كيف تروض انفعالاتك لتُقدم على اختيارات أفضل
هل سبق أن لاحظت أنك نادرا ما تتمكن من التفكير بشكل واضح عندما تشعر بالغضب؟
بينما كنت أتابع حادثة “صفع” ويل سميث أثناء حفل توزيع جوائز الأوسكار هذا العام، تذكرت كم أنه من اليسير أن يشعل تعليق بسيط لشخص آخر لدى كل منا سلوكيات متباينة للغاية. وكذلك، فإننا عندما نشعر بالخوف –سواء المادي أو النفسي– فإننا نمسي أقل تركيزا على النتائج طويلة الأجل.
وعلى الرغم من أن هذا أمر طبيعي، إلا أن الكثير من الناس يعيشون في هذا النوع المزمن من أنواع اتخاذ القرار التي تثير المزيد من التوتر نظرا لضيق أفقها. ومن البديهي تماما أن تسعى إلى تفادي وضع يكتنفه صدمة ما أو خطر ما، إلا أنه من الضروري عدم تحول هذا إلى عادة مستمرة. فاتخاذ مثل أنماط الخيارات هذه بشكل متكرر يخلق حالة من متلازمة التعب المزمن، بالإضافة إلى مسائل أخرى.
كنت منذ بضعة أيام احاول الوصول إلى العمل لتقديم عرض في مؤتمر، ووضعت في الاعتبار الاختناقات المرورية، ولم أكن متأخرا عن موعدي.
إلا أنني خلال رحلتي القصيرة ذات الميلين إلى مكان عملي صادفتني كافة أشكال تغيير المسار وأعمال البناء وحوادث السير والعراقيل. وتطلب قيادة الميلين حوالي 45 دقيقة! وما هو أسواء أنني ظننت أنني قادر على الاستغناء بدهاء عن تطبيقات الخرائط وظللت ابحث عن طرق مختصرة – والتي انتهى جميعها بالمزيد من تغييرات المسار وأعمال البناء.
وأيا كان الخيار الذي اتخذه، فقد ظل الأمر يزداد سوءا. وسمحت لكل هذا التوتر أن يبدل من مزاجي.
قد يوافق الغالبية مننا أن الغضب والخوف قادران على تدمير قدرتنا على صناعة القرار. لكننا لسنا على ذات الثقة فيما يتعلق بالانفعالات الأخرى –بما في ذلك البهجة والحزن واللا مبالاة– وكيفية تأثيرها في عملية اتخاذنا للقرار وجودته.
عقلانيتنا
لعل أبرز النماذج النظرية عن كيفية عمل مخ الإنسان تطرح أننا نعمل على عملية تقويم عقلانية لما نسعى لتحقيقه، ومن ثم نمضي على المسار الأفضل نحو تحقيق ذلك. وبالطبع، فإننا جميعنا ندرك أن هذا لا يمثل الواقع مطلقا، فالانفعالات تؤثر في الدوائر الداخلية للمخ ومن ثم تحدث خللا في النسق وفي التفكير العقلاني. وعلى الرغم من أن إحداث الخلل قد يكون أمرا محمودا (كأن نعمل على الإخلال بالعادات السلبية مثلاً)، إلا أنه قد يكون أيضا هداما بقدر كبير.
فإن لم نتوقف لنتفكر في الأمر، فإننا كثيرا لا ندرك أهمية حالتنا المزاجية والانفعالية وتأثيرها على خياراتنا اليومية، خاصة تلك الخيارات التي تتضمن مواردنا الثمينة من وقت أو مال. فإن عدت بذاكرتك إلى الوراء لتتأمل بعض القرارات الهامة التي اتخذتها على مر السنين، فإنك ستجد أن انفعال ما بعينه كان عادة مصاحبا للقرار من حزن أو فرح أو غضب أو غيرة أو قلق. ولعل بعض هذه الانفعالات قد ساعدتك على الاستقالة من وظيفة ما، أو بعضها كان جزءا على الأرجح من عملية التفاوض على سعر سيارة غالية أو اتخاذ قرار بالشروع في مشروع خاص بك.
