كيف ننجو من المحنة يا شيخ عبد ربه؟
سألت الشيخ عبد ربه التائه: كيف تنتهي المِحنة التي نعانيها؟ فأجاب: – إن خرجنا سالمين فهي الرحمة، وإن خرجنا هالكين فهو العدل. أصداء السيرة الذاتية | نجيب محفوظ.
في هذه الأيام والتي يعيش فيها كل العالم في حالة من الذعر والهلع والخوف يبدو الدافع الأكبر للجميع هو النجاة من كارثة الوباء، وهي رغبة الإنسان منذ ميلاده. فالنجاة دائمًا مرتبطة بالإنسان والذي يكون عرضة دائمًا للمخاطر والعقبات في رحلته الدؤوبة خلال أطوار حياته.
يبزغ هذا المعنى وتصبح هذه الكلمة هي أمل الجميع اليوم، الكل يشترك في ترديدها، والكل يرغب في أن تتحقق اليوم وليس الغد، بل وفي هذه الساعة، ليعيش في طمأنينة وبلا خوف.
والنجاة هنا لا تضمن للبشر أن يعيشوا جميعهم، بل هي محاولة إلى تقليل الخسائر المحتملة إلى أقل درجة ممكنة إذ أنه وفقًا لطبيعة الحياة على فئة معينة أن تدفع ثمن أي كارثة تحدث وفئة أخرى تكون في الصفوف الأولى تدافع بشراسة لأجل الجميع، وتكون هي الأكثر عرضة للخطر، لكنها تفعل ذلك في سبيل إنقاذ الجميع.
النجاة تعني الالتزام
في فيلم bird box كانت النجاة هي أن تظل مغمض عينيك، هو عمل يبدو هين للمحافظة على حياتك، لكن قلما استطاع أحد الالتزام به فحجم الأحداث والتأثيرات تجعل الناس هنا يبتعدون عن شط النجاة ويتعرضون للموت. مفهوم النجاة في الغالب هو كبت وتحجيم رغبات النفس في الحرية والتصرف بما تريد. والنجاة بمفهومها البسيط هي الالتزام بالتعليمات وبالخطة الموضوعة، وحين يتعلق الأمر بهذا المعنى فهو لا يحمي نفسه فقط بل الآخرين.
في غزوة أحد ارتبط مصير جيش بأكمله وانتصاره بالتزام الرماة بأماكنهم فوق الجبل، لا يطلب منهم أي شيء آخر سوى أن يظلوا في الأعلى وحسب، لا يشغلهم رحى المعارك وقعقعة السيوف، لكن ما حدث كان الجميع يعرفه، كان الانشغال بالغنيمة والنصر الذي لم يكتمل، لتنقلب الآية ضدهم ويدفع الجميع الثمن، وليست الفئة فقط التي خالفت تعليمات النبي محمد (صلى الله عليه وسلم).
وفي الأديان تكون العبادة في المقام الثاني بعد سلامة الفرد وأمنه، فالروح عند الله هي أعظم وأقدس شيء في هذه الحياة، وهي أمانة الله للإنسان ليحافظ عليها فهو أيضا مسؤول عن نفسه وحياته، “ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة” هو منهج صريح يتضمن كل وسائل النجاة، أن نبتعد عن ما يسبب لنا الأذى والدمار، وأن المحنة هي رسائل لتكاتف جميع الأفراد مع بعضهم البعض، ودعوة إلى العمل للخلاص منها.
الأمل والسخرية الذي يلوح من تحت الركام.
في إسبانيا وفي ساعة العاشرة يخرج المواطنون الإسبانيون إلى شرفات منازلهم، ويشرعون في التصفيق بصوت عالٍ مع الالتزام بالحظر المفروض عليهم، وقد نشرت جريدة الموندو الإسبانية الشهيرة فيديو لتصفيق المواطنين لرجال الإسعاف، وتأثر رجال الإسعاف بالموقف، واحتضان بعضه البعض كنوع من التشجيع والحماس.
