ما معنى أن تكتبَ مقالًا يوميًا؟
يحدث أن يمتلك كاتب ما موهبةَ تطويع الكلمات بالقلم، فيطوعها ليعبر من خلالها عن أفكاره بطريقةٍ رشيقةٍ وأنيقةٍ ودقيقةٍ ليخرجها لزوار زاويته وهي مزينة بأبهى الثياب، فتنال إعجابهم ويتداولونها في مجالسهم وهم ينتظرون الفكرة القادمة.
نعم يحدث هذا، لكن هل يستمر العطاء بنفس الرونق والجمال؟
أظن أنه “لا”..
لأن الكتابة فعلٌ بشريٌ بامتياز، وفاعلها بشرٌ، وله من الخواص النفسية ما لغيره من البشر، فقد يتعرض مزاجه النفسي للصعود والهبوط نتيجة إصابته بمللٍ أو مرضٍ أو انشغال ما، أو يصاب بما يسمى “حبسة الكاتب” فيمنعه ذلك من الاستمرار بتقديم وجبته العقلية الفاخرة لزوار زاويته بنفس الجمال والجاذبية التي بدأ فيها، فيضطر تحت سيف العمود اليومي لكتابة أي شيء، فيتحول من كاتبٍ مبدعٍ إلى كاتبٍ تقليدي، يتناول أفكارًا تقليدية بطريقةٍ تقليدية، أو قد يكتب في موضوعات سبق وأن كتب عنها سابقًا، لكن بمصطلحاتٍ جديدة، فينعكس ذلك سلبًا عليه، ويقل تداول أسهم أفكاره في بورصة الجمهور.
ما معنى أن تكتبَ مقالاً يوميًا؟
يعني أنك يجب أن تقرأ باستمرار، وتفكر فيما ستقدمه لجمهورك غدًا كي تبقى أسهمك مرتفعة بغض النظر عن أن ضغطك قد يرتفع أو ينخفض أو علاقاتك الاجتماعية المباشرة ستتأثر، أو ما قد يصيبك من التعب الجسدي وألم العظام، أو يتقوس ظهرك، أو قد يتدلى كرشك رغم عن أنفك.
يعني أنك يجب أن تسير في كل الدروب تبحث عن مادة تكتب عنها، عن قصة فقير ثابر حتى نجح، أو عن غني أساء إدارة حياته، ففشل، أو عن شاب أحب صديقته الجامعية واجتهد حتى اجتمع بها في سقف واحد بالحلال، أو كانت نهاية علاقتهما “مأساة”.
يعني أنك يجب أن تتابع قنوات تلفزيونية ومحطات راديو على أمل اقتناص خبر من هنا أو هناك، فيأتيك وحي الكتابة لتبدي رأيك فيما سمعته أو رأيته.
شخصيًا، حتى لو أتيحت لي فرصة الكتابة اليومية، فلا أظن أني سأكون سعيدًا بذلك لأنني أخشى أن أفقد القدرة على التجديد والإتيان بكل مفيد، خاصة أنني لم أدخل بعد العقد الرابع، ولم أنتهِ بعد من مرحلة الماجستير والدكتوراه، وهاتان المرحلتان تحتاجان وقتٍ وجهدٍ وأخشى أن أشتت جهدي، فلا أنجح في هذه أو تلك.
ربما مع دخول الإنسان لمرحلة التقاعد عن العمل يصبح لديه فائض وقت وتجربة غنية تمده بالكثير من الأفكار، فيكتب عن تجاربه وآرائه في الحياة، وهذا يمكنه من الكتابة اليومية، بينما بالنسبة لي لا زلت بحاجة إلى الميدان العملي لأصقل شخصيتي بالتجارب الحياتية.
أرى أن الاقتصار على مقالين أو ثلاثة أسبوعيًا على أقصى تقدير هو أمر مهم، بحيث يتمكن الكاتب من إيجاد فكرة يكتب عنها، ويقدم وجبة تروق للجمهور الذي ينتظر أفكاره؛ لأن العبرة ليست بـ “كم مقالٍ أكتبُ يومياً أو أسبوعياً، بل العبرة بـ “هل ما أكتبه نابع من قناعة عاطفية وعقلية؟ وهل ما أكتب يحدث أثرًا إيجابيًا في القارئ؟”
أما إذا كنت ستبدأ رحلتك بالكتابة، فيمكنك معرفة كيفية نشر مقالاتك على المحطة من هنا