ما تفعله بي الموسيقى
"أيتها الموسيقى، إن في أنغامك الساحرة ما يجعل جميع لغتنا عاجزة قاصرة."
تنساب موسيقى فريد الأطرش العذبة على أذني، وأطوف بخيالي في عوالم عدة، لعلني أجد تفسيرًا لحالة النشوى التي تنتابني حين أسمع مقطوعات موسيقية بعينها. أتأمّل ما تفعله الموسيقى بي، بدءًا بالدغدغة الخفيفة التي تسري بأوصالي وصولًا للقشعريرة الجمالية أو كما تسمى بالفرنسية Frisson. وهممت أبحث عن هذا الأمر وأنهل من المواقع العلمية تفسيرًا لهذا الشعور اللذيذ، واكتشفت أنني لست الأولى التي تشعر به، فهناك العديد من العلماء الذين يبحثون عن تفسيرًا منطقيًا لهذه الحالة واعتبروها كرد فعل منطقي للمنبهات العاطفية، وأولها الموسيقى التي تشعرك بالدفء والحنين.
خلصت من قراءاتي إلى أن أظهرت بعض الدراسات تفيد بأنه يمكن للموسيقى أن تنتج ردود فعل جسدية قوية في 80 في المائة من المستمعين، في حين أن أظهرت دراسة أخرى أن حوالي 24 في المائة من الناس يبكون حين سماعهم للموسيقى. وأظهرت النتائج أن المستمعين الذين عانوا من حالة Frisson سجلوا أيضًا صفة عالية لسمات الشخصية تسمى Openness to Experience. وأن الأشخاص الذين يمتلكون هذه الصفة ويقدرون الجمال والطبيعة، ويبحثون عن تجارب جديدة، وغالبًا ما يركزون بعمق على مشاعرهم، ويحبون التنوع في الحياة. وإن إجمالًا بعض جوانب هذه الصفة عاطفية بطبيعتها كتقدير الجمال، والبعض الآخر معرفي كالخيال والفضول الفكري.
وبت أبحث كثيرًا وكثيرًا حتى توقفت حين سماعي مقطوعة موسيقية أخرى للموسيقار “ياني” ووقتها قررت أن أقدم شكرًا على الملأ لكل مؤلف مقطوعة موسيقية تركت آثارها بي وأسعدتني أو أبكتني أو تركتني على عتبتها شاردة متعجبة من عذوبة اللحن، بعدما وجدت أخيرًا تفسيرًا منطقيًا للحالة التي تنتابني حين أسمع بعض النوتات الموسيقية الرائعة، مع رغبتي في استكمال رحلتي في اكتشاف تأثير الموسيقى على أذن البشر. واثقة أن العلم سيكتشف يومًا بعد يوم أثر الموسيقى العذب باعتبارها إحدى الوسائل التي تهذب الفكر وتشذب الوجدان.