You Want It Darker: تحـية وداع ليونارد كوهين للعـالم

في عام ٢٠١٦ استقبل الجمهور ألبومين جديدين من اثنين من أعظم المغنيين؛ “ديڤيد بوي” و”ليونارد كوهين”، في نفس العام ودّع نفس الجمهور الاثنين، مع اعتبار الألبومين إلقاء التحية الأخيرة وتوديع العالم، معظم الجمهور ردد “في هذا العام شهدت السماء الحفلة الأعظم”.

من حسن حظ الفنان إدراكه للنهاية، سواء نهاية مشروعه الفني أو نهاية حياته، هذا ما شعر به ليونارد كوهين؛ أن الأيام الباقية قليلة. كانت حالته الصحية تسوء وأحبته يرحلون تباعًا، حالته الصحية كانت سيئة لدرجة أنه سجل ألبومه الأخير في بيته، لذا قرر كوهين أن يودعنا ويلقي تحية على هذا العالم الذي أحبه بقدر ما كرهه، ليرحل بعد صدور الألبوم بـ١٩ يوم فقط.

You want it darker هو الألبوم الرابع عشر والأخير لـ ليونارد كوهين، صدر بعد استراحة بدأت عام ٢٠١٣ سبقتها مجموعة من الحفلات استمرت من ٢٠٠٨ إلى ٢٠١٣، كانت من أهم حفلات كوهين وأمتعها بحسب رأي محبيه، ألبوم جاء بعد إجازة طويلة تأمل فيها كوهين العالم في صمت، عالمه الخاص المليء بالنساء والملائكة والشياطين والعالم الكبير المليء بالقضايا والمشاكل. حين يخرج كوهين عن صمته نراه يمزج العالمين معًا، وندرك أن مشاكله وإحباطاته هي مشاكلنا وإحباطاتنا، ونعيش معه نوستالجيته التي أصبحت في نفس الوقت نوستالجيتنا.

يعود ليونارد كوهين إلى ملعبه القديم والمعتاد، وقضاياه الأثيرة؛ الدين والحب، ينفرد بكل قضية منهما أحيانًا ويمزج بينهما بتماهٍ عظيم في أغانٍ أخرى.

كان كوهين وقتها بعمر ٨٢ عامًا، ولم يكن كبر سنه هذا عائقًا في تقديم ألبوم جديد، بل بالعكس قد أعطى له ولحفلاته الأخيرة ثقلًا جديد ودرجةً جديدة من الجدية؛ حيث نجد في صوته التحدي والهزيمة في آنٍ واحد. صنع موسيقى الألبوم ابنه “آدم كوهين” مرتكزًا على الجيتار والكمان والبيانو كأساس لمعظم أغاني الألبوم، كما نلاحظ لمسة شرقية في Traveling Light، وهي لمسة اعتاد كوهين أن يضيفها إلى أغانيه.

إعلان

الثيمة العامة للألبوم نراها بوضوح شديد؛ الرحيل والانسحاب، ترك النساء والدين والعالم بأسره، فنجد أن الأمور كلها انتهت في “Leaving the Table” وتحضيرات للرحيل في “traveling light”، حتى أننا نرى كوهين وهو معشوق النساء الكبير قد غضّ الطرف عنهم أيضًا في “on the level”.

لكن الألبوم يتعرض للحياة الآن، كما يتعرض للموت أيضًا، يتحدث عن المتمسكين بالدين آملين في الحب لكنهم في النهاية يقابلون التناقضات والصمت، حتى عنوان الألبوم ” You Want It Darker” لا يُقدم بصيغة سؤال، بل جواب. في هيئة تشاؤمية وموسيقى كنسية، يتعرض كوهين إلى فكرة فشل الدين في الحياة الحديثة وهزيمة مسيحه الذي حاول كوهين التمسك به طوال حياته، لك العظمة، والقداسة/ أيها الاسم المقدس/ ذميم، ومصلوب/ في الإطار البشري/ مليون شمعة تحترق/ من أجل المساعدة التي لم تأتِ أبدًا/ أنت تريدها أكثر ظلمة“. نرى في ” Steer Your Way” وداعًا صعبًا للاهتمامات الدنيوية، وأرجوك لا تجعلني أذهب هناك، إذا كان هناك إله أم لا”، برغم هذه الكابوسية إلا أنه شيءٌ جميل أن نرى رجلًا يواجه كل هذا في بضعة أغانٍ قليلة دون أن يخسر معركةً واحدة منها.

You Want It Darker”؛ الأغنية التي تحمل عنوان الألبوم والتي صدرت كأغنية منفردة قبل صدور الألبوم هي الأكثر سوداوية وصراحة في الألبوم كاملًا، وتعتمد الأغنية على اللحن والكورس الكنسي، كما تستعير لفظة عبرية وهي “hineni” التي تعني “ها أنا ذا”، والتي تتكرر عدة مرات طوال الأغنية، تتأرجح الأغنية بخفة ومرونة بين القسوة أحيانًا والضعف أحيانًا أخرى، نرى هذه المرونة العبقرية في الأبيات الأولى دون أي تناقض إذا كنت أنت التاجر/ أنا خارج اللعبة/ إذا كنت أنت الشافي/ أنا منكسر وضعيف/ إذا كان المجد لك/ فإن الخزي لي/ أنت تريدها أكثر ظلمة/ نحن أخمدنا الشعلة. طوال الألبوم يظل كوهين بين رافض ومتمسك بالدين، ففي “Treaty” لا ينكر ما وجده من معجزات إلهية، لكنه ببساطة لا يستطيع الاندماج مع الدين، لقد رأيتك تغير الماء إلى نبيذ/ ورأيتك تعيدها ماءً من جديد/ أنا أجلس على مائدتك كل ليلة/ لقد حاولت لكني لا أندمج معك”، لكنه في هذه الأغنية يأمل بشدة أن يكون هناك معاهدة سلام بينهم أتمنى لو كان هناك معاهدة/ بين حبك وحبي”.

في It Seemed the Better Way يبدو كوهين أكثر استسلامًا، وهو ما نلاحظه في ترتيب الأغاني أيضًا، كلما اقتربنا من نهايته زاد الاستسلام، بدا أنه الطريق الأفضل/ حين سمعته يتكلم للمرة الأولى/ الآن قد تأخر الوقت/ لكي أعرض له الخد الآخر”، وأيضًا استسلامه في خاتمة الأغنية من الأفضل أن أمسك لساني/ من الأفضل أن آخذ مكاني/ أن أرفع كوب الدماء/ وأحاول أن أتلوا الصلاة”.

أيضًا يودع كوهين حبيباته في “on the level” و If I Didn’t Have Your” Love“، في الأولى يقدم لحنًا راقصًا يذكرنا بشدة برائعته “Dance me to the end of love” مع كورس نسائي في الخلفية كما اعتاد، يودع كوهين حبيباته في الحقيقة ليستريح أخيرًا وليقضي أيامه الأخيرة في هدوء، الآن أعيش في هذا المعبد/ حيث يقولون لك ماذا تفعل/ أنا عجوزٌ وعليّ أن أستقر/ على وجهة نظر مختلفة/ كنت أحارب الإغواء/ لكني لم أرد أن أنتصر/ رجل مثلي لا يريد أن يرى/ الإغواء يرضخ له”.

رغم جمال الألبوم إلا أننا نجد فيه بعض العيوب، منها مثلًا  من حيث أن أغانيه تبدو متشابهة بنسبة كبيرة، لأنها في النهاية تتناول جميعها الثيمة نفسها، لكنها تبدو أيضًا وكأنها مسجونة في غرفة واحدة، أو لنقل أن الألبوم يبدو وكأنه قصيدة واحدة طويلة أو مرثية بمعنىً أدق.

لكن ليونارد كوهين كان يكذب علينا، فهذا لا يُعد وداعًا حقيقيًا، بل وداعٌ مؤقتٌ؛ فقد صرّح في المؤتمر الذي عُقد بعد صدور الألبوم:

لقد قُلت مؤخرًا أني مستعد للموت، في الحقيقة لقد كنت أبالغ، فأنا أنوي أن أعيش للأبد.

يمكنك قراءة كلمات الألبوم مترجمة من هنا

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: كريم عبد الخالق

تدقيق لغوي: سلمى الحبشي

اترك تعليقا