ماذا رأى حزقيال

المعرفة ضالّة كل حي:

تذخر الكتب القديمة بنصوص عديدة فاقت بغناها كلّ محاولات القراءة والبحث التي تعرّضت لها عبر التاريخ وذلك لقدرتها على الإيحاء، وقابليتها المرنة للتحليل والتفسير، ومقدار الغنى الذي تقدمه تلك النصوص للبحوث المقارنة.

حجزت تلك النصوص مكانًا مرموقًا لها داخل تاريخنا وأدبنا، وأرخت بظلالها بشكل أو بآخر على تكوين لا وعينا، ومع التطوّر الهائل والمنتظم بدأ صراعٌ ما ينشأ بين تلك النصوص وبين ما أفرزه الصعود الطبيعي الناشئ لحضارة البشر، ووجدت تلك النصوص نفسها في معركة وجود خاصة بعد ظهور بعض الأصوات الداعية لإعدام تلك النصوص والتخلص منها بالكلية لأسبابٍ تفاوتت شدّةً وتطرّفًا بين الحين والآخر.

استسلمت تلك النصوص للتاريخ وانحنت محاولةً المناورة في سبيل البقاء وترانا الآن نعايش تلك النصوص في كل تفاصيل حياتنا، فنغنّيها تارةً في أفراحنا، وقد نرتّلها في أتراحنا، أحيانًا تكون تلك النصوص موضوعًا لقصص نوم أطفالنا، وتكون أحيانًا أخرى صلواتنا التي نتقرّب بها من آلهتنا.

اختبأت تلك النصوص في تلافيف التاريخ مستخدمةً غريزة البقاء عندها، وبلعبةٍ ذكيّة استطاعت المناورة، بعضها استطاع الركون والتخفّي داخل كتبنا المقدّسة، وبعضها توارى بحجابٍ من الخيال واستطاع استعارة اسم الأسطورة ليضفي الشرعيّة الكافية لبقائه حياً.

و الآن، وبعد أن بدأ يخفّ سلطان العتمة وجب علينا البحث عن تلك النصوص، نزيل عنها غبار النسيان، نخلّصها ممّا علق فيها من درن التحوير والتمويه، نلمّعها ونضعها في إطارها الذي تستحقّ ونستفيد قدر الإمكان مما حوت.

إعلان

إنّ تحقيق ذلك الهدف يتطلّب منّا بدايةً اختيار مناطق البحث بدقّة، ثم مباشرة البحث بصبرٍ و بتؤدة، شعارنا يجب أن يكون الفضول، والتساؤل طريقنا للمعرفة (فلا يصبح الإنسان مغفلاً إلَّا عندما يتوقّف عن طرح الأسئلة) تحديد الغث من السمين، ثم الانطلاق نحو ترميم تلك النصوص تمهيدًا لقرائتها والاستفادة منها.

إنّ إهمال تلك النصوص بقصدٍ أو دون قصد يترتّب عليه إهمالٌ متعمّد غير مسؤول لماضينا وكنوزه المدفونة في النسيان، ونحن إذ نحاول إعادة قراءة تلك النصوص فإننا نحاول أن نستفيد من تلك النصوص والتي تشكل قاعدة البيانات الأهمّ لتأريخ ظهورنا وتطوّرنا كمحظوظين وجدوا طريقةً مثلى لحفظ خطوات تطوّرهم على خلاف أقاربنا من ثديّات وكائنات أخرى فقدت أي صلة بماضيها اللهم إلَّا ظهور حرشفةٍ من هنا أو ضمور إصبعٍ من هناك.

إنّ إهمال تلك النصوص يمنعنا من التعمّق الجادّ في ذواتنا، فنردّد بببّغائيّة صلواتنا، و نستلذّ بالسحر المخفي في أساطيرنا، نطلق على أطفالنا أسماء أبطالنا الخياليين، و نهرب من تاريخنا بقصص نلفقّها حينًا لنصدّقها، و يعلو صوتنا أحيانًا ليُكذّب تلك القصص بكل حِدّة.

الأسطورة كمنطلق

من تلك النصوص الكتب المقدّسة المتوارثة منذ عصور تشكّل الأسطورة قاعدة البيانات الأعمّ و الأشمل للحضارات الإقليمية، بشكلٍ خاصّ، وللبشريّة بشكلٍ عامّ. ولمرونة تلك الأسطورة، و تجاوبها مع خصوصيات كلّ منطقة، وتطوّرات كلّ زمن، فإنّ الأسطورة لطالما شكلت القواسم المشتركة، ونقاط التواصل والتمازج بين تلك الحضارات المتواصلة، والمتمازجة، أساسًا.

رحلة البحث عن المعرفة

ذكرنا أنّه من أهمّ قواعد الرحلة التي سنتقيّد بها هي اختيار مناطق البحث عن تلك الكنوز المخفية بطيات التاريخ، وسنسلك كمبتدئين أسهل الطرق ولن نبتعد عن محيطنا كثيراً و لن نسلك الطرق الوعرة ، و سنلتقط أوّل ما تقع عليه أعيننا ألا و هو الكتاب المقدس “العهد القديم”، والذي أعتبره كنزًا لم يقرأ بعد، كما يجب، فالعهد القديم يا سادة أحد تلك النصوص الهائلة الغنى جملةً وتفصيلًا، فهو بكلّ ما يحمل بين طياته من قصص وتأريخ وتعاليم ملوك وأنبياء وقضاة، كنزٌ وأيّ كنز، ونحن إذ نقتبس نصًا منه هنا، ونحاول أن نقرأه بنظرة مغايرة لما سبق أن قُرئ بها، نستمحي العذر من كلّ من يقدّس ذاك النصّ، ونؤكد أننا اخترناه لقدرته على البقاء كل تلك المدة من الزمن، ولاحتفاظه بمن يؤيده، وأخيرًا لشهرته، ولسهولة الحصول عليه من مصادر متعددة.