هذه الرسالة السامية يصل صداها إلى المستشفيات. الأطباء والممرضون وحتى المصابون: نحن نقدر دوركم العظيم ونثمن جهودكم في مكافحة هذا الوباء، كما إننا نشجع المصابون، لا ننساهم ليظلوا في مقاومة هذا المرض حتى الشفاء منه. هذا العمل الصغير هو الوسيلة المتاحة لهم للتضامن مع من يعانون. فالإنسان الذي يستطيع أن يفعل شيء في المحنة يكون قد شارك في النجاة، هو عمل يفتخر به ويشعره بالراحة والسكينة.
كما أن السخرية مما يقع واللامبالاة أحيانًا يساعدنا على المقاومة. فالحقيقة وإن كانت سوداء كليًا يجب أن نمنحها مزيج من الضحك والمزاح، الطليانيون يدركون ذلك من خلال قرع الأواني النحاسية والطبل والغناء، إلى متى تطول المحنة؟ لا أحد يعلم، لكن إن ظللنا في حالة من الكآبة والخوف حينها سنموت قبل أن تنتهِ، سنموت في اليوم مئة مرة بسبب هذا الكابوس الخانق، وفي الوقت نفسه لا تدفعنا اللامبالاة إلى عدم الالتفات لكل ما يقال أو ما يجب فعله، فمقاومة البكاء يكون بالضحك، ومقاومة الحزن بقرع أبواب السعادة، ومقاومة المحنة بالصبر والالتزام والشجاعة. إننا قادرون على ذلك في كل وقت وتحت أي ظرف.
“يجب أن ندرك أن عامل الوقت هو الحاسم، أطباء يصارعون الزمن لإنتاج مصل للفيروس ويبذلون جهدًا مضاعفًا لأجل ذلك. والناس باتباعها الإرشادات تقلل مدة المحنة، نعم الصعوبة دائمًا في البداية، وهي طبيعة المحن، فهي اختبار لصمود الإنسان ومدى قدرته على التعامل مع أي كارثة”
التهويل والتكذيب
هذه الأيام نشرت مجموعة من الأخبار للتهويل بأن الجميع سيصاب وجزء كبير منهم سيموت، والعالم على وشك النهاية، ويجب أن نستعد جيدًا للنهاية. وقد لجأ موقع Egybest الشهير المتعلق بالأفلام والمسلسلات إلى عمل قائمة جديدة بأفلام نهاية العالم كاستعدادًا مقدمًا لما سيحدث، وترقب الأوضاع القادمة، وعلى الجانب الآخر يلجأ مجموعة أخرى إلى تكذيب ما يقع من كارثة حول العالم واعتبار الأمر مجرد صناعة من دول كبرى أو مؤامرة في محاولة بائسة لتصوير حقيقة أخرى رغم كل الأرقام والمؤشرات التي تظهر، وكل الاحتياطات والتدابير التي يقوم بها الجميع تظل هذه الصورة صورة كاذبة في نظرهم. مع التهويل والتكذيب تندثر الحقائق التي تُنشر، ويغدو الصوت المسيطر هو صوت الخوف والمؤامرة.
في النهاية منذ فجر الإنسان الأول نشأ صراعًا بين الطبيعة والبيئة، الإنسان يريد استخدام هذه البيئة لصالحه بكل ما فيها من خيرات، لكن لم يستطع أن يفرض سيطرة كاملة عليها، فالأوبئة والأمراض والكوارث الطبيعية – التي مات بسببها ملايين- هي إعلان صريح لعجز الإنسان المؤقت، ومعها نشأت قدرة عجيبة على مقاومة كل هذه الأشياء التي تفتك به، ومهما طالت المدة والخسائر فالإنسان ينتصر دائمًا على الوباء والكوارث. هذه هي الحقيقة الثابتة.
وقبل أن نسأل الشيخ عبد ربه التائه كيف ننجو من الوباء والمحنة، يجب أن نستحق النجاة.