هوية الأرض في التراث الفلسطيني
يستعرض هذا المقال بعض العناصر التي تشكِّل تراثاً فلسطينياً، بما في ذلك العادات والتقاليد والأمثال والرقص الفولكلوري والأطعمة والحرف اليدوية والتطريز؛ ولأن تحليل هذه القضايا يُمكِّننَا من أن نرى مدى أهميتِها بالنسبة لتكوين الهوية الفلسطينية في فلسطين ودول الشتات في ظل عواملَ أخرى كثيرةٍ تتفاعل لتشكِّل الهوية الوطنية لشعب ما.
عند الحديث عن فلسطين، ترتبط أهمية الفولكلور والتراث بطرق أساسية بالأرض وبفقدانها؛ إذ تطوّرت عناصر التراث التي تصف حالهم على مدى آلاف السنين في المجتمعات الزراعية التي تشكل فيها الأرض وسيلةً رئيسيةً لكسب العيش والإنتاج.
وهكذا فإن الفلسطينيين، من خلال قيمٍ أسريةٍ متينةٍ يجسِّدون التقاليدَ والعاداتِ المتصلةَ بالزواج والولادة وتربية الأطفال وتوفير التغذية والملابس والطب الشعبي والحرف اليدوية، وقد عبَّروا عن هذه القيم في الأمثال والرقص والقصص والمعتقدات الأخلاقية والاجتماعية، ووفروا حمايةَ وتعزيزَ علاقةٍ موحَّدةٍ كاملةٍ تتألّف من الأسرة والبيئة المنزلية والاجتماعية توحدهم الأرض.
إن إعادةَ تذكُّرِ الأيام حيث كانت الحياة بسيطة وسلمية –قبل مجيء الاحتلال الإسرائيلي- لأمرٌ مؤلم، ولكن على الأقل هذا يسمح لنا بأن نعيَ ما تبقى من الأمور والأنماط، وكيف يظل كل هذا على قدرٍ كبيرٍ من الأهمية بالنسبة للهوية الجمعية الفلسطينية.
بداية المأساة
نتيجةً لحرب 1948م، كاد اسم فلسطين يختفي.. لقد تم تقطيع أوصال الأرض والشعب بعد إلغاءِ مجمل الانتداب البريطانيِّ السابق على فلسطين، وأصبح أربعةٌ من كل خمسةِ فلسطينيين لاجئين في أكثرَ من 400 مكان ما بين الأردن ولبنان وسوريا والعراق ومصر وبلدان أخرى في كل أنحاء العالم .
في الفترة ما بين سنة 1948م إلى سنة 1952م دُمِّرَت قرى عديدة وصُودِرَت أراضٍ كُثُر، وأصبح يطلق على أقليَّة الفلسطينيين الذين أفلحوا في البقاء في فلسطين اسم “العرب الإسرائيليين” بعد إعلان الأمم المتحدة للاحتلال الاسرائيلي كدولة، بينما عاش سكان الضفة الغربية والقدس الشرقية تحت الحكم الأردني تحت مسمّى “الأردنيين”، تماماً كما تمّ تنحية قطاع غزة تحت الوصاية المصرية، حيث يحمل الأشخاصُ وثائقَ خاصة باللاجئين.
سنة 1967م احتلّت قوات الاحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، وقامت مرةً أخرى بتهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين وسرقة مزيدٍ من الأراضي لبناء المستوطنات والطرق الالتفافية خاصةً على التلال والجبال في مناطقَ تفصل بين القرى والمدن. وقد أضعفت الأنشطةُ الصهيونيّة الصلةَ بين المزارعين والأرض من خلال السيطرة على موارد المياه والقيود المفروضة على تسويق المنتجات. ولم يُترَكْ لمعظمِ المزارعين سوى خياراتٍ قليلةٍ على رأسها الهجرة أو العمل كعمَّال في الأراضي المحتلة.
أنشطة الأسرة والمجتمع
إنّ الولادة والزواج والوفاة أحداثٌ هامةٌ في جميع المجتمعات البشرية، وفي البيئة الفلسطينية اكتسبت هذه الأنشطة سماتٍ مميّزةً؛ إنّ ولادةَ الطفل ترتبط باستمرارية الأسرة، وتعدُّ مصدرَ مساعدةٍ إضافيةٍ في الزراعة أو غيرها من الأعمال، والصلة والعلاقات في المجتمع من خلال الزواج في المستقبل.
الزواجُ هو الحدث الرئيسيُّ في الأسرة الفلسطينية، فهو نقطةُ انطلاقٍ جديدةٌ لمزيدٍ من الاستقرار والقوة، وهي وسيلة لتوسيع نطاق الأسرة والحفاظ على الأرض، كما أن الزواجَ حدثٌ هامٌّ للمجتمع ككل. وهكذا، يتم عادةً خلال الصيف -وخاصة بعد الحصاد-، ما يسمح للمجتمع بأسره بالمشاركة وإظهار التضامن.
وفي المناطق القروية، يمكن استخدام الحقول المحصودة كساحةٍ لحفلات الزفاف، حيث يشارك المجتمعُ بأكمله في النفقات وإعداد الأغذية والمشروبات ويشارك في الاحتفالات والرقص.
ولم يتغير حفل الزواج كثيرًا، إذ ما زال محتفظًا ببعضِ النكهة الأصلية في المناطق الريفية وبعض تجمعات الشتات.
وفي حالة الحزن كما هو الحال في الفرح، فإن المجتمع بالكامل يقدم الدعم، بعد الوفاة تُقام عدة زياراتٍ إلى الأسرة، ويواصل الأصدقاء والجيران زيارتهم لمدة أربعين يوماً، حيث يتم تقديم القهوة العربية -بدون سكر-، ويقدم الأصدقاءُ والجيرانُ الطعامَ لعائلةِ المتوفَّى والضيوف خلال الأيام الثلاثة الأولى، أما الذين يموتون من أجل بلادهم فهم شهداء يحظون بأعظمِ احترامٍ هم وأسرهم في مجتمعاتهم المحلية التي تقوم بزيارة قبر الشهيد في الأعياد.
عمران البيوت الحجرية
العمار في فلسطين مزيج من الأصالة والمعاصرة، تعكس بعض الهندسة المعمارية في المدن تأثيراتٍ ثقافيةً ودينية، جاءت إليها من أجزاء عديدة من العالم. ومع ذلك، فإن أبرز أنماط العمارة هو فن العمارة القروية والبيوت الحجرية.
وقد تعزَّزت قوة الرابطة بين الأرض والأسرة من خلال بناء المنزل كمركزٍ لإدارة الأرض، ويعتبر بناء المنزل في القرى أحدَ المهام الهامة التي يتعين على الزوج القيام بها أو على الأقل بناء غرفةٍ ملحقةٍ بمنزل الأسرة، وعادةً ما يتم بناء منازل العائلة نفسها أو القبيلة بالقرب من بعضها البعض في حيٍّ واحد.
وفي ظلِّ الوضع الرَّاهن فإنَّ المجتمع لا يوافق على إغلاق المنزل للسفر، كما أنَّه يمثل احتياطًا ضد التهديد بالمصادرة في غياب المالك، وإنَّ بيعَ بيتٍ واحدٍ يعتبر أمرًا مخزيًا.
كانت المنازلُ الفلسطينيةُ مصنوعةً عادةً من الحجارة، ولا تستخدم الأحجار في الديكور فحسب، بل هي جزءٌ لا يتجزأ من المبنى نفسه، جدرانه السميكة، أعمدته وأقواسه، ويكون السقف عادةً على شكل قبةٍ تخدم غرضين: فهي تجعل السقف أقوى، وفي الوقت نفسه تساعد في تدفق مياه الأمطار نحو البئر. ويستخدم الفلسطينيُّون أنواعًا مختلفةً من الأقواس للمنزل، ويعتبر حجرُ المركز الرئيسُ أهم حجرٍ وهو مُدرَجٌ في قائمة الأشعار الدينية واسم المالك وسنة البناء.
كل منزل عادةً ما يكون لديه بئر خاصة حيث يتم جمع مياه الأمطار، وهناك تركيزٌ هائلٌ في الهندسة المعمارية التقليدية على الدفء والخصوصية، ففي القرى الفلسطينية التقليدية تمتزج المباني وتتماهى مع الأراضي الطبيعية ولا تشكِّل عبئًا على البيئة، ربَّما كان من المؤسف اليوم أنَّ التنمية تبنَّت معاييرَ هندسيةً حديثة، والآن تستخدم المباني السكنية الموادَ والتصميماتِ المناسبةَ للحياة العملية. أما في مخيمات اللاجئين الفقيرة، أَجبرَ الفقرُ والحاجةُ الفلسطينيين الذين هُجِّروا من مبانيهم الحجرية على العيش تحت الصفائح الحديدية الخرسانية والمتجعدة، لكن ذلك على الرغم من سوئِه أنتج خليطًا مذهلًا لأساليب البناء في فلسطين.
في مدينةٍ فلسطينيةٍ واحدة، يمكن للمشاهد رؤية مبنى سكنيٍّ مصنوع من الخرسانة (مع قشرة حجرية)، ومخيمٍ للاجئِين، ومساكنَ حجريةٍ قديمة، ومسجدٍ يعود للفترة الإسلامية، وكنيسةٍ بيزنطية، وآثارٍ رومانية، وأطلالٍ كنعانية قديمة، ومداخلَ كهفٍ ما قبل التاريخ منقوشةٍ على جانب التل.
الدبكة: رقص وموسيقى
إنَّ نموذجَ الرقصِ الشعبيِّ الوحيدِ الذي يُمارَس في فلسطين ويؤديه الجميع هو الرقص الشعبي المعروف بالدبكة التي تعتبر نموذجًا من تقاليد القرية المرتبطة بالدورة الطبيعية للنمو والخصوبة، وبالتالي يتم أداؤها عادةً في المناسبات الاجتماعية مثل حفلات الزفاف والأعياد، وتتضمن خطواتٍ محددةَ الوقت تتوافق مع الموسيقى الإيقاعية التي يتم تشغيلها على الآلات التقليدية، مع حركاتٍ دائريةٍ محسوبةٍ وضربِ الأرض بالأقدام.
الدبكةُ هي رقصةٌ جماعيَّةٌ يقوم بها الرجال أو النساء مع إمساك اليديْن بإحكام، في كثير من الأحيان يرقص الرجال والنساء معًا، وهي رمزٌ للتعاون والتضامن والفرح والقوة والصمود والعزيمة، إنها طريقةٌ للتعبير عن مشاعرِ الفخرِ والامتنان لبعضنا البعض، وكذلك للأرض. لا تتمُّ الدبكةُ في مناسبات الزفاف والحفلات فحسب، بل أيضاً عندما يولد طفلٌ جديدٌ أو عندما يتم بناءُ منزلٍ جديدٍ وأثناء الحصاد.
ينظر أعضاء المجتمع إلى المشاركة في الرقص باعتبارها مسعى مجتمعيًّا متكاملًا وليس كمصدرٍ للتَّمتُّع الفرديِّ بالنَّفس أو ممارسةِ الرياضة أو الأداءِ العام المنتظم، بالنسبة للمجتمع كانت رمزَ التضامنِ للأُسرِ التي ما زالت تقوم بأدائِها حتى اليوم.
الأغاني الفولكلورية
إنَّ القَصصَ والحكاياتِ والأساطيرَ التي تناقلتها الأجيال تلعب الآن دورًا في رفع الروح المعنوية لمقاومة الاحتلال، والتعبير عن الحقائقِ القاسيةِ في الحاضر، والحفاظ على الأمل بانتصار العدالة. لقد نجح الحكواتيُّ -الذي كان يسرد قصصًا شعبيَّة- في تمرير الأغاني والقصص، ليس فقط الحكواتي -حيث يجلس حوله عامة الناس- بل وأيضًا من خلال الأمهات والجدات.
صحيح أن الأرض أصبحت محتلة، ولكن ذكريات الأرض تظل حيةً من خلال قصصٍ تُروَى للأطفال والأحفاد، تلعب هذه القصصُ دورَ الحكايات الخيالية، ولكنَّ الموقف الآن ملموس، خصوصًا بعد أن تم تكييف أغاني الفولكلور لتناسِبَ الوضع الفلسطيني الجديد.
بعض الأغاني مبنيةٌ على الشعر، وغالبها يعبر عن مشاعرِ الحزن والكرامة والأمل في العودة إلى الأرض. تُغنَّى هذه الأغاني من قِبَل كل الفلسطينيين تقريبًا في فلسطين والشتات، واكتسبت شهرةً واسعةً في البلدان العربية.
كما يعوِّل الشعراءُ الفلسطينيون -بينهم محمود درويش وأحمد دحبور- على الثقافة الشعبية كمصدر، وأصبحت قصائدُ كثيرةٌ من أشعارهم أغنياتٍ للمقاومة:
“لو يذكر الزيتون غارسهُ
لصار الزيت دمعًا
يا حكمة الأجدادِ.. لو من لحمنا نعطيك درعا”.
“أذكر أنَّ الجبل العظيم كان يمشي
والمطر الذي يروِّي القمح لا يبلل الأطفال
أذكر أن جارنا الحمَّال توجني بكعكة
وقال لي: كن ملكاً في الحال”.
الأمثال الشعبية
إن العلاقة بالأرض تنعكس بشكلٍ وثيقٍ على الأمثال اليومية المستخدمة لغةَ اتَّصالٍ بين الفلسطينيين، إن الأمثال تلخِّصُ في بضع كلماتٍ تجربةً طويلةً وثريَّةً تعبِّر عن وجهة نظرٍ تؤكِّد على تماسك الأسرة، وتقدِّم الحكمة أو وسيلةً لإنهاء النزاع.
تتميَّز الأمثال أحيانًا بحسِّ الفُكاهة، وتتمتَّعُ دائمًا بالإيقاع الذي يسهِّل تذكُّرَهم. إنَّ أغلب الأمثال تتعامل مع العلاقات الاجتماعية والإنسانية، تشير الأمثلة التالية إلى الحاجة إلى تماسك الأسرة والمجتمع: الجار قبل الدار، أخوي ابن أمي بشيل همي، الحمل لما بتوزع بخف.
بينما تَجمَع مئاتٌ من الأمثالِ الحكمةَ الشعبية حول مواضيعَ مثل الحب، وتربية الأطفال، والأخلاق الجيدة، والتعاون، والشجاعة، والكرم، وحل النزاعات، مثل: إذا كبر ابنك خاويه، اجر بالبور واجر بالفلاحة.
كما تؤكد الأمثال على حب العمل والتعلق بالأرض، وتقديم المشورة فيما يتصل بتحسين المحاصيل وإدارة المساكن، وتُستَمَدُّ المصطلحاتُ المستخدمةُ في الأمثال من المنتجات الزراعية وأسماء القرى والمدن والحيوانات، ومن الأعياد والقصص التقليدية، مثل: ازرع قمح تلقى قمح (إشارة إلى التربية الحسنة للأبناء)، أغلى من بقرة حجا (إشارة إلى تكلفة باهظة الثمن).
الأزياء والتطريز
ومثل الفنون والحرف اليدوية الأخرى بما فيها صناعة الفخار والمجوهرات، تعكس أزياءُ فلسطين التنوعَ في شرائحِ مجتمعِها وطرقِ معيشتِهم.
والأزياء التقليدية هي الأزياء المصنوعة يدويًّا التي يعدُّها سكان القرى والبدو شبه الرُّحَل، وقد اشتهر ثوبُ الرجال كرمزٍ للمقاومة الفلسطينية، وخاصة الكوفية البيضاء والسوداء، ولكنَّ فساتين النساء كانت أكثر ألوانًا، وبينما لا تزال بعض القرويات يرتدينها يوميًّا، فقد تم أيضًا تخصيصُها لمناسباتٍ خاصةٍ مثل حفلات الزفاف.
إنَّ أكثرَ ما يميِّز هذه الأزياءَ هي الأثوابُ التي تصنعها النساء القرويات في المناطق الجبليِّةِ والساحليِّة، و كان هناك أكثر من 800 قريةٍ مأهولةٍ في فلسطين عام 1948 م.
وعلى الرغم من أوجه التشابه، فإن لكل منطقةٍ أو مجموعةٍ من القرى استخداماتها المتميزة للألوان والأنماط والهياكل، وقطعة القماش الأساسية مصنوعة من مواد طبيعية كالكتان أو الصوف أو خيوط القطن والحرير، و قبل ظهور الأصباغ الكيميائية كانت ألوانُ الخيط الأكثر مثاليةً هي الأحمر وظلاله، وكان التطريز لغةً تجمع بين الأنماط الهندسية وبعض الزخارف المستوحاة من الأرض الفلسطينية مثل الزهور والأشجار.
ثم تزينت هذه الأنماط في وقتٍ لاحقٍ بعلاماتٍ أُخرى وطيورٍ وحيوانات ولكن مع القليل من الدلائل البشريَّة، وكل نمط تطريزٍ له درزات معينة واسم أيضا، عادة ما تسمى الأنماط باسم الأشياء في المحيط الطبيعي مثل: أشجار النخيل والسرو المرتبطة بشجرة الحياة التي تعود لآلاف السنين. وبعض الأنماط لها معانٍ تاريخيةٌ وسياسية، مثل خيام الباشا، أو في الآونة الأخيرة الانتفاضة وطيور السلام والأعلام وموضوعات وطنية أخرى.
النمط الغذائي
إنَّ الفلافلَ والحمُّصَ والتبولةَ وأوراقَ العنب المحشوة والمجدرة وغيرها من الأغذية الصحية تعود بأبعد التقديرات للسكان الأصليين في الشرق الأوسط العربي، وبخاصة فلسطين وسوريا ولبنان. (تشتهر الفلافل أيضًا في مصر، حيث تسمى بالطعمية) وهي تقوم على مبادئ التغذية والاقتصاد والذوق الرفيع التي لا يمكن إنتاجها إلا على مدى مئات السنين من الممارسة الثقافية.
تعتبر الحبوب والخضار من المكونات الشائعة، حيث أنها عالية البروتين كبديل للُّحوم، بالإضافة إلى الإضافات الطبيعية التي تعزِّز الذوقَ وطريقةَ التقديم، ويتمُّ استخدام اللحوم في أطباق أخرى مثل وجبةٍ بدويةٍ نموذجيةٍ واحدةٍ هي المنسف (معروفة في الأردن كطبق وطني مشهور) مع طبقات من الخبز الرقيق (الشراك) المغطى بالأرز، وقطع كبيرة من لحم الضأن أو الماعز، واللبن المطهي بالنكهات من حليب الماعز، وبذور الصنوبر المقلية واللوز على القمة، وعادة ما يؤكل باستخدام اليد اليمنى.
يستخدم الطعام الفلسطيني عادةً الحبوب (وخاصة العدس والفاصوليا والبازلاء) والخضروات، وكثيرًا ما يُضاف الكثيرُ من زيت الزيتون وعصير الليمون والبصل والثوم ومجموعة متنوعة من التوابل التي تعزز التذوق. تعتبر بعض الأعشاب البرية والخضروات البرية جزءًا من النظام الغذائيِّ الفلسطينيِّ في مواسمها، وبعد الوجبة الرئيسية، يتم تقديم القهوة أو الشاي، وتصنع القهوة ثقيلةً ويتم تقديمُها في فناجين صغيرة، في حين أن الشاي ينكَّه بالنعناع في الصيف أو بالمرمية البرية (نوع عطري من السيج) في أشهر الشتاء.
إنَّ الكوارثَ السياسيةَ والاجتماعيةَ والاقتصاديةَ التي حلَّت بالفلسطينيين جعلت البعض يعتقدون أن تمزيق الأرض والشعب سيؤدي إلى انهيار القيم الروحية والاجتماعية، وبالتالي إلى اندماج الفلسطينيين في المنفى، لكنَّ الشعب الفلسطيني وتراثه قد نجا بأعجوبةٍ على الرغم من المحاربة والقيود، وحتى خارج فلسطين، كان للفولكلور والثقافة الشعبية دورٌ أساسيٌّ في صياغة المجموعات السياسية والاجتماعية الفلسطينية وبرامجها.
كما أصبح الحفاظ على الثقافة الشعبية نوعاً آخر من الصراع، سواء من أجل الحفاظ على عناصر البقاء أو تذكرها باعتبارها تعبيرًا عن الارتباط بالأرض التي حرَّم الاحتلالُ الاسرائيليُّ الناسَ من العودة إليها. وما زال التهديد داخل فلسطين ينبع من مصادرةِ الأراضي والمصاعبِ الاقتصادية التي تقيِّد المسافةَ بين القرويِّين والأرض كوسيلةٍ للإنتاج، وبالتالي تقويض الأسس الملموسة للهوية الوطنية الفلسطينية.
من النَّاحية الثقافية، فإن الوضع الصعب في الوقت الحاضر يقيِّد أيضًا الاطلاعَ على التنوع الذي اتَّسمت به فلسطين على مدى تاريخها الطويل، وعلى الرغم من كلِّ النِّضال من أجل الحفاظ على هذه الهوية التراثية الجمعية بدون جهدٍ مؤسسيٍّ وبدون دعمٍ مادي، هناك بعض الحكايات المؤلمة حيث قطع الشتات أوصالَ الفلسطينيين، وهي قصة ميغيل ليتين، الذي هاجر جده من بيت ساحور عام 1914م إلى اليونان ثم تشيلي، -وليتين هو منتج أفلام أخرج روايةً للفائز بجائزة نوبل غابرييل جارسيا ماركيز- ثم عاد إلى فلسطين عام 1995م للعثور على جذوره في بيت ساحور، حاملًا معه صورةً قديمةً وكلمتين بالعربية عليها، وعندما وصلَ كان ليتين يتوقع أن يجد مكان عائلته على الفور، وقد أصيب بخيبة أملٍ لأن الناس لم يكونوا يرتدون أنواع الملابس التي تخيلها من الصورة، ولا فلسطين تبدو فلسطين التي في الصورة، ولم يجد أسرةً باسم “ليتين”، لكن سرعان ما تم اكتشافُ أصولِه المنحدرة من أسرة “اليتيم” الفلسطينية، الاسم الذي تحول إلى “ليتين” على مر السنين في تشيلي الناطقة بالأسبانية.