الكاملة مثل “مواطني المدن -Municipium” أو المستعمرات الرومانية لم يكن أحد يقبل في أحد “عشائر روما-Tribus” وعلى العكس من أثينا كانت روما تمنح المواطَنة الكاملة للعبيد المحررين- أثارت هذه الظاهرة إعجاب “فيليب الخامس المقدوني-Philip V of Macedon” -وأما حلفاء روما (راجع:SOCII ) المقيمين بها من “الأجانب-Peregrini” فلم تكن لهم نفس امتيازات الرومان.
وبعد الحروب الرومانية مع “حنبعل -Hannibalic War” بين الأعوام (218-201) ق.م لم ينجح الرومان في زيادة تأثيرهم السياسي، وذلك على الرغم من أن توسع الإمبراطورية جعل الحلفاء ضروريين في توسع روما نحو الشرق. كما لم ينفع تضخم الثروات إلا المواطنين وخاصة أعضاء مجلس الشيوخ. وبعد حروب طويلة ضعفت العلاقات بين الحلفاء الإيطاليين، ولكن مع ذلك طالب سكان حلفاء روما بالمواطنة في أواخر القرن الثاني. وسعى السياسي “جايوس سمبرونيوس جراكوس-Gaius Sempronius Gracchus” لمنح حقوق التصويت للاتينين والحلفاء، ولكن رفض معظم الرومان وأعضاء مجلس الشيوخ التعاون في هذه المسألة. فيما بعد وقعت حرب اجتماعية بين الأعوام 91 إلى 87 ق.م (راجع: SOCIAL WAR, ROMAN REPUBLIC) طالبت فيها المدن بالاستقلال، لكنها لم تُمنَح ذلك بل مُنِحَت صفة المواطنة (راجع: Mouritsen 2006 ) في البداية لم يدرج الرومان إلا 25 قبيلة، وكان تأثيرهم في “الجمعية القبلية- Comitia Tribute” محدودًا (6).
فيما بعد منح “يوليوس قيصر- Caesar” صفة المواطنة لمنطقة بلاد الغال ما وراء الألب 《Transalpine Gaul》 (Sherwin-White 1973: 157–9) . وبعد وقوع الاضطرابات في المناطق الإقليمية وبعد اندلاع الحرب الأهلية زاد عدد المجندين في الجيش، وحتى القوات الإضافية تم منحها حقُّ المواطنة، وكذلك بعض الأشخاص مُنِحوا هذا الحق لتمتعهم بقدراتٍ خاصةٍ مثل كتابة الشّعر (Cic. Arch.).
وتحت حكم “أوكتيفيان أو من يعرف باسم أغسطس- Octavian/Augustus” بدأ التمييز بين المواطَنة الرومانية والالتزاماتِ المدنية المحلية، والتي تَفكَّر بها الفيلسوف “شيشرون- Cicero” و بدأ الامبراطور “كلاوديوس-Claudius” بتجنيس النخب الأجنبية، فعيّن من النبلاء الغاليين أعضاءً في مجلس الشيوخ الروماني (Tac. Ann. 11.24). كما أدخل الإمبراطور نظام الدبلوماسيين العسكريين، ومنح حكّامَ الأقاليم الذين زاد عددهم نتيجة لزيادة عدد المدن ذات الحقوق اللاتينية صفة المواطنة. كما وُجدت أمثلةٌ على مواثيق المدن عديدةٌ، راجع مثلًا( LEX IRNITANA) (7).
ولكن لم يكن بالإمكان منح بعض الحقوق بسرعة، فحينما سعى بعض يهود الإسكندرية للحصول على صفة المواطنة (الأغريقية) من أجل الحصول على تخفيضٍ في الضرائب في الإسكندرية ومزايا أخرى، رفض اليونانيون ذلك وحصلت اضطرابات عديدة نتيجة لذلك (في الأعوام 38 و 66 ميلادية) وحينها ألزم الإمبراطور كلاوديوس إغريقَ الإسكندرية واليهود على حفظ الأنظمة السابقة.
وفي خطبة “إيليوس أرستيدس- Aelius Aristides” مدحَ قدرةَ روما ( في عام 26 ميلادي) على تجاوز التمييزات الإثنية التي وضعها اليونانيون (أي التمييز بين الهيلنيين ضد البرابرة) ، ولكن لم يستطيع الرومان تحديد ذلك حينما هيمنوا ثقافيًا، وكان إضفاء الصفة الوطنية ضمن سياسة “الرومنة- ROMANIZATION” وفي بعض الأحيان تبنى حاكمو المقاطعات الرومانية “سياسة الرومنة من تلقاء أنفسهم Self- Romanization” . وعلى الرغم من أن منح صفة المواطنة الرومانية كان ذا طبيعة قانونية، لكن في عصر سلالة سيفيروس حصل تمييز بين الأشخاص الذين ينالون الاحترام والذين لا ينالون احترامًا، “النبلاء والوضيعون- Honestiores and Humiliores”. ولم تملك المدن نظامًا قانونيًا مستقلًا عن النظام القانوني الروماني إلَّا في حالاتٍ نادرة (8).
