رسائل إلى إندي: الإنسان يكتب ويقرأ
العزيز/ إندي
عسى، وأنت تقرأ هذا الخطاب، أن تكون في أحسن أحوالك، لا أعلم حقيقةً عادات مواطني مدغشقر كما أعلم عادات الشعوب العربية التي نشأتُ معها، الرجل عندنا يكون في أحسن حال، حينما يرتدي “الفنلة” الحمالات ويأكل بطيخًا، عسى أن تكون مرتديًا فنلة خيرًا من فنلتنا، وتأكل بطيخًا أوفر حظًا من بطيخنا.
على حدّ علمي يا رفيقي، أنّ القراءة خير وسيلة للتعارف ما بين البشر، والكتابة هي سجلّ خُطا أقدام الأسلاف، الإنسان الأول كان يحتاج إلى الأرقام في البداية، لم نكتشف الرياضيات في ذاك الزمان، ولكننا كُنا نبحث عن صيغة أشكال ورموز لتجسّد لغة الكون.
لم نوجد الواحد أو الاثنين، بل الأشياء من حولنا هي التي كانت أفرادًا ومجموعات من أعداد لا تُحصى، حينما وصفنا الفرد والجماعة جيدًا، أوجدنا صيغ الجمع والمفرد، أتت اللغة إلى عالمنا لم تتلون بعد، لم تتخذ الأشكال التي نعرفها، كفانا أكاديمية فارغة، علينا الذهاب إلى الأشكال الحديثة للغة، و هي التي يتّخذها الناس في عصرنا الحالي في بلادي الكريمة.
منذ فترة ليست ببعيدة كتب يوسف القعيد، ناقد وكاتب محترم لا عيب فيه، مقالًا بعنوان “قاموس السيسي”، هذا الشكل الحديث من استخدامات اللغة لم يكن منصفًا حقيقةً لتجديد الرئيس للخطاب السياسي، فلم يتحدث يوسف القعيد مثلًا عن “اللي ميرضيش ربنا إحنا موجودين معاه”، أو “أنا بتعذب أوي عشان أتكلم”، أو “مش عايز أتكلم كتير عشان الأشرار”، تلك الصيغ التي لن نجدها قد قيلت من قبل على مرّ التاريخ، من زمان عرفنا صيغه من جدران المعابد، إلى يوم وفاتي، لم يذكرها الكاتب يوسف القعيد في مقاله المتعلق بالقاموس، ربما يحتاج هذا الأسلوب إلى تطوير ما لكي يكون دقيقًا في وصف قواميس الحُكام في المستقبل، ولكننا يتوجب علينا شكر الأديب والكاتب يوسف القعيد على إضافته العظيمة في أساليب اللغة.
لسوء الحظ وعثرات القدر أن يوسف القعيد لم يسلم طويلاً من وسط الثقافة الغيور، لم يستطع أن يستكمل مشروعه الفنّيّ حول خطابات الرئيس، بسبب أن هناك عددًا لا بأس به من وسط المثقفين اتجه إلى نقده، وتمّ وصفه بأبشع الصفات التي قد تلاحق ناقدًا أو كاتبًا في حياته، ولحق البعض اسمه وسيرته في الأحاديث بالألفاظ النابية، ولكنّ هذا لم يدم طويلًا.
حصل شجار بين المثقفين، الشباب وكبار السنّ والمراهقين لم يتفقوا على تصنيف القعيد، فأخذ البعض ينتقدون بعضهم لتوصيفه بـ “الناقد”، والبعض الآخر ظنّ أنّه من الخطأ توصيفه بأي شيء سوى شخص عاديّ، وتهكّم بعضهم في أحد التعليقات وسخر متسائلًا “هو بيخلف ازاي عشان نتكلم بموضوعية يا شباب؟!”.
لا مشكلة لدي أن يعتقد كاتب ما أنّ الرئيس له بلاغة لغوية، حتى وإن كان الرئيس، والجميع يعلم وأعلم مِن كاتب هذا الخطاب، لا يجيد تكوين جمل ذات معنى، ولا مشكلة حقيقية في أن يختلف المثقفون في كونه إنسانًا أم دجاجة أم ناقدًا، ولكنني أتساءل حقيقةً، ما هي الرسالة التي تحتفظ بها اللغة إلى أبناء المستقبل بهذه الأفكار التي تناقلها الطرفين؟! النفاق ينخر عظام بعضهم، والغرور واحتقار الآخر ينخران عظام البعض الآخر، مسرح للبلهاء.
يصعب عليّ ترك هذا الوطن، لدي كل يوم رحلة أثناء القراءة، تقوم تلك الرحلة على التنقيب عن المعنى، لم أجد معنىً في الصّحف التي وجدت فيها أمثال القعيد ينافقون السلطة الحاكمة، ولم أجد المعنى في المعارضة التي تنهش بعضها بعضًا مبتعدة عن الموضوع وبدون اتّخاذ الموضوعية وسيلة لها، فهل إذا تركت مصر ورحلتُ إلى مدغشقر، أجد لديكم أمثال هولاء؟! مجرّد التفكير يشعرني بالملل، سأبقى في مصر.