دواوين الشّباب العاميّة في معرضِ الكتاب تتصدّر المشهد.. والتّجاربُ الأولى تبدو أكثر تأثيرًا
ألبرتو مانغويل صاحب كتابيّ “تاريخ القراءة” 1996م و”المكتبة في الليل” 2007م كان يقول أنّ “القراءة ضروريّة للحياة كالتنفّس” وربّما نضيف إلى ألبرتو أنّنا لا نتفس سوى بالقراءة وأحيانًا بالكتابة الّتي تدفعنا ولو خطوة إلى الأمام وإلى البحث أو الكشف عن ذواتنا.
كالعادة للأدب نصيب كبير من الإصدارات خصوصًا بشقيه الشعري والروائي، هذه السّمة التي بدت واضحةً على إصدارات دور النّشر للعام الحالي حيث أنّ الكتب الأدبيّة تستحوذ على كثير من العناوين الجديدة، وقد استجابت الإصدارات الجديدة لدور النّشر لهذا التوجّه فقدّمت للقارئ المصري الكثير من الدواوين الشعريّة لهذا العام 2019م عام اليوبيل الذهبي.
سنسلّط الضوء على البعضِ من هذة العناوين والإصدارات التي أستبشر فيها الكثيرين خيرًا وجديدًا وفي نظرنا تستحقّ الإشادة والضّوء. متمنين من الله أن نلم بالكثير منها ومشيرين إلى أنّنا لم نتعمد تجاهل أي من الإصدارات.
ليه ما اتخلقتش طير؟!
أوّل هذة الدواوين هو ديوان (ليه ما اتخلقتش طير؟!) الصّادر عن دار تشكيل للنّشر والتوزيع للشّاعرة خلود المعصراوي وهي التّجربة الأولى التي تحتوي على 22 قصيدة بالإضافة إلى عدد من المقاطع الشعريّة الصّغيرة وتقسم الشاعرة خلود المعصراوي ديوانها إلى أربع أقسام “محاولات للحياة، ليه ما اتخلقتش طير؟!، استسلام , بعث جديد” وهذة الأقسام لم تكن سوى انعكاس لمراحل الحياة التي مرّت بها حيث قرّرت أن تخوضَ غمار النّشر لا لتعلن بل لتأكد على صوتِها الأنثوي المتفرّد والمتماهي مع الطبيعة الأنثويّة للمرأة الشّاعرة.
المشاهد
صدر للشّاعر محمد مرعي عن دار الهدف للنشر والتوزيع ديوانه الأوّل (المشاهد) الذي يتناول فيه صورًا ومشاهدًا من مناحي الحياة الاجتماعيّة والسياسيّة والثّقاقيّة إضافة إلى العاطفيّة الّتي يتمسّك بها الكثير من الشعراء باعتبارِها جاذبة لجيلِ الشّباب لكنّ مرعي لا يبدو أنّه يعتمد على تلك الجاذبية بشكل كبير. شاعر ربما خرج من عباءة صلاح جاهين بحيث أنّه يطوع الرباعية من أجل إخراج صورة شعرية فريدة جاذبة للقارئ والمشاهد معًا.
رقصة شغف بالموت
قرّرت الشاعرة منى رؤوف لا أن تتجاهلَ الموت في ديوانها الأوّل الصادر عن دار تشكيل للنّشر والتّوزيع بل على العكس تمامًا؛ أن ترقصَ له (رقصة شغف بالموت) حيث تعبر فيها عن مكنونات المرأة العاشِقة للحياة والحبّ والتي لا تكترث للموتِ إن ذاقت طعمَ الحياة ولو لمرّة واحدة، تلك الشاعرة التى رأت الله في عيون “محمود” تكتب كما لو أنّها وحيدة في العالم فتكتب حتّى عن الرّجل كما يكتب هو عن نفسه “والحوجه حمل بيكسر الراجل”.
تفاصيل سريّة جدًّا
يصدرُ الشاعر مصطفى ناصر ديوانه الثاني (تفاصيل سرية جدًّا) عن دار دون للنّشر والتوزيع واضعًا فيه الكثير من تفاصيلِه الخاصّة والسريّة في كثير من الظّروف والأماكن منها مثلًا علاقته بشارع شبرا، وقد شرّفنا بالاطّلاع عليه ممّا يمكننا من قول أن الشاعر في تطوّر ملحوظ، انتبِه ولو قليلًا إلى ما كان ينحاز إليه حيث انتقلَ من صوت الشارع إلى صوتي الشارع والشعر معًا مُتمسّكًا بتراث العاميّة المصريّة خصوصًا في نصّه “شارع ذكريات الشّعر” حيث صاغ أساتذة العامية جميعًا في نصه بدءاً من “رامي” و”بيرم” مروراً ب “حداد” و”جاهين” وانتهاءً ب “الأبنودي” و”نجم” . متمسّكًا هنا بالشّعر وحده لا بأي من العوامل الأخرى فاتّكأ على قصيدتِه وحدها والحقيقة أنها ولا شيء آخر ستكون السبيل للحكم على تجربته فيما بعد.
خايف ما أطولش السما
(خايف ما أطولش السما) الديوان الأول للشاعر محمود وجيه. والديوان الأول دائمًا ما يكون إشارة لما هو قادم على طريق الشاعر والشّعر معًا، يحتوى هذا الديوان على ثلاثين قصيدة بالإضافة إلى عدّة مقاطع شعرية كتبت في الفترة ما بين 2013م إلى 2016م ممّا يعني أنّها قصائد متوحّدة التّجربة حتّى يكاد يظنّ القارئ أنّها حالة واحدة لا انفصال فيها ودون الشّعور بتشتّت مع الانتقال من قصيدة إلى أخرى. في معادلة ليست بسيطة وهي الانتصار للّغة العامية في ثوبِ البساطة مع مراعاة ألّا تكون القصيدة مباشرة وأيضًا مع الخلوّ من التّعقيد من خلال شفرات مختزلة تنجز المعاني العميقة في سياقات شعرية تتميّز بحسن التجاور.
ربع ساعة نهار
يقدّم الشّاعر إسلام حماده في ديوانِه الحاصل على المركز الثاني في جائزة اتّحاد الشعراء العرب (ربع ساعة نهار) تجربة جديدة حيث يصيغ سير أخرى للأشياء بصوت متفرّد وبثقة شاعر واثق مما يفعل وغير مكترث لحراس النقد بحيث يدخل ميدان الشعر مغازلًا ضياء قصيدته بالقربِ من عتمة العامية المصرية.
ما بين الحرب وغيابها
أما الديوان الصادر عن دار فهرس والذي جاء مراهنًا على التّجربة أوّلًا وأخيرًا فكان (ما بين الحرب وغيابها) للشّاعر علاء أشرف حيث يسجل في تجربتِه حياة كل شاب عانى من وطأة الحياة العسكرية حيث يرتحل خارج المكان والزمان أحيانًا باحثًا عن الأهل وخصوصًا “الأم” التي جاء ذكرها في أكثر من نصّ، والمحبوبة “آية” التي كان يتذكرها دائماً وسط طلقات الرصاص لدرجة أنّه في عزّ حربه يردد لها “وحشتيني” حيث شاءت الأقدار أن يذهب إلي حرب سيناء الحبيبة ليخرجَ هذه التجربة التي تستحق الإشادة.
سجن أس4
التّجربة الثانية للشاعر حسام إبراهيم الصّادرة عن دار الهدف للنّشر والتوزيع حيث يقدم تجربة ثورية مختلفة عن سابقتها، تجربة ذاتية من طراز خاص لا يحتاج القارئ سوى ثوانٍ لتنكشفَ له هذه الذّاتية منذ الإهداء الأوّل، ويقسم الشّاعر حسام إبراهيم ديوانه إلى ثلاثة أقسام “الوطن = سجن, الثورة = سجن2 , الجوع = سجن3”. حيث يحتوى هذا الديوان على 30 قصيدة جاءت نصف هذة القصائد سياسية من الدرجة الأولى أمّا النصف الثاني فيدور ما بين الفلسفة والذاتيّة والرّومانسيّة.
من يوميات شاعر مغمور
في ظل دواوين شعر العامية المصريّة الكثيرة خرج علينا الشاعر خالد حسان في ثالث دواوينه الصادر عن سلسلة الإبداع الشعري التابعة للهيئة العامة للكتّاب حيث يبدو من عنوانه راصدًا لجزء من يومياته كشاعر يظنّ أنه مغمور. يشمل الديوان ما يقرب من 30 نص شعري، قدّم الدكتور فتحى عبد السميع هذا الديوان وجاء في تقديمه أنه “رغم تميز الشعر عن اليوميات بمكانة تاريخية كبيرة، فإنّ الشاعر خالد حسان يجرح السطوة المتوارثة للشّعر، ويعطي الأولويّة لليوميّات، ربّما لأنّه يؤمن بحضور الشّعر في كل التّفاصيل اليوميّة التي نعتبرها عاديّة، وربما ليعكس تمرده على كل سطوة، ويعبّر عن تعاطفه مع الكيانات الضعيفة الواهية”.
لايق عليك الحزن
يصدر للشاعرة شروق نبيل عن دار فهرس للنّشر والتّوزيع الدّيوان الحاصل على جائزة أخبار الأدب في شعر العاميّة المصرية.
بعد عشر سنوات من الكتابة، اكتفت فيهم بالمشاركة في مسابقات تخلصت الشاعرة أخيرًا من التردّد الذي لازمها على مر ثلاث دواوين لتخوض غمار الطّباعة والنّشر في ديوان يشمل معظم تجربتها الشعرية من دراما إنسانيّة وعاطفيّة وصوفيّة، حيث يبدأ الديوان بالإهداء ثمّ مجموعة قصائد يسبق كل قصيدة مقطع شعري من لون القصيدة وروحها ثم ينتهي الديوان بمجموعة مقاطع شعرية قصيرة تسمّى “دمع فرط”.
الضريبة 40%
في اللحظات الأخيرة تفاجأ الوسط الشعري بالتّجربة الأولى للشّاعر أحمد الطّحان الصّادر عن دار دون للنشر والتوزيع التي تحمل عنوان صادم نوعًا ما، الطحّان الشّاعر المتمرّد الساخر الهادف في آنٍ، والذي يرتدي عباءة شيخ الشعراء فؤاد حداد لم يفصح بعد عن أسرار هذا الديوان لا عن الفكرة ولا عن إخراجه الدّاخلي ولكن القرّاء جميعًا تنتظر هذا الدّيوان الذي هو حصيلة ما كتبه الطحان في سنواته الأخيرة بما تخلّلها من أحداث كان أبرزها ثورة 25 يناير وتأثره بموت محبوبته “زينب” القصيدة التي انتشرت بين الجمهور كالنّار في الهشيم.
ضلمة ونور
يصدر للشّاعرة سارة وهبه هذا العام ديوانها الأول “ضلمة ونور” عن دار لوغاريتم للنشر والتوزيع , يحمل هذا الديوان الشعري في طيّاته ثمانية عشر نصّ شعري ممهدين بثمانية عشر مقطع شعري من روح النّص يحمل نفسَ روحه وفكرته، الدّيوان يستخدم في نصّه الشّعري الأنثويّ تيمة التناقض التي يكتشفها القارئ منذ اللحظة الأولى ومنذ قراءة العنوان حتى يبدو أن الشاعرة في حالة إنفصام وربما يتطور هذا الانفصام فيخلق انقسام يسعى إلى التصالح مع نفسه ويتمنّى الوصول إلى نتيجة.