أين تُصنع النجوم؟
تلسكوب سبيتزر الفضائي يكشف عن بقعةٍ متوهجة
يعتبر سديم تشكُّل النّجوم (W51) أحد أكبر مصانع النجوم في مجرّة درب التبانة، فقد يحجب الغبارُ الكونيّ الضوءَ المرئي المنبعث من تلك المنطقة، إلّا أنّ تلسكوب سبيتزر الفضائي التابع لوكالة ناسا تمكَّنَ من الكشف عنه كما يظهر في الصورة، إذ يستطيع التقاط ضوءَ الأشعة تحت الحمراء الذّي يتمكّن من اختراق سُحُب الغبار.
المصدر: NASA / JPL Caltech.
تُولد أضخم النجوم في الكون داخل سُحُب كونيّة من الغاز والغبار، تاركًة وراءها أدلًة عن حياتِها وتكوينها، والتّي من شأنها أن تساعدَ علماء الفلك على تقفِّي أثرها، وفكّ شفرتها الغامضة.
إنّ السديم المعروف باسم W51 هو أحد أكثر مناطق تشكُّل النجوم نشاطاً في مجرّةِ درب التبّانة، حيث تمّ اكتشافه لأوّلِ مرةٍ في عام 1958م بواسطة التلسكوبات الراديوية، وتتمّ فيه عمليّات صنع نسيج كونيّ زاخِرٍ بالنجوم، كما يظهر في هذه الصورة الملتقطة بواسطة تلسكوب سبيتزر الفضائيّ الخاصّ بنَاسَا، والذّي توقّف عن أداءِ مهامه مؤخّرًا.
يقع سديم W51 على بعد حوالي 17000 سنة ضوئيّة من الأرض، في اتّجاه كوكبة Aquila في سماء اللّيل الصّافية، ويبعد حوالي 350 سنة ضوئية -أو ما يقارب 2 كوادريليون ميلًا- كما أنّه يكاد يكون غيرَ مرئّيٍ بالنّسبة للتليسكوبات التّي تلتقط الضوء المرئيّ (الضّوء الذّي يمكن رؤيته بالعينِ المجرّدة) ;لأنَّ هذا الضوء تحجبه سحُبُ الغبارِ الكونيّ الواقعة بين سديم W51 والأرض، ومع ذلك يُمكن للأطوال الموجيّةِ الأبعد عن الأرض (بما في ذلك موجات الراديو، والأشعة تحت الحمراء) أن تمرَّ بحريّةٍ تامّةٍ عبرَ ذلك الغبار دون أن تواجه أيّ عوائقٍ، وعندها يظهر سديم W51 بمشهدٍ ساحرٍعندما ينظر إليه سبيتزر باستخدام الأشعة تحت الحمراء، إذ يقدّر إجماليّ الأشعة تحت الحمراء المنبعثة منه ما يعادل 20 مليون شمسًا.
أما عن تلك السحابة الكثيفة من الغازِ والغبار، التّي تبدو بحجم البدر، والتّي يسعك رؤيتها بالعينِ المجرّدة، فهي ما يُعرف بسديم الجبار ((Orion Nebula، وتعتبر منبعًا آخر لتشكيل النجوم، ووجهةَ هواةِ الفَلَكِ الأولى للرّصد والمتابعة؛ إذ بإمكانك رؤيته يسبح أمامك بملء السّماء ليلاً، وفي مقارنة بين سديم W51 وسديم الجبار، يعدّ سديم W51 في الواقع أبعد بكثير من سديم الجبار، وبالتّالي أكبر حجمًا منه، كما أنّ درجة إضاءته أعلى منه بـ 75 مرّة تقريبًا، بينما يحتوي سديم الجبار على أربعةٍ من النّجوم المَعروفة بالنّوع- O وهي من أكبر أنواع النجوم في الكون- في حين يضمُّ سديم W51 أكثر من 30 نجمةً من هذا النّوع.
يمكن أن تعمل مصانعُ النجوم المشابهة لهذه على مدار ملايين السنين، فقد لوحظ أنّ المنطقة الحمراء المجوّفة التّي تظهرعلى الجانب الأيمن من سديم W51 أقدمَ سنًّا ممّن يحيطها، وهذا واضحٌ في الطّريقة التّي نحتت بها الرياح هذا المكان عبر أجيالٍ من النّجوم الضّخمة (تلك التّي يصل حجمها 10 أضعاف كتلة شمسنا على الأقل(، حيث يزداد انتشار الغبار والغاز في المنطقة بشكلٍ أكبرَ لحظة َموتِ تلك النجوم وانفجارها على شكل مستعراتٍ أعظمَ، بينما يظهر على الجانب الأصغر للسديم العديد من النجوم التي بدأت مهمّتها للتوّ في إزالة الغبار والغاز بنفس الطّريقة التّي اتّبعتها النجومُ التّي سبقتها في المنطقة القديمة، كما يتّضح أنّ العديد من هذه النجوم الفتيّة ما زالت في طور تشكيل مناطق من المساحات الفارغة التي حولها.
التُقِطت هذه الصورة كجزءٍ من حملة الرصد الواسعة التي أجراها تلسكوب سبيتزر الفضائي في عام 2004م لرسم خريطةِ بُنيَةِ مجرّة درب التبانة ذات النطاق الواسع –وهذا في حد ذاته تحدٍّ كبير؛ لأنّ الأرض بكامل حجمها تقع بداخلها أيضًا.
سُميت عملية الاستطلاع هذه بـ Galactic Legacy Infrared Mid Plan Survey Extraordinaire أو ما يُعرف اختصا را بـ (GLIMPSE) وهي عمليةٌ شاملة كشفت عن بيانات قيّمة تضمُّ العديد من العجائب التّي تحدث داخل مجرّة درب التبانة، بما في ذلك صور لمصانع نجميّة متعددة مثل سديم W51 الذّي أخفته سُحُب الغبار من مراصد الضوء المرئي.
تقول برينا بيند، الأستاذة المساعدة للفيزياء وعلم الفلك في جامعة ولاية كاليفورنيا للفنون التطبيقية في بومونا، والتّي تَدرس دورات حياة النجوم الضخمة:
إنَّ جميع الصور الرائعة التي التقطها سبيتزر عبر مسح (GLIMPSE) بالتنسيق مع البيانات التي تقدمها العديد من التلسكوبات التكميلية الأخرى -تمنحنا فكرةً عن كيفيّة تشكُّل النجوم الضّخمة في مجرّتنا درب التبانة، كما تزوّدنا بمعرفةٍ حول كيفية تفاعل رياحها وإشعاعها القويّين مع المناطق الأُخرى التي تحيطها.
وأضافت قائلة: “لا يمكننا ملاحظة مناطق تشكّل النجوم في المجرّات الأُخرى في أي مكان بشكل يقرب للتّفاصيل التي يمكننا الحصول عليها في مجرّتنا الخاصة، لذا فإنّ المناطق الشبيهة بسديم W51 مهمّة حقًّا لتعزيز فهمنا حول تكوُّن النجوم في مجرّة درب التبانة، الأمر الذي يمكّننا بعد ذلك من معرفة كيفيّة استمرار تشكُّل النجوم في غيرها من المجرات المجاورة.”
تمَّ إطلاق تلسكوب سبيتزر الفضائي التّابع لناسا منذ 17 عاماً، (في 25 أغسطس عام 2003م) وقد تقاعدت هذه المركبة الفضائيّة عن أعمالها حديثًا في 30 يناير عام 2020م، وعلى الرّغم من انتهاء بعثاته إلى الفضاء، إلّا أن مجموعة البيانات العلميّة التّي جمعها سبيتزر خلال نشاطه متاحةٌ للجميع عبر أرشيف بيانات سبيتزر الموجود في أرشيف علوم الأشعة تحت الحمراء في قاعدة بيانات IPAC في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في باسادينا/ كاليفورنيا.
أدار مختبر الدّفع النفّاث (JPL ) التّابع لنَاسَا، وهو أحد أقسام معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، عمليّاتِ بعثاتِ سبيتزر الفضائيّة لصالح مديرية البعثات العلمية التابعة لوكالة ناسا بواشنطن. وأُجريت العمليّات العلميّة في مركز سبيتزر الفضائي للعلوم في IPAC في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، أمّا عمليات المركبات الفضائية فكان مقرُّها في لوكهيد مارتن سبيس في ليتلتون بوالية كولورادو.
نرشح لك: دورة حياة النجوم
كالا كوفيلد مختبر الدفع النفاث، باسادينا، كاليفورنيا 2469-808-626. [email protected]