محمد الأمین باشا
مُحمَّد الأمين باشا؛ هو آخِرُ محافظٍ مصريٍّ لمحافظةِ “أكواتوريا” الواقعةِ على حدودِ الدولةِ المصريةَ جنوبًا، تلك المحافظةُ المتاخمةُ لـبحيرة آلبرت في أحراشِ أفريقيا الوسطى جنوب منطقة بحر الغزال (بين الكونغو وأوغندا).
فى عامِ ١٨٧٨م قامَ الخديوي إسماعيل بتعيينِ محمد بك الأمين محافظًا لأكواتوريا خلفًا للمحافظِ السابقِ “جوردون”. (أمّا لقبُ الباشاويّة فقد حصلَ عليهِ عام ١٨٨٦م).
كان محمد الأمين باشا طبيبًا من أصلٍ ألماني؛ ضالِعًا فى علومِ الطبيعةِ وممارِسًا للعديدِ من اللغات، جاءَ إلى مصرَ وبعدها بسنواتٍ اتجّهَ إلى الخرطومِ جنوبًا لممارسةِ الطبِّ واستكشافِ النباتاتِ والحيواناتِ في مناطقِ الأدغال، حتى وصلَ إلى آخرِ محافظةٍ مصريةٍ جنوبًا (أكواتوريا) فاستقرَّ فيها لما تمثّلُهُ من ثروةٍ طبيعيةٍ غير معروفةٍ لدَى العلماءِ فى ذلك الوقت، وتعلَّمَ ومارَسَ لغاتِ القبائلِ المتعدّدةِ هناك.
- محمد الأمين وأتباعُ ثورةِ المَهديّ
عندما تولَّى محمد الأمين منصبَ المحافظ، كان يرأسُ فرقةً من الجيش ِالمصريِّ مكونةً من عدّةِ آلافٍ لحمايةِ وإدارةِ المحافظة (المديريّة)، ولكن هذه القوات لم تكن كافيةً لمواجهةِ هجماتِ أتباعِ ثورةِ المهديِّ التي قامت في السودانِ عام ١٨٨١م، واتّجهَت جنوبًا لاحتلال أكواتوريا عام ١٨٨٣م. اضطرَّ محمد الأمين إلى التراجعِ جنوبًا والتحصُّنِ بالأدغالِ حتى انقطعت الصلةُ بينهُ وبين العاصمة “القاهرة” الواقعةِ شمالًا على بُعدِ آلافِ الكيلومترات.
ظلَّ محمد الأمين باشا قابِعًا فى جنوبِ أكواتوريا للحفاظِ على مقوّماتِ الدولةِ المصريّة؛ رافضًا تسليمَ مواقِعه، و منتظرًا نجدةً قد تصلُه لفكِّ حصارِه. وبالفعل؛ كانت انجلترا قد احتلّت مصرَ فى ذلك الحين فقامت بإرسالِ قوّةٍ استكشافيةٍ بقيادةِ “هنري ستانلي” قادمةً عن طريقِ نهرِ الكونغو جنوبًا لتفادي القواتِ المَهديّة، فلاقَت صِعابَ الأمراضِ والعقباتِوقبائلِ أفريقيا، حتى ماتَ ثُلثيّ تلك القواتِ قبل وصولِها إلى موقعِ محمّد الأمين باشا وقواتِه عام ١٨٨٨م، ثمّ ظلّ ستانلي يحاوِرُ محمد الأمين لمدّةِ عامٍ كاملٍ لإقناعِه بترك موقعِهِ ومغادَرةِ أفريقيا شرقًا، لكنّه نجحَ نسبيًّا فى تحريكِهِ من موقعِه، وفى عام ١٨٩٠م، اضطُرَّ ستانلي إلى تركِ محمّد الأمين فى بجامويو (ميناءُ زانزيبار على المحيطِ الهندي) والعودةِ إلى أوروبا بمفردِه، بعد أنْ اختلقَ محمّد الأمين حادِثًا عرقلَ تحرّكَه.
عادَ محمد الأمين إلى موقعِهِ بجوارِ البحيراتِ الأفريقيّةِ تحتَ غطاءِ العملِ لدى إحدى الشركاتِ الألمانيّة، ولكنه اُغتيلَ عام ١٨٩٢م من قِبَلِ بعضِ القبائلِ المُواليَةِ للمهدي، وقاموا بقطعِ رأسِه وارسالِها إلى رؤساءِها لإثباتِ نهايةِ محمد الأمين باشا؛ محافظ مصرَ بأكواتوريا.
أمّا ثورةُ المهديّ التي تحوّلت إلى حربٍ طويلةٍ مع عدَّةِ قوّاتٍ من عدّةِ دول؛ فقد انتهَت عام ١٨٩٩ك تمامًا بعدَ انتصارِ الجيشِ المصريّ -البريطانيّ- بقيادةِ “كيتشنر” فى معركةِ “أم دورمان”، وأُعلِنَ قيامُ دولةِ السودانِ المصريّةِ البريطانيّة، التي تحوّلَت فيما بعدُ إلى مملكةِ مصرَ والسودان عام ١٩٢٢م. ورفضَت بريطانيا إجلاءَ قوّاتِها من السودانِ حتى اتفاقيَّةِ الجلاءِ عام ١٩٥٤م، وانفصلَت مصرُ عن السودانِ فعليًّا فى يناير ١٩٥٦م.
تاريخُ الاحتلالِ المصريّ في أفريقيا بدأَ مع مُحمّد علي عام ١٨٢٠م، وانتهَى مع الجلاءِ عام ١٩٥٦م، وتخلّلتْهُ قصّةُ محمّد الأمين باشا كأحدِ أفضلِ من مثّلَ مصالحَ الدولةِ المصريَّةِ فيها.
إذا أعجبَكَ المقالُ ربّما ستعجبُكَ مقالاتٌ أُخرى.. نُرشَّحُ لك:
.كنوت هامسون .. حياته .. وسياسته .. ورواياته تقرير