انفصام الشخصية وما يكتنفه من اتصال ببعض الأمراض الجسدية (مترجم)

دراسة جديدة تدعم فرضية عمرها ١٠٠ عام حول انفصام الشخصية

منذ قرنٍ تقريبًا، لم يكن الطب مثلما هو عليه الآن. ففي غضون القرن العشرين، سعى الأطباء لتشخيص وتحجيم أي نوعٍ من الأدوية الغامضة أو المشكوك فيها؛ من العلق مرورًا بالهيروين إلى الكوكاكولا الطبيّة. بمعنىً آخر، لم يعتَد الأطباء النظر لتلك الحقبة من الزمن لأخذ توجيهات وإرشادات، لكن ربما عليهم فعل ذلك الآن!
تدعم دراسة جديدة نظريةً قديمة جدًا كان فحواها أسباب انفصام الشخصية حيث يُمكن لهذه الدراسة أن تغيّر الطريقة التي ننظر بها إلى هذا الاضطراب.

(ليس) كل ما في رأسك!

في لقاءٍ مع “إميل كريبلين“، الذي قد لا يكون اسمه اسمًا مألوفًا مثل فرويد لكنه كان واحدًا من كبار علماء النفس المتخصصين في العالم في اضطراب الخَرَف في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كان يعتقد أنَّ ماهية هذا الاضطراب هي كما أسماه “جنون كامل الجسم” أو بعبارة أخرى؛ انفصام الشخصية لا يقتصر على الدماغ بل لديه أيضًا تأثير فيزيائي قوي.

بيد أنَّ “كريبلين” عزم أيضًا منذ 1896 حتى وفاته عام 1929 إلى تصديق معتقدات بدت مستحيلة للجيل القادم من الأطباء النفسيين.

لم تعد العلاقة بين انفصام الشخصية والصحة الجسدية الضعيفة مثيرة للجدل الآن، فلقد لوحِظ منذ فترة طويلة أنَّ الأشخاص المصابين بالفِصام يعيشون حوالي 10 إلى 20 سنة في معدل يعد أقل من ذلك الذي يعيشه الأشخاص الطبيعيون. ويرتبط هذا الاضطراب بمشاكل صحية أخرى منها أمراض القلب، والسكري، والانتحار.

افترض الأطباء أنَّ العلاقة آنفة الذِكر بين كلاً من الفِصام والجسد تسير باتجاه واحد، فالأشخاص المصابون بانفصام الشخصية غالبًا ما يتشرَّدون و يواجهون عوامل أخرى تُعرّض صحتهم للخطر، لذا افتُرِض أنَّ الأعراض الجسدية السيئة كانت سِمة ثانوية للاضطراب الذي قد يُظهِر أو لا يُظهِر نفسه اعتمادًا هلى البيئة المحيطة به.

إعلان

ولكن وفقًا لدراسة جديدة قادها الدكتور “توم بيلينغر” من كلية “كينغز” في لندن، التي لربما لم يكن “كريبلين” بعيدًا عنها، تقول: إذا كانت الحالة الصحية سيئة للأشخاص المصابين بالفِصام نتيجةً للعوامل الاجتماعية مثل السكن، والعمل، والحصول على الاحتياجات الأساسية، عندئذٍ يجب أن تكون أقل وضوحًا عند الأشخاص الذين بدأوا مؤخرًا في إظهار علامات هذا الاضطراب.
وكما اتضح، حتى الشباب الذين تم تشخيصهم بانفصام الشخصية، لديهم مؤشرات أكبر لحدوث التهابات، ومستويات أعلى من هرمونات معينة، وعوامل خطر الإصابة بأمراض القلب أكثر من أولئك الأشخاص الطبيعيين.

المشاكل الجسدية والعقلية

في ردٍّ له، قال “بيلينغر” أن فريقه لم يكتشف فقط فيما إذا كان هناك فروقات إحصائية بين صحة الناس المصابين بالفِصام والناس العاديين بل كانوا أيضًا قادرين على قياس مقدار التأثُّر الذي حدث باستخدام أدوات إحصائية عُرِفت باسم (حجم التأثير). حيث يمكنك حسابه عن طريق طرح قيمة المتوسط الحسابي لمجموعة التحكم من قيمة المتوسط الحسابي للمجموعة التجريبية، ثم قسمة الفرق بينهما باستخدام قانون الانحراف المعياري وهو مقياس لمدى اختلاف القيم غي كل مجموعة.

بشكل أساسي، يخبرك هذا المقياس بمدى تباعد المتوسطات الحسابية عن بعضها البعض، بالإضافة لمدى التداخل بين المجموعتين. فعندما وجد الباحثون أن حجم تأثير الاختلافات الدماغية هو نفسه حجم تأثير الاختلافات الفيزيولوجية، أدركوا أنَّ الفصام يحتوي في جميع الأحوال على مكوِّن مادي كمؤثِّر أولي.

إذا كان كل ما سبق ذكره صحيحًا، فإنَّ هناك بعض التفسيرات التي تعزِّز العلاقة بين طرفي موضوعنا -الفِصام والصحة الجسدية-

1- أحد هذه التفسيرات هو أنَّ التأثيرات تموُّجات الدماغ تؤدِّي إلى إحداث تأثيرات في الجسم مثلما يحدث عندما يُنتج الدماغ هرمون الإجهاد الذي يُعرف بالـ(كورتيزول)، والذي يتسبب بزيادة الوزن وارتفاع ضغط الدم والسكري.

2- أما التفسير الثاني فهو أن الاضطراب متجذر في الجسم أصلًا وأن هذه الأنواع من العلاقات تنعكس آثارها في الدماغ، هذه أيضًا ظاهرة لاحظها العلماء من قبل. مثلما تتسبَّب بعض أنواع السرطان النادرة في حدوث الذهان -أو ما يُعرف بالهوس أو الاضطراب العقلي- حتى إزالة الورم.

3- هناك أيضًا احتمال ألَّا يكون الأمر حقًا كـ لغز الدجاج والبيضة ومن يسبق فيهما الآخر في الوجود، بقدر ما قد يكون عارضين قد يرتبطان بثالث! لا يزال غامضًا هو الآخر.

ليس لدى العلماء جميع الإجابات حتى الآن، ولكن تعمُّق فهم هذا الاضطراب وشموليته يمكن أن تساعد الأشخاص الذين يعانون منه لاحقًا.

إعلان

مصدر مصدر الترجمة
فريق الإعداد

ترجمة: آلاء الطيراوي

الصورة: أحمد عصام

اترك تعليقا