ماذا رأى حزقيال

نصّنا المنتقى كُتب حوالي عام 597 ق م، و هو يصف، وبصورةٍ مفصّلة، كيفية مجيء الرب ليتوّج حزقيال نبيًا على بني إسرائيل، ويهمنا أن نعرف أنّ بني إسرائيل كانوا في أسوأ أيام تاريخهم حينها، فقد هاجم الأرض المقدسة ملك آشور، نبوخذ نصر، و دمّر هيكل سليمان، و اقتاد بني إسرائيل أسرى إلى بابل، هنا، كان لا بدّ لهذا الشعب المنكوب من معجزة ما، تُثبت أن يهوه لم ولن يترك شعبه المختار بين فكي القدر من دون راعٍ يقود ويلهم، وعليه يجب ألا تقل طريقة تكليفه عن المعجزة، و كذا كان.

يطالعنا النصّ الذي سنذكره و نبحث به، و بصورة مباشرة وواضحة، كيفيّة هبوط الربّ على حزقيال ليتوّجه نبيًا وقائدًا لبني إسرائيل، تلك الكيفية التي سيلاحظها ذاك النبيّ الإسرائيلي وسيصفها فيما بعد بدقّة متناهية وبأعصاب باردة تختلف تمامًا عن أعصاب من يواجه الربّ ليتلقى منه ذلك التكليف السماوي .[2]

سفر حزقيال

1 :4 فنظرت وإذا بريح عاصفة جاءت من الشمال سحابة عظيمة ونار متواصلة وحولها لمعان ومن وسطها كمنظر النحاس اللامع من وسط النار.

1 :5 ومن وسطها شبه أربعة حيوانات وهذا منظرها لها شبه إنسان.

1 :6  ولكل واحد أربعة أوجه ولكل واحد أربعة أجنحة.

1 :7 وأرجلها أرجل قائمة وأقدام أرجلها كقدم رجل العجل وبارقة كمنظر النحاس المصقول.

1 :8 وأيدي انسان تحت أجنحتها على جوانبها الأربعة ووجوهها وأجنحتها لجوانبها الأربعة.

1 :9 وأجنحتها متصلة الواحد بأخيه لم تدر عند سيرها كل واحد يسير إلى جهة وجهه.

1 :10 أما شبه وجوهها فوجه انسان ووجه أسد لليمين لأربعتها ووجه ثور من الشمال لأربعتها ووجه نسر لأربعتها.

1 :11 فهذه أوجهها أما أجنحتها فمبسوطة من فوق لكل واحد إثنان متصلان أحدهما بأخيه وإثنان يغطيان أجسامها.

1 :12 وكل واحد كان يسير إلى جهة وجهه الى حيث تكون الروح لتسير تسير لم تدر عند سيرها.

1 :13 أما شبه الحيوانات فمنظرها كجمر نار متقدة كمنظر مصابيح هي سالكة بين الحيوانات وللنار لمعان ومن النار كان يخرج برق.

1 :14 الحيوانات راكضة وراجعة كمنظر البرق.

1 :15 فنظرت الحيوانات وإذا بكرة واحدة على الارض بجانب الحيوانات بأوجهها الأربعة.

1 :16 منظر البكرات وصنعتها كمنظر الزبرجد وللاربع شكل واحد ومنظرها وصنعتها كانها كانت بكرة وسط بكرة.

1 :17 لما سارت سارت على جوانبها الأربعة لم تدر عند سيرها.

1 :18 أما أطرها فعالية ومخيفة وأطرها ملانة عيونًا حواليها للأربع.

1 :19 فإذا سارت الحيوانات سارت البكرات بجانبها وإذا ارتفعت الحيوانات عن الأرض ارتفعت البكرات.

1 :20 إلى حيث تكون الروح لتسير يسيرون الى حيث الروح لتسير والبكرات ترتفع معها لأن روح الحيوانات كانت في البكرات.

1 :21 فإذا سارت تلك سارت هذه وإذا وقفت تلك وقفت و إذا ارتفعت تلك عن الأرض ارتفعت البكرات معها لأنَّ روح الحيوانات كانت في البكرات.

قد يعجبك أيضًا

1 :22 وعلى رؤوس الحيوانات شبه مقبب كمنظر البلور الهائل منتشرًا على رؤوسها من فوق.

1 :23 وتحت المقبب أجنحتها مستقيمة الواحد نحو أخيه لكل واحد إثنان يغطيان من هنا و لكل واحد اثنان يغطيان من هناك أجسامها.

1 :24 فلما سارت سمعت صوت أجنحتها كخرير مياه كثيرة كصوت القدير صوت ضجة كصوت جيش ولما وقفت أرخت أجنحتها.

1 :25 فكان صوت من فوق المقبب الذي على رؤوسها إذا وقفت أرخت أجنحتها.

1 :26 وفوق المقبب الذي على رؤوسها شبه عرش كمنظر حجر العقيق الأزرق وعلى شبه العرش شبه كمنظر انسان عليه من فوق.

1 :27 ورأيت مثل منظر النحاس اللامع كمنظر نار داخله من حوله من منظر حقويه إلى فوق ومن منظر حقويه إلى تحت رأيت مثل منظر نار ولها لمعان من حولها.

انظروا لهذا النصّ المحيّر، و لاحظوا دقّة ملاحظة ذاك النبي الذي من المفترض أن تصعقه مفاجأة الربّ. فبعد قراءةٍ متأنّية للنصّ من جديد، هل يذكِّركم ذلك بأحد أفلام هوليوود؟

إعلان

اترك تعليقا