وبينما أميل إلى الاعتقاد بأننا نملك عقولا عقلانية تماما –أي عقولا تتفكر فيما إذا كنا بحاجة إلى أمر ما، والبدائل الفضلى المتاحة، والبحث الدؤوب عن المميزات والعيوب، ومن ثم القيام بعملية تحليل وانتقاء للبديل الأمثل– إلا أننا ببساطة لا نملكها. (أو بالأحرى، فإن الغالبية العظمى مننا لا يمكلها، فقد نجد قلة من الأشخاص يملكون مثل هذه العقول، إلا أن هذا يعد استثناء).
التوافق العاطفي
تتراوح انفعالاتنا ما بين الانفعالات الإيجابية بحق والانفعالات السلبية بحق. وأحيانا قد تساعدنا انفعالاتنا (من مزاج ومشاعر وميول) مساعدة جمة؛ فتساعدنا على سبيل المثال في الشعور بالابتهاج واغتنام وظيفة أو فرصة أو شريك حياة جديد. أما في أحيان أخرى، فإنها قد تحيق بنا؛ فنقع فريسة لعمليات احتيال، أو ندفع أموالاً طائلة، أو نشتري كفالة لا نحتاج إليها، أو ببساطة لا نفهم ما نقدم عليه من التزام.
وكما الحال مع كل الأمور الأخرى، فإن المفتاح هنا هو التوازن. فالفرد السليم يسعى إلى التوازن أو التوافق أو التطابق بين الانفعالات والنسق التحليلية لدينا. أي أنه عليك أن تعتمد على انفعالاتك بما يخدم مصلحتك، وفي ذات الوقت تعمل على تفعيل ذلك العقل التحليلي الذي يتأكد من الأمور. وهذا التوازن قد يكون صعب المنال.
التعرف على الانفعال والوعي الذاتي
في البدء عليك بالتعرف على شعورك تجاه أمر ما، فعليك أن تسأل نفسك: “لماذا ينتابني هذا الشعور؟ ما الذي يجعلني أشعر بهذا؟” أي عليك أن تجعل من عملية مراجعة وتقويم تأثير انفعالاتك على حصيلة الحياة اليومية ممارسة منتظمة.
عليك بمراجعة اختياراتك كل ليلة، وتأمل اتخاذ التغيرات المناسبة للغد إن طرأ موقف مماثل. ولعل كتابة اليوميات يساعد بشكل خاص في وضع ذكريات طويلة الأجل والتي تساعدنا في عملية التعلم.
فعندما تخلق هذا الوعي الذاتي، فإنك تتمكن بشكل أفضل من تحديد التوقيت الذي لا يجب فيه اتخاذ قرار ما. فإن كنت شديد الانفعال، حاول الامتناع عن اتخاذ أي قرار، وخاصة امتنع عن اتخاذ خيارات حياتية هامة.
التعديل والتحسين
بعد أن تتعرف على مشاعرك والأسباب ورائها، والأثر الذي تلاحظه، عليك بالسعي إلى تحسين الاستجابات الفيسيولوجية للانفعالات، والتنفس بعمق حتى تساعد المزيد من الأوكسجين في الوصول للمخ كلما لاحظت انفعالات إيجابية أو سلبية طاغية. مارس الملاحظة اليقظة واستمع بإنصات للأفكار التي تدور في رأسك، فهذا قد يساعد على التركيز على أفكارنا ومشاعرنا. عليك بتعديل ذاتك وتنظيم انفعالاتك، والسعي إلى تفهم أفضل من خلال ملاحظة الذات بشكل منتظم. وفي حال قيامك بهذا، فإنك تحافظ على نفسك في حالة تحسين مستمر.
تذكر دائما، أنك المسيطر، وترويض انفعالاتك قد يساعدك على اتخاذ أفضل القرارات المتاحة لك.
المصدر: