الغوص عميقاً في التحليل النفسي لشخصية نورمان بيتس
بطل مسلسل The Good Doctor في شخصية قاتل ومريض نفسي
التشخيص النفسي لبطل مسلسل نزل بيتس المشتق عن فيلم سايكو
يعاني الشاب الطيب والمهذب والعطوف نورمان بيتس بطل مسلسل نزل بيتس -المُشتق عن فيلم سايكو الذي تم إنتاجه عام 1960- من اضطراب الهوية التفارقي (dissociative identity disorder) دون أن يشعر بذلك. حيث بدت أعراض اضطراب الهوية التفارقي واضحة في شخصية نورمان خلال حلقات المسلسل؛ فقُبيل تطويرِه لشخصية ثانية تتحكم بأفعاله، طرأت بعض التغييرات الجذرية على سلوكه والتي زادت من احتمالية معاناته في المستقبل من هذا الاضطراب. فإضافة إلى وضعية جسده التي كانت تتصلب فجأة -الأمر الذي يعتبر إحدى أعراض التأثير المسطح (flat affect)- لطالما تحولت نظراته من نظرات مليئة بالمشاعر إلى أخرى قاسية لا مشاعر فيها. وفي مشهد آخر، يُعرِبُ نورمان عن شعوره بالعجز إزاء أفعاله وأقواله -وكأنه لا يتحكم فيها- مما يشير إلى معاناته من اضطراب تبدد الشخصية (depersonalization).
المعيار التشخيصي الثاني لاضطراب الهوية التفارقي
يعاني نورمان بيتس في العديد من الأحيان من فقدان الذاكرة؛ فلا يتذكر أيّاً من الأمور التي قام بها أثناء تحكم الشخصية الثانية به وبِأفعاله. ويطلق نورمان على هذه الحالة مصطلح blackouts والذي يشير إلى فقدان ذاكرة الفرد للأحداث التي تطرأ في الأوقات المشحونة بالتوتر النفسي و الصدمات النفسية. حيث يتعرض نورمان لهذه الحالة عندما يكون على وشك ممارسة الجنس أو عندما يتصدى له شخص ما ويذكِّرهُ بالجرائم التي ارتكبها.
المعيار التشخيصي الثالث لاضطراب الهوية التفارقي
يتمثل هذا المعيار باضطراب حياة الفرد وحدوث اختلال في المهام الاعتيادية التي يقوم بها بشكل يومي؛ وكان هذا جليّاً في علاقات نورمان الاجتماعية والعاطفية. فدائماً ما أقنعته شخصيته الأخرى بالعدول عن التقرب من أي شخص بخلاف أمه، وأدى ذلك إلى أن نَبَذَهُ المجتمع للحد الذي أصبح به غريباً ومنبوذاً. أما في الحالات التي شعر فيها نورمان بالانجذاب نحو إحدى النساء وحاول التقرب منها، تسيطر الشخصية الأخرى عليه وتتحكم بأفعاله وتجبره على قتلها. ومن الناحية العاطفية، يبالغ نورمان في رد فعله تجاه المواقف مما يؤدي إلى شعور الأشخاص من حوله بالحيرة حول السبب وراء تصرفه بشكل غير عقلاني في المواقف المُشابهة. ومن الأمثلة على هذه المواقف، مهاجمة نورمان لأخيه بسبب شجار تافه.
المعيار التشخيصي الرابع لاضطراب الهوية التفارقي
يشير هذا المعيار إلى أن الأفراد الذين يعانون من اضطراب الهوية التفارقي -الذي يُعرف أيضا باضطراب تعدد الشخصيات MPD- يتم تشخيصهم بالاعتلال المُشترك؛ ويشير ذلك إلى معاناة الفرد من اضطرابات نفسية أخرى إضافةً للاضطراب الأساسي. وفي حالة بطل مسلسلنا، يعاني نورمان من الاكتئاب والقلق المرضيّ؛ وفي إحدى المشاهد، انتابت نورمان نَوبةٌ لا صرعية نفسية (non-epileptic seizure). كما وتعتبر هذه الاضطرابات النفسية تداعياتٍ لاضطراب الهوية التفارقي.
المعيار التشخيصي الخامس لاضطراب الهوية التفارقي
يشير هذا المعيار إلى أن معاناة المريض من الأعراض السابقة لا يجب أن تُعزى لِتعاطيه للمخدرات؛ فلم يظهر نورمان تحت تأثير المخدرات في أيٍّ من حلقات المسلسل.
المعيار التشخيصي السادس لاضطراب الهوية التفارقي
يُشترط ألا يرتبط هذا الاضطراب بأي عادات دينية أو ثقافية يمارسها الفرد؛ فلم تطرأ أي أحداث من شأنها أن تؤدي بنورمان إلى الانفصال عن شخصيته. أما السبب الرئيسي وراء معاناة نورمان من هذا الاضطراب فهو عجزه عن التعامل من الأحداث المأساوية في حياته؛ كقتله لوالده.
وبذلك، فنحن نرى أن حالة نورمان بيتس تطابق كل المعايير المطلوبة لتشخِيصه باضِطراب الهوية التفارقي، أو ما يُعرف باضطراب تعدد الشخصيات.
السبب وراء معاناة نورمان بيتس من اضطراب الهوية التفارقي
يسعى نورمان لِلفت انتباه شخصية واحدة من شخصيات المسلسل؛ وهي أمه. حيث يَبذل نورمان كلَ ما في وسعه للمحافظة على العلاقة الوثيقة التي تربطهما. ففي إحدى المشاهد، يشير شقيقه إلى أن النوم في نفس السرير الذي تنام فيه أمه أمر في غاية الغرابة؛ وعلى الرغم من أن نورمان في العشرينيات من عمره إلا أنه يعارض رأي شقيقه ويفتعل شجاراً بسبب ذلك. وعندما تزوجت والدته للمرة الثالثة، افتعل نورمان شجاراً معها بحجة أنه “الشخص الوحيد الذي تهتم لأمره في هذه الحياة” واستمر بالشجار معها لفترة طويلة إلى أن أجبرها على الطلاق. أما عندما فارقت والدته الحياة، استعاد نورمان جثتها من المقبرة ثم قام بتحنيطها وأبقاها في المنزل كرمزٍ لاستحقاقه كاملَ اهتمامها تحت كل الظروف.
تولي نظرية الديناميكية النفسية -التي طورها سيغموند فرويد- اهتماماً بالغاً في تفسير اضطراب تعدد الشخصيات؛ حيث تنص على أن هذه الشخصيات -التي يطورها الفرد- تُعتَبَرُ آليات دفاع نفسية تعمل على حماية الفرد من صدمات نفسية سبق أن تعرض لها. ومن ثم تتطور هذه الشخصيات لتصبح آليات دفاع تعمل على مواجهة الأفكار المكبوتة التي قد تتحول لتصرفات متطرفة. كما وتُعنى هذه النظرية بالأفكار الجنسية المكبوتة في لاوعي الفرد.
فالطريقَةُ التي يعرض فيها مسلسل “نزل بيتس” هذه النظرية لافتةٌ للانتباه بشكل كبير؛ حيث يبدو نورمان بيتس متعلقاً بأمه على نحو شديد الغرابة لدرجة أن يشعر بالانجذاب نحوها في بعض الأحيان، لكنه يحاول أن يكبت هذه الأفكار قد المستطاع. كما ويضمر نورمان الضغينة لأبيه الذي يسيء معاملة أمه، وفي ذات الوقت يخاف منه؛ مما يشير إلى معاناته من عقدة الخصاء. إضافة إلى ذلك، يقع نورمان في حب امرأة لأنها تشبه والدته المتوفاة، مما يثبت معاناته من عقدة أوديب.
التفسير الفرويدي لاضطراب الهوية التفارقي
كما ذكرنا سابقاً، تنص نظرية الديناميكية النفسية على أن اضطراب الهوية التفارقي ينتج عن صدمات نفسية متكررة في حياة الفرد؛ والتي غالباً ما تكون اعتداءات جنسية ذات علاقة بسفاح القربى. ففي مرحلة الطفولة المتوسطة تؤدي الصدمات النفسية المتكررة بالفرد إلى خلقه شخصيةً تعمل على حمايته والدفاع عنه عندما يواجه موقفاً يدعو للتوتر النفسي. ويطرأ هذا الانفصام في الشخصية في عمر مبكر -ما بين 2.5 و 8 سنوات. كما ويطور الفرد حالة الانفصام هذه كوسيلة تتيح له ما يلي:
- الهروب من الواقع