وفيما بعد أصدر الامبراطور “كاراكلا- Caracalla” مرسومًا عُرف باسم “مرسوم كاراكلا- CONSTITUTIO ANTONINIANA” في العام 212 ميلادي، حيث منح في هذا المرسوم صفة المواطنة لجميع سكان الإمبراطورية، ولكنهم اضطروا لدفع ضريبة وراثة مضاعفة بعد ذلك. وبالتالي كان منح صفة المواطنة مرتبطًا بالسياسة المالية. ولم نسمع بعبارة الأجنبي إلا بشكلٍ قليلٍ بعد فترة كاراكلا (Garnsey 2004: 143–45).
وبالإضافة لزيادة التنصر في أواخر العصر الروماني، فقد شهد الجيش الروماني زيادةً بعدد البرابرة. وعلى الرغم من إيقاف الغزو الجرماني بواسطة الإمبراطور “ديوكلتيانوس- Diocletian”، ولكن كانت توجد ضرورةٌ لهزم القبائل الجرمانية بسلاحهم. في البداية كُلّف الجرمانيون بحماية الحدود، وفي ما بعد أصبحت القبائلُ بمثابة 《نظام الولايات الحليفة – Foederati》 لروما. ولكن لم يكونوا مواطنين لروما وإنما عاشوا بموجب القوانين الجرمانية (9).
وبعد حصول أزمات كبيرة في الجزء الغربي من الإمبراطورية (عبور البرابرة لنهر الراين في العام 406 ميلادي، وسقوط روما في العام 410 ميلادي) لم يكن ذلك من دون تبعات، فنشأت في القرن الخامس إمبراطورياتٌ جرمانية وأصبح الجزء الشرقي إمبراطورية قائمة بذاتها اسمها “الإمبراطورية البيزنطية – Byzantine Empire”. وقد نحّى القديس “أوغسطين- Augustine” مفهوم المواطنة ليحل محله مفهوم المواطنة المسيحيّة في “مدينة الرب- Civitas Dei” وذلك من أجل أن تكسب المسيحية تأثيرًا سياسيًا أكبر. وأثرَّ الفكر المسيحي على الامبراطور “ثيودوسيوس الثاني- Theodosius” والذي وضع مدوّنة ثيودوسيوس -The Theodosian Code》 .(Lo Nero 2001)
كما أثَّر الفكر المسيحي على الآراء الرومانية فيما يخصّ الحقوق المدنية، والتي انتقلت “لشريعة جستنيان – The Corpus Iuris Civilis”، وخاصة تأثيره على “القانون الروماني المدني – The Digesta”، والذي بقي حيًّا إلى القرن التاسع عشر (10). (راجع: Censor Latins, Latium)
– ملاحظات المترجم:
(1) إنّ لعبارة Civis Romanus Sum “أنا مواطن روماني” دلالةً مهمة إذ تُعتبر بيانًا لكون الفرد مواطنًا رومانيًا.
للإطلاع راجع :
civis Romanus sum, Oxford reference, the link:
(https://www.oxfordreference.com).
(2) تعني Metechein Tes Poleos الاشتراك في حياة المدينة، أشار لترجمة هذا المصطلح:
Josine Blok, Rethinking Athenian Citizenship, Cambridge University Press 978-0-521-19145-6 Citizenship in Classical Athens, P. 8.
(3) تعني Civitas Romana and Germana Patria حسب القاموس اللاتيني ما يلي:
Civitas Romana: مواطن لروما
Germana Patria: ذو أصول جرمانية
ترجمته مواطن لروما ومواطن جرماني من أجل أن يتسق مع معنى السياق.
(4) تعني مفردة Archē في فلسفة أرسطو المبدأ أو الكيان أو المسبب، للاطلاع أكثر راجع:
McKirahan, Richard, Archē, Routledge Encyclopedia of Philosophy, the link:
(https://www.rep.routledge.com).
(5) معاهدة كاسيوس Foedus Cassianum وهي اتفاقية أبرمت بين العصبة اللاتينية وروما ، والتي أسست قواتًا مشتركة للدفاع عن روما والدويلات اللاتينية، للاطلاع أكثر راجع:
Foedus Cassianum, Britannica, the link:
(https://www.britannica.com).
(6) Homines Novi، وعلى الرغم من وجود اختلاف حول تعريف هذا المفهوم إلا أن البعض يرى أن هذه المفردة تشير للسياسيين من خارج شيوخ الرومان. للاطلاع أكثر راجع:
Henriette van der Blom Homo novus, Oxford Bibliographies, the link:
(https://www.oxfordbibliographies.com).
