أسباب قيام دولة السلطنة في مصر

نتساءل أحيانًا عن كيفية وأسباب قيام دولة السلطنة في مصر وأسباب زوالها. وهذا الأمر ليس ببعيد تاريخيًا، فاليوم يمرّ مائة عام فقط على إعلان السلطنة على أرض الكنانة وتنصيب أول سلطان لها، ولم تدم تلك السلطنة سوى ثماني سنوات، تولّى خلالها الحكم السلطان حسين كامل لفترة ثلاث سنوات حتى وفاته، وتولّى من بعده الحكم السلطان فؤاد الأول، حتى عام 1922، ثمّ حولها إلى ملكية.

وبالبحث عن توالي الأحداث التاريخية، نكتشف عمق وطنية بعض حكّام مصر من أسرة محمد علي وحبّهم وارتباطهم بمصر وغيرتهم على حريتها واستقلالها. أما البعض الآخر فقد كانوا ضعاف الشخصية واستعملوا من الخارج لخدمة مصالح لم تكن دائمًا وطنية. وقصة قيام السلطنة خير دليل على ذلك.

جاهد محمد علي والعديد من أفراد أسرته للحصول على أكبر قدر ممكن من الاستقلال لمصر من قبل السلطان العثماني، فحصل أولًا على حقّ الخلافة بالميراث دون تدخّل الأتراك في اختيار الوالي، ثمّ حصل إسماعيل باشا على الخديوية، ولكونه غيورًا على عظمة بلاده ومحاولته التوسّع في العمق الأفريقي – وبالطبع: لتبرير أطماع بريطانيا في احتلال مصر والسيطرة على قناة السويس – فقد تآمرت عليه بريطانيا بالاتفاق مع السلطان العثماني لعزله من الحكم ونفيه خارج مصر.

حكم مصر من بعد إسماعيل ابنه الخديوي توفيق، الموالي للاحتلال البريطانيّ، والذي نصّبه السلطان العثماني بعد عزل إسماعيل. ثمّ تلاه الخديوي عباس حلمي الثاني، ابن توفيق، والذي كانت له أحيانًا فقط بعض المواقف الوطنية، من عيّنة مواقف الخديوي إسماعيل، ولكنه حاول مقاومة الاحتلال البريطاني بالاعتماد على فرنسا تارة أو على الباب العالي تارة أخرى. وفي محاولته الحصول على الاستقلال، كان يبدي بعض التأييد للحركة الوطنية التي تزعّمها مصطفى كامل فى ذلك الحين، وهو الأمر الذي أزعج الإنجليز إلى أقصى قدر. وحين قامت الحرب العالمية الأولى، حاول عباس حلمي الثاني التقرّب من أعداء بريطانيا: ألمانيا وتركيا، بأمل الخلاص من الاستعمار الإنجليزى لمصر. فما كان من بريطانيا إلا عزله ونفيه، وإعلان الحماية على مصر وفصلها عن الدولة العثمانية نهائيًا، وتسميتها سلطنة مصر (لتأكيد انفصالها عن السلطان العثماني)، وتنصيب حسين كامل، عمّ عباس الثاني حلمي وابن الخديوي إسماعيل سلطانًا على مصر.

هكذا كان مصير البلاد يتقرّر خارج مصر. فحكَمَ مصر السلطان حسين كامل لثلاث سنوات حتى وفاته، ثمّ تلاه أخاه السلطان فؤاد الأول، والذى اضطر عند قيام ثورة 1919 المطالبة برفع الحماية البريطانية عن مصر. وحين تمّ ذلك عام 1922، حوّل فؤاد الأول السلطنة إلى ملكية وراثية، وانتهت السلطنة فى مصر.

إعلان

ولنتأمل صياغة الإعلان البريطانى بوضع مصر تحت الحماية وقيام السلطنة بتاريخ 19 ديسمبر 1914:
((إنّ ولاية تركيا على مصر ملغاة، وستقوم حكومة جلالة الملك (الإنجليزي) باتخاذ كلّ الإجراءات اللازمة للدفاع عن مصر وحماية سكّانها ومصالحها. لقد أسعد الملك الموافقة على تعيين الكولونيل سير آرثر هنري مكماهون ليكون ممثلًا لجلالته كمندوب سامٍ لمصر. وبالنظر لتصرّف معالي عبّاس حلمي الثاني، خديوي مصر، والذي انضمّ لأعداء الملك، فقد رأت حكومة جلالته خلعه من منصبه، فتمّ إهداء المنصب كسلطان مصر للأمير حسين كامل باشا، الأكبر سنًّا من أمراء عائلة محمد على ممن هم على قيد الحياة، وقد قبل ذلك))

واحتوى هذا الإعلان في كلماته وفي مضمونه وشكله على كلّ أسباب قيام ثورة 1919، التي وضعت بذور الوطنية في موضعها الصّحيح.

من الوالي إلى الخديوي إلى السلطان ثم الملك، وحتى قيام الجمهورية، مرّ بعض حكّام مصر بفترات عصيبة في بعض الأحيان، وفترات عظيمة في أحيان أخرى، وكان بعضهم محبًّا لشعبه وقريبًا منه، إلا الآخرين الذين أبهرتهم السلطة والسلطنة…

لذلك، لم يكن حكّام مصر من أسرة محمد على سيّئين كلّهم، إنما خاف بعضهم على مصالح البلاد ومصالحهم وخاف البعض الآخر على مصالحه قبل مصالح البلاد، وفي جميع الأحوال كانت مصر سواء الخديوية أو السلطانية أو الملكية خاضعة لمؤامرات الاستعمار، وهيمنته على ملوكها وسلاطينها.

إعلان

اترك تعليقا