الجنس في السينما.. ربح أم خسارة
الأثر السلبي لمشاهد العري على إيرادات صناعة السينما
مَثّلَ العُريّ و الجنس في السينما ، منذ بدايتها وحتى فترة قريبة، أحد الأسباب الرئيسة لزيادة إيرادات الأفلام. و هذا ليس بالعجيب، فجاذبية العريّ والجنس للمشاهدين أمرٌ محفور في عقولنا ومكتسَب عبر مسيرة الإنسان التطورية. لكن العجيب فعلًا هو تراجع إيرادات هذه النوعية من الأفلام، خاصّة في العشرين سنة الأخيرة لأسباب تتعلق في أغلبها باقتصاديات السينما نفسها.
و قبل أن أُعرّج يا صديقي على شرح أسباب وملابسات هذا التراجع، أحبّ أن أتناول سريعًا مسألة “لماذا جُبلنا على حبّ هذه المشاهد؟”.
أولًا : التطوّر وراء جاذبية مشاهد الجنس في السينما
نعم، لا تندهش! نحن نحب مشاهد الجنس في السينما، خاصة الرجال منا، فوفقًا لأبحاث التطور تبيَّن ما يلي:
(أ) استراتيجيات التزاوج عند الذكور
من مصلحة الذكر أن يتكاثر مع أكبر عدد ممكن من الإناث، لأنّ هذا يزيد من فرص نشر جيناته الوراثية. وتحقيقًا لهذا الهدف واسع النطاق، يفتّش الذكور عن أيّ إشارات في أجساد الإناث من حوله، ويحدّق في تفاصيل كلّ منهنّ ليختار من بينهنّ التي تظهر عليها علامات أنها متاحة للإخصاب ومستعدة لممارسة الجنس معها، وتتمتّع بصحّة جيدة مثل الشعر اللامع ونهوض الأثداء، فضلًا عن السلوك الإغرائي.
وتستغلّ شركات الدعاية والإنتاج هذا الاحتياج القديم الكامن لدى الذكور لتخلق ارتباطًا بين منتجاتهم واحتياجات الذكور، واجتذاب مزيد من المشاهدين عن طريق مشاهد العريّ والجنس في السينما والإعلان.
(ب) استراتيجيات التزاوج عند الإناث
تكشف استراتيجيات التزاوج لدى الإناث عن اهتمام النساء الأكبر بالأهداف طويلة الأجل، و مدى الموارد المتاحة للزواج واستمرارية قدرة الذّكَر على رعاية الاطفال، وتوفير الرعاية لها وللأسرة.
ثانيًا: أفلام المغامرات هي الأعلى في الإيرادات
أما الآن، وعلى العكس من المسيرة المتسارعة في تزايُد المحتوى الجنسيّ في السينما الأمريكية والأوربية، فإنّ العريّ والجنس، على ما يبدو، أنهما أصبحا يؤثران سلبًا على توزيع الفيلم تجاريًا، فالعشرين فيلم الأكثر نجاحًا على قائمة أفلام السينما العالمية الأكثر تحقيقًا للإيرادات منذ عام ٢٠٠٠ و حتى الآن، مثل سيّد الخواتم، والرجل العنكبوت، وهاري بوتر، وباتمان، وأفاتار؛ لم تحتوِ على مشاهد عريّ أو جنس.
وبشكل مماثل، ظهرت في مصر موجة من السينما الجديدة بدأت في التسعينيات وحقّقت نجاحًا أسطوريًا على مستوى الإيرادات رفعت شعار “السينما النظيفة”، لا قبلات ولا “مايوهات”. وكانت أعلى الأفلام إيرادًا: “لفّ ودوران، والجزيرة، والفيل الأزرق، وصعيدي في الجامعة الأمريكية، واللمبي، والحرب العالمية الثالثة، ورمضان أبو العالمين، وهيبتا، وجاءنا البيان التالي، وتيمور وشفيقة”.
ثالثًا: دراسة أثر مشاهد العريّ والجنس في السينما على نجاح الأفلام
كشفت دراسة رائعة نُشرت في مجلة Journal Of Aesthetics, creativity and the Arts في عام ٢٠٠٩، عن أنّ إضافة مشاهد الجنس والعريّ في الأفلام السينمائية لا تؤدي بالضرورة إلى زيادة الأرباح أو تحقيق أيّ نوع من أنواع النجاح. ولقد ألقت هذه الدراسة بالشكوك الكثيرة على مقولة أهل التسويق الشهيرة؛ “الجنس يروج العمل السينمائي”.
العيّنة:
قامت الدراسة بتحليل ٩١٤ فيلمًا عُرض خلال الفترة من ٢٠٠١ الى ٢٠٠٥. و درس الباحثون، مستخدمين البيانات على موقع ScreenIT، و ال IMDb ومصادر أخرى، العلاقة بين ١٥ متغير تتعلق بمضمون الأفلام و٣ متغيرات متعلّقة بمقاييس النجاح.
المتغيرات
شملت المتغيرات المتعلقة بموضوع الفيلم إدمان الخمور والمخدّرات ، والقتل و الدماء، والرعب والخوف، والأسلحة والعنف، والعريّ والجنس والعنف، و بعض المتغيرات الأخرى. أما المتغيرات المتعلقة بالنجاح فقد تضمنت النجاح المالي، والاهتمام النقدي، والجوائز السينمائية.
النتائج
وجد الباحثون أنّ الجنس في السينما ، وعامل العريّ من المحتمل وبشكل كبير أن يؤدّيا إلى تخفيض الأرباح بدلًا من زيادتها. والأغرب أنهم اكتشفوا أن مشاهد العنف والرعب أكثر قدرة على تحقيق نجاح على مستوى الأرباح.
رابعًا:الاقتصاد وراء تراجع أرباح الأفلام التي تعرض مشاهد الجنس في السينما
(أ) توسيع نطاق المشاهدين
آخذًا في الاعتبار توافر محتوى العريّ والجنس المجاني عبر شبكة الإنترنت لكلّ من هبّ ودبّ على ظهر البسيطة، فإنّ إحصاءات تذاكر السينما تؤكد على أنّ غياب مشاهد الجنس أو تخفيض حجمها، خاصّة الشديد منها، يؤدي إلى توسيع نطاق المشاهدين ليشمل الأطفال والشباب تحت ١٨ والعائلات المتحفّظة، وكذلك الأسواق المحلية والأجنبية على حدّ السواء.
( ب) انخفاض أعداد دُور العرض وقنوات التليفزيون
إذا كان المخرج يرى أنّ أحد مشاهد الجنس جزء لا يتجزأ فنيًا من العمل السينمائي، فإنّ الموزعين والمنتجين قد يختلفون مع ذلك، فنظام التصنيف الرقابي بأنواعه ( للكبار فقط، عائلي، تحت رقابة أبوية) يقلّل من عدد دور العرض التي يعرض عليها في السينما. علاوة على هذا تتحفظ قنوات التلفزيون العامة بشدة على هذه النوعية من الأفلام حيث أن حذف المشاهد والرقابة يمثلان عاملَين إضافيَّين من التكاليف يتم وضعهما في الاعتبار عند شراء الفيلم.
(ج) انخفاض حجم الإعلانات
في معظم الأحوال لن يصاحب أفلام الكبار فقط أية إعلانات لأنّ المعلنين يرغبون في توجيه الإعلان إلى قطاع عريض، بل وسيمتنعون حتى عن وضع صور الفيلم على أكياس الفشار التي يُقبل على شرائها الكبار بوجه خاص.
( د) ليس بالجنس وحده ينجح الفيلم
حتى بالنسبة لبعض الافلام الاستثنائية، فإن الجنس بمفرده لم يكن سبب بيع الأفلام وانتشارها على الإطلاق، حتى شركات الإنتاج التي قدّمت أعمالًا ناجحة تضمّ مشاهد جنسية قوية كان مصدر نجاحها أحيانًا الرعب أو الكوميديا، مثلما حدث مع فيلم sex and city. و حتى مع فيلم مثل Basic Instinct الذي حقق نجاحًا كبيرًا، فإنّ ذلك كان مصدره القصة البوليسية المثيرة من ورائه.
(ه) دراسات التسويق
وتشير دراسات التسويق إلى أنّ المحتوى الإعلاني لا يكون مؤثرًا، ولا تحتفظ به ذاكرة المشاهد إذا عُرض ضمن الأفلام أو البرامج التلفزيونية التي تصوّر العنف والعريّ حيث يكون تركيز المُشاهد الأكبر على تلك المَشاهد، بينما يعتبر الإعلانات مجرد تشتيت يجب التغلب عليه.
وفي ذات الوقت، فإنّ الإعلانات التي تعتمد على الإثارة الجنسية والإغراء لم تعد هي الأخرى فعالة في تحقيق هدفها التسويقي. ففي بحث أجرته شركة ميدياناليزر عام 2005، تبيّن أنه 10٪ فقط من الذكور الذين شاهدوا الإعلانات تذكّروا موضوع الإعلان أو الماركة والبراند المعلن عنه، وتضاعفت هذه النسبة في حالة الإعلانات المغايرة؛ وتوزّعت النسب عند النساء إلى (10.8٪ مقابل 22.3٪).
الخلاصة، يمثل العريّ والجنس في الوقت الحالي خصمًا لرصيد أرباح أي فيلم مهما قيل عن قيمتها الفنية. والسبيل الناجع للنجاح هو الكوميديا والمغامرات والرعب. فمرحبًا بالسينما النظيفة.