وأما الفرسان –Equites فيعني: كانوا نخبة من الفرسان الذين يخدمون في الجيش ثم يصبحون أعضاء في الجهات السياسية والعسكرية، وكان للفرسان تأثير على التصويت في الجمعية العسكرية الرومانية- comita centuriata” للاطلاع أكثر راجع:
The Editors of Britannica Encyclopedia, equites, the link:
.(https://www.britannica.com)
(7) تعني Civitas Sine Suffragio المواطن بدون حق التصويت، للاطلاع أكثر راجع:
John Welsh, Civitas sine suffragio: a new (old) concept for critical geopolitics, Routeldge.
(8) LEX IRNITANA: قانون المقاطعات الرومانية، للاطلاع أكثر راجع:
Julián González, The Lex Irnitana: a New Copy of the Flavian Municipal Law, Journal of Roman Studies, Volume 76.
(9) Honestiores and Humiliores : وعلى الرغم من منح صفة المواطنة على نطاق واسع لسكان الإمبراطورية الرومانية ، إلا أنه حصل تقسيم للناس بين كريمي النسب من الارستقراطيين وحاكمي المقاطعات، والوضيعين من العوام مثل الحرفيين والرقيق وغيرهم، للاطلاع أكثر راجع:
Division of Romans into honestiores and humiliores, imperium romanum, the link:
(https://imperiumromanum.pl)
(10) نظام الولايات الحليفة الفيوديراتي – Foederati: على الرغم من عدم وضوح معنى المصطلح إلا أن البعض يرى أن الفيوديراتي هو مجموعة من حلفاء روما الذين يكونون جزءًا من الإمبراطورية لكن يتمتع باستقلال كبير، للاطلاع أكثر راجع:
Did the Foederati End the Roman Empire?, King and Generals, 2020, the link:
(https://youtu.be/QSmnSksHyzo).
(11) شريعة جستنيان- The Corpus Iuris Civilis: وهي مدونة تعتبر مجموعة تحتوي على عدد كبير من القوانين الامبراطورية، تتألف من ثلاثة أجزاء، واحدة منها ما تعرف بالقانون “المدني الروماني- Digesta”، والتشريع-code، والقوانين “الخاصة بالمؤسسات- Institutiones” ، حيث دونت فيها القوانين الأساسية للإمبراطورية وتشريعاتها. للاطلاع أكثر راجع:
Emperor Justinian and the Corpus Juris Civilis, Roman Law Research, the link:
.(https://law.gwu.libguides.com)
المصادر والقراءات المقترحة:
(1) Ando, C. (2010) “Citizenship, Roman.” In M. Gagarin, ed., Oxford encyclopedia of ancient Greece and Rome, vol. 2: 147–51.
(2) Blok, J. H. (2005) “Becoming citizens. Some notes on the semantics of ‘citizen’ in Archaic Greece and Classical Athens.” Klio 87: 7–49.
(3) Blok, J. H. (2009) “Perikles’ citizenship law: a new perspective.“ Historia 58: 114–70.
(4) Davies, J. K. (2004) “The concept of the ‘citizen’.” In S. Cataldi, ed., Poleis e politeiai. Esperienze politiche, tradizioni letterarie, progetti costituzionali: 19–30. Alexandria.
(5) Farenga, V. (1998) “Narrative and community in Dark Age Greece: a cognitive and communicative approach to early Greek citizenship.” Arethusa 31: 179–206.
(6) Garnsey, P. (2004) “Roman citizenship and Roman law in the late empire.” In S. Swain and M. Edwards, eds., Approaching Late Antiquity: 133–55.Oxford.
(7) Liddel, P. (2007) Civic obligation and individual liberty in ancient Athens. Oxford. Lo Nero, C. (2001) “Christiana dignitas: New Christian criteria for citizenship in the later Roman Empire.” Medieval Encounters 7: 146–64.
(8) Manville, P. (1990) The origins of citizenship in ancient Athens. Princeton.
(9) Mouritsen, H. (2006) “Hindsight and historiography: writing the history of pre-Roman Italy.” In M. Jehne and R. Pfeilschifter, eds., Herrschaft ohne Integration? Rom und Italien in republikanischer Zeit: 23–38. Frankfurt.
(10) Patterson, C. (2006) “Athenian citizenship law.” In M. Gagarin, ed., Cambridge companion to ancient Greek law: 267–89. Cambridge.
(11) Patterson, C. (2009) “Gender and citizenship in the ancient world.” In J. Resnick and S. Benhabib, ed., Migrations and mobilities: 47–75. New York.
(12) Sherwin-White, A. N. (1973) The Roman citizenship, 2nd ed. Oxford. Walter, U. (1993) An der Polis teilhaben. Stuttgart.
مصدر المقالة: