له في الفضاء سيارة
في مشهد يذكّرنا بأفلام الخيال العلمي، فُوجِئ العالَم مساء الثلاثاء، السادس من فبراير الحالي، بمقطع فيديو ينتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي لسيّارة رياضية تدور في الفضاء على خلفية مشهد رائع لكوكب الأرض في إطلالته الزرقاء. “سيارة تسلا” وبينما تصدح الموسيقى في الخلفية، يستند الجالس خلف عجلة القيادة بمِرفقه على باب السيارة، وعلى الشاشة المثبّتة أمامَه تظهر عبارة “لا تشعر بالذعر Don’t panic”؛ عبارة المقتبسة من سلسلة روايات دليل المسافر إلى المجرّة لدوجلاس آدامز.
وبينما ينساب المشهد الحالم أمام أعيننا، تقفز الأسئلة في أذهاننا، كيف وصلت السيارة إلى هذا الموضِع؟ ومن هذا الذي يجلس خلف عجلة القيادة؟
الحقيقة أنّ ما شهده العالَم في ذلك اليوم كان إخراجًا أسطوريًا، أراد به الملياردير إيلون ماسك، عملاق صناعة السيارات الكهربية والسيارات ذاتية القيادة، أن يُبهر العالم وأن يفخر بمنتجات شركاته العملاقة؛ فالسيارة من نوع تسلا رودستر، وهي سيارة كهربية من إنتاج شركة تسلا ويبلغ سعرها حوالي 100 ألف دولار، وقد وصلت إلى المدار حول الأرض بواسطة أقوى صاروخ لإطلاق المركبات الفضائية حتى الآن وهو الصاروخ “هيفي فالكون إكس”، وهو من إنتاج شركة سبيس إكس لتصميم وإطلاق الصواريخ الفضائية (وهي أيضًا إحدى شركات الملياردير إيلون ماسك).
لكُم في الفضاء سيارة..
لأمير الشعراء أحمد شوقي قصيدة فكاهية يسخر فيها من سيارة أحد أصدقائه، وهو الدكتور محجوب ثابت، يقول فيها:
لكم في الخطّ سيارة …. حديث الجار والجارة
إذا حرّكتها مالت …. على الجنبين منهارة
كانت تلك سيارة الدكتور محجوب والتي سخر منها شوقي، أما اليوم فإنّ بطلة قصتنا سيارة رياضية حمراء مكشوفه فارهة، أصبحت حديث العالم. أما الذي يحتلّ مقعد القيادة في السيارة فهو دمية ستارمان، المحاط بحزام الأمان، والشاخص ببصره نحو النجوم مسندًا مرفقه إلى باب السيارة في وضع يوحي بالثقة والرومانسية، في حين يرتدي سترة فضاءٍ من المتوقّع أن يرتديها روّاد الفضاء في رحلتهم القادمة إلى الفضاء بواسطة الكبسولة الفضائية دراجون، وذلك حسب المنشور على موقع USA today.
الصاروخ
الصاروخ الذي حمل سيارة تسلا إلى الفضاء، منطلقًا من قاعدة كيندي الفضائية في ولاية فلوريدا، هو الصاروخ “هيفي فالكون” البالغ طوله حوالي 70 مترًا؛ أقوى الصواريخ العاملة في العالم بقدرةٍ تبلغ ضعف قدرة أقرب منافسيه، حيث يستطيع حمْل حمولةٍ يبلغ مقدارها 64 طن متريّ؛ أي ما يقارب كتلة طائرة “بوينج 737” بكامل حمولتها من الركّاب والأمتعة والوقود، يساعده على ذلك سبعة وعشرون محركًا من شركة “ميرلين”، ويتميز الصاروخ “فالكون هيفي” بإمكانية إعادة تدوير بعض أجزائه المستخدَمة في عملية الإطلاق، حيث أنّ صواريخ الدفع الجانبية الملحقة بالمرحلة الرئيسية قد تمّ تصميمها لكي تعود إلى الأرض مرة أخرى لتهبط في قاعدة الإطلاق أو على منصّاتٍ بحريةٍ مجهّزةٍ لذلك، وهو المشهد الذي أبهر جميع الذين تابعوا عملية إطلاق الصاروخ في قاعدة كيندي أو عبر شاشات التلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي.
هل فقدت ناسا دورها الريادي؟
عندما يشاهد الناس صواريخَ فضائية لشركاتٍ خاصّة تقلع من منصّات إطلاقٍ طالما استخدمتها الوكالة الشهيرة NASA في إطلاق رحلاتها الفضائية إلى القمر، يتبادر السؤال إلى الذهن: هل تخلّت ناسا عن دورها في إطلاق مركبات الفضاء؟ والإجابة: قطعًا لا! لكنّ الوكالة بدأت منذ فترة في انتهاج سياسة جديدة، بغرض خفض تكاليف الرحلات الفضائية، تقوم على ترك مهمّة إنتاج وإطلاق الصواريخ لشركات خاصة، بغرض بثّ روح المنافسة التي ستؤدي في النهاية إلى ظهور أجيال جديدة من الصواريخ الفضائية الأقوى والأقلّ تكلفة. وبالفعل، لدينا اليوم عِدّة شركات تعمل في مجال إنتاج الصواريخ الفضائية؛ مثل سبيس إكس التي نتحدث عن إنجازها اليوم، وبلو أوريجين بقيادة جيف بيزوس، الملياردير صاحب شركة أمازون؛ والتي تمتلك الصاروخ العملاق “نيو جلين” المنتظَر إطلاقه خلال عام 2018.
ليست أول سيارة تصعد للفضاء
الحقيقة التاريخية تقول غير ذلك فبحسب ما نشرته “كي أن سميث”، على موقع فوربس فان، أنّ سيارة ناسا الكهربية التي أُرسِلت إلى القمر في 26 يوليو 1971، والمسماّة السيارة القمرية المتجوّلة The Lunar Roving Vehicle، هي صاحبة السّبق وتمّ استخدامها من قبل رائدَي الفضاء “ديفي سكوت” و”جيم أروين” للتجوال على سطح القمر في 31 يوليو 1971، في إطار مهمة أبوللو 15.
انتقادات بالجملة
لم تكن الأجواء التي أعقبت إطلاق ماسك لسيارته إلى الفضاء عامرةً بالإشادة والترحيب، فقد توالت الانتقادات على ماسك وشركته، فحسب المقال المنشور على موقع “صالون” بقلم كيث سبينسر؛ اعترض بعض العلماء على فكرة إرسال السيارة إلى الفضاء، باعتبار أنّه عرض دعائيّ لا أكثر، وأنه كان من الأفضل استغلال الفرصة لإرسال مجموعة من الأجهزة العلمية، من تصميم الطلاب الأمريكيين بغرض تشجيع البحث العلمي. كما أثار بعض العلماء نقطة أخرى، وهي إغفال شركة سبيس إكس لخطوة هامة يتم إجرائها دومًا عند إرسال أي مركبات فضائية خارج الأرض، ألا وهي التعقيم بغرض منع انتشار الميكروبات الأرضية في الفضاء.
مصير سيارة تسلا
عقب وصولها إلى مدارها حول الأرض، ظلّت السيارة في ذلك المدار لمدة خمس ساعات، ثمّ تمّ دفعها إلى مدار بيضاويّ حول الشمس على أمل أن تصل يومًا إلى كوكب المريخ، إلا أنّ الحسابات التي أجراها فريقين من العلماء التشيك والكنديين، توصّلت إلى أنّ مصير السيارة هو الدوران حول الشمس لمدة 10 مليون سنة ثمّ قد ينتهي بها الحال بالاصطدام بكوكبنا أو كوكب الزهرة دون أي احتمال لوصولها إلى المريخ كما خططت شركة سبيس إكس، وذلك حسب ما نُشر على موقع phys.org.
هل تريد تتبّع سيارة تسلا في رحلتها الفضائية؟
ولأنّ سيارة تسلا السابحة في الفضاء أصبح لها عشّاقها ومتابعوها، فإن صحيفة الإندبندنت البريطانية، تشير في تقريرها عن الحدث إلى أنه تمّ إنشاء موقع خاصّ على الشبكة العنكبوتية؛ وهو WhereIsRoadster.com، يمكّنك من متابعة السيارة لحظة بلحظة في مدارها حول الشّمس والتعرّف على موقعها وسرعة دورانها والمسافة التي قطعتها حتى الآن.
وفي النّهاية، يمكننا تلخيص الحدث بكلمة رائعة ينقلها لنا الدكتور محمد قاسم، صاحب المدوّنة العلمية الصوتية الشهير سايوير بودكاست، عن زميله الدكتور عايد العجمي من كلية الدراسات التكنولوجية بالكويت الذي علّق على ما فعله إيلون ماسك قائلًا:
الآن أصبح لدينا ثمانية كواكب سيارة، وسيارة!