القاتل الخفي: قد يبيّت جهازكَ المناعي النيّة لقتلك!!
قد يبيّت جهازكَ المناعي النيّة لقتلك
يرغب جميع البشر أن يكون الجهاز المناعي لدى كلٍّ منهم قوياً يدافع عنهم ضد الأمراض؛ مما يفسر ممارستهم للتمارين الرياضية وحصولهم على تطعيم ضد الانفلونزا وتناولهم الخضار والفاكهة وشربَهم لِعصير الجزر والمُكملات الغذائية. إلا أنه اتَّضح أن الجهاز المناعي القوي لا يعود بالنفع الدائم عليك.
جهاز مناعتك يتخبط ما بين الخير والشر
يتكون جهازك المناعي من عدة أجزاء، إحداها يدعى بِالخلايا الأكولة؛ وهي نوع متقلب من خلايا الدم البيضاء التي تُفرَزُ في نخاع العظم والتي تتخلص من الأنسجة الميتة وتحارب الأمراض من خلال مهاجمة الميكروبات. كما وتعرف هذه الخلايا باسم “جهاز جمع القمامة” وباسم “مدبرة المنزل” للجسم البشري.
واستحدث باربرا إهرنريتش -في كتابها بعنوان “An Epidemic of Wellness, the Certainty of Dying, and Killing Ourselves to Live Longer”- مصطلحاً أكثر جَدارة بالاحترام: “الحِرَفيُّ البارع”. ووضحت باربرا أن الخلايا الأكولة تستحق التقدير وذلك لأنها تبذل الكثير من الجهد لحمايتك. كما وتعمل هذه الخلايا باستقلالية تامّة بشكل أشبه بالأميبا وحيدة الخلية التي تمتلك القدرة على التنقل وحدها والتي تتغذى على الخلايا الميتة التي تعثر عليها في الجسد؛ مما يعني أنها تحصل على غذائها من مصدرٍ مستقلٍ عن مجرى الدم. ولكن المشكلة تكمن في أنّ الاستقلالية التي تمتلكها الخلايا الأكولة تمنحها القدرة على خيانة وظيفتها الرئيسية بانعِطافها نحو طريق آخر.
الحل بسيط؛ فالنوقِف عمل الخلايا الأكولة بطريقةٍ ما
الأمر ليس بهذه البساطة؛ فلِلخلايا الأكولة منافع جمة على الجسد. حيث تحمينا من الميكروبات الضارة التي تسبب عدداً كبيراً من الأمراض؛ من التهاب الحلق الذي يمكن علاجه بسهولة إلى مرض الإيدز الذي لا علاج له.
وفي ظل الظروف الصحيّة المُلائمة، تستطيع الخلايا الأكولة حمايتنا من السرطان -المرض الخبيث الذي تفضِّل هذه الخلايا محاربته. حيث اكتشف الباحثون أنّ السبب وراء تسلل عدد كبير من الخلايا السرطانية إلى الجسد دون أنّ يلاحظ نظام المناعة وجودها هو امتلاكها للبروتين السطحي CD47 الذي يرسل إشارةً مُخادِعةً للجسد تظهِر الخلايا السرطانية على أنها خلايا سليمة؛ وبذلك لا تقضي عليها الخلايا الأكولة. ولكن على الرغم من أنّ الخلايا الأكولة تُخدَعُ بهذه الإشارات، إلا أنها تهُمُّ بالعمل وتعمل على طمس الخلايا السرطانية ومحو أثرها من الوجود إن لم تكن -الخلايا السرطانية- مختبئة تحت ستار البروتين السطحي المُخادِع CD47.
وبذلك تبحث أبحاث السرطان الحالية عن الكيفية التي يمكن للعلماء من خلالها منع الخلايا السرطانية من إنتاج البروتين السطحي CD47.
ويستخلص بعض العلماء من المعلومات السابقة أن الخلايا الأكولة تتَّسِم بالمرونة. ويمكننا أن نرى شببها بالجنس البشريّ، فيتَّضِح ذلك من خلال قدرتها على التسبب بالخير والشر في الوقت ذاته. فهي تقوّي الجهاز المناعيّ وفي ذات الوقت تساعد الخلايا السرطانية على الانتشار وغزو جسم الإنسان. وللتغلب على هذه المُعضِلة، يعمل بعض العلماء على الإتيان بطرقٌ تمنع الخلايا الأكولة من قتلنا؛ وذلك من خلال تعريضها لمحفِّزاتٍ مختلفة وتقنيات علاجية متنوعة. ويدعى ذلك بإعادة تأهيل الخلايا الأكولة.
أما بالنسبة لباربرا إهرنريتش، تشير الطبيعة المُتقلبة لِلخلايا الأكولة إلى أنها قد تكون ذاتَ كينونة مستقلة تماماً؛ أي أنها تقوم بما تراه مناسباً دون أن تولي أي اهتمامٍ للصحة العامة للجسم البشريّ. وترى الباحثة أن الفكرةَ المتأصلةَ لدينا بأن الجسد كيانٌ متناسق بحد ذاته مجردُ وهمٍ تستحبه عقولنا. فأعضاءُ الجسم البشريّ تتنازع كما تتنازع مكنونات النفس في بعض الأحيان. فخَلايا الجسد الواحد تشن حرباً على بعضها البعض. ونرى بذلك أن الأمراض لا تشير دوماً إلى حدوث خطب ما، فقد تكون ناتجة عن الاضطرابات الميكروبية الدائمة التي تسود الجسم البشريّ.