هل حياتنا مجرد صدفة كونية؟ (مترجم)
في عالمنا الذي تسيطر عليه الفوضى والعشوائية يبدو من الصعب أن نتوصّل إلى الشعور بالمعنى في حياتنا، ولكن مجرد بحثنا عن المعنى والقيمة يمنحنا الأمل والإحساس بوجود غاية من وجودنا.
يشبه الإحساس بغياب المعني غياب الألوان من ساحة الحياة فنرى كل الأشياء رمادية باهتة خالية من الحيوية، فنسير في الحياة تائهين مثل المسافرين بلا بوصلة يعرفون بها الاتجاه الصحيح، فعندما نفتقر إلى الهدف الواضح من وجودنا يصبح سعينا في الحياة بلا معنى، فإنٌ سبق لك الشعور بهذا الإحساس فاعلم أنك لست وحدك بل الأمر شائع حتى أنّ الفلاسفة وضعوا له مصطلح الأزمة الوجودية لتعريفه.
أسطورة سيزيف: عن عبثية الحياة
تُعدّ أسطورة سيزيف اليونانية القديمة أشهر قصة رمزية عن انعدام معنى الحياة، ففي تلك الأسطورة تحكم الآلهة الإغريقية على سيزيف بعقاب شنيع بأن يقضي الأبدية في دفع صخرة إلى أعلى جبل بشق الأنفس، ليشاهدها وهي تسقط على الأرض عندما تقترب من القمة ليعيد الكرة مجددا إلى الأبد!
وقد رأى الفيلسوف الفرنسي ألبير كامو في هذه الأسطورة التعبير الأفضل عن الحالة الانسانية العبثية حيث يقضي الإنسان عمره في كدح لا معنى له!
و اعتقد كامو أنّ مأساة الإنسان تكمن في بحثه عن المعنى في عالم لا معنى له بطبيعته، فالوجود الإنساني عبثي في جوهره، ممزق في الصراع بين بحثه العقيم عن فهم عقلاني و حل في مواجهة عالم غير عقلاني وغير مبال، فكما عبر قائلاً في 1942م:
العبث ليس في الإنسان ولا في العالم، بل في وجودهما معًا.
هل الحياة بلا معنى تستحق العيش؟
جادل كامو بأنّ أسطورة سيزيف هي قصة البشر جميعًا، وكما قال: ”إن العامل اليوم يعمل كل يوم في حياته في نفس المهام، وهذا المصير ليس أقل عبثية، ولكنه مأساوي فقط في اللحظات النادرة التي يصبح فيها واعياً“ .
وكان كامو يعتقد أنّ السؤال الرئيسي الذي يجب أن تكون محاولة الاجابة عليه هي المهمة الأساسية لأي فلسفة جادة، هو ما إذا كانت الحياة تستحق العيش أم لا؟
ولعل هذا هو السبب الذي جعله يبدأ مقاله الشهير ”أسطورة سيزيف“ بقوله إنّ أحدًا لم يفكّر في الانتحار عندما واجهته نتائج علم الوجود أو الميتافيزيقا أو العلم، لكن الكثيرين فكروا في الانتحار في مواجهة اللا معنى المتأصّل في حياتهم.
ووفقًا لكامو فالإجابة البسيطة على هذا السؤال العميق والمؤلم هي أن الحياة بكل ما فيها من عبثية تستحق العيش من أجلها. ولهذا رفض كامو محاولات الفلاسفة الوجوديين السابقين للهروب من العبثية، معلنا أننا لا يجب أن نبحث عن هدف أسمى في الحياة، بل يجب علينا أن نعتنق اللامعنى والعبثية المطلقة للحياة و أن نحيا بأصالة وحرية وشغف دون الاستسلام لليأس والعدمية.
هذا هو ما يعتبره كامو التمرّد المطلق على العبث ويعيد صياغة المقولة الديكارتية أنا أفكر إذن أنا موجود في كتابه المتمرد بقوله ”أنا متمرد، إذن أنا موجود“.
هل يمكننا إيجاد البهجة في عالم بلا معنى؟
وفقًا لكامو لا يوجد تعارض بين السعادة وانعدام المعنى، فجمال الحياة يكمن في سريانها غير المنطقي فإذا استطعنا أن نعيش بأصالة، وأن نقيم الانسجام بين هويتنا وطريقة عيشنا لحياتنا، يمكننا أن نحقق السعادة التي مفتاحها الأصالة، فكما أنّ اندفاع الأدرينالين في التجارب الخطرة يجعلنا نشعر بأننا أكثر حيوية، فإنّ الحياة تعاش بشكل أفضل إذا لم يكن لها معنى.
فإن استطعنا تقبّل عبثية وجودنا يمكننا أن نعيش الحياة على أكمل وجه، في اللحظة الراهنة، غير مهتمين بتحقيق هدف بعيد المنال في المستقبل.
وعبر كامو عن هذا في ختام مقاله الشهير عن سيزيف بقوله ”إنّ الكفاح نفسه نحو الأعالي يكفي لملء قلب الإنسان. يجب على المرء أن يتخيل سيزيف سعيدًا“.
الحياة ليست رحلة: عن تغيير منظورنا للحياة
لقد عشنا طوال حياتنا نطارد أهدافا وهمية ونبحث عن معان لا وجود لها، حيث تم تدريبنا على السعي نحو الأهداف التي نتوهّم أنّ تحقيقها سيمنح كل جهودنا معنى وقيمة في النهاية، ولكن عندما نحقّق تلك الأهداف عادة ما نشعر بخيبة أمل عميقة حيث لا يحقق لنا هذا الوصول الإحساس بالرضا الذي كنا نتمناه، ونسعى للبحث عن هدف جديد في تكرار لقصة سيزيف حيث نعلق في حلقة مفرغة من السعي الدائم نحو غاية لا نصل إليها أبدًا، ولهذا يقول الفيلسوف البريطاني آلان واتس عن رحلة الحياة أننا نخدع أنفسنا طوال الطريق!
وعلى الرغم من الاختلاف الشاسع بين فلسفته وفلسفة كامو، إلّا أنّ واتس من بين المفكّرين القلائل الذين عبروا عن ضرورة عيش الحياة من أجل ذاتها بأبسط العبارات، فمعنى الحياة، وفقًا له، هو ببساطة أن تكون حيًا فالكون المادي ليس له هدف يتجه نحوه، وكذلك حياتنا.
واقترح واتس أنّ أفضل طريقة لإدراك وجودنا هي بنفس الطريقة التي ندرك بها الفن. فالعازف لا يعزف الموسيقى ليصل إلى نهاية مقطوعته، ولا الراقص يرقص ليصل إلى منطقة معينة من حلبة الرقص. فالغرض من الموسيقى هو الموسيقى. والغرض من الرقص هو الرقص نفسه. فقط عندما ننظر إلى الحياة على هذا النحو يتحد سعينا مع ما نسعى إليه، وهذا هو جوهر الإنجاز.
وقد لخّص واتس فكرته هذه في كتابه ”التاو في الفلسفة” بقوله “لقد فكرنا في الحياة بالقياس إلى رحلة كان لها هدف جاد في النهاية، وكان الهدف هو الوصول إلى تلك النهاية. لكن فاتنا الهدف طوال الطريق. ولكن رحلة حياتنا أشبه بمقطوعة موسيقية وكان من المفترض أن ترقص أثناء عزف الموسيقى“.
مصدر الترجمة:
https://www.thecollector.com/is-my-life-just-a-cosmic-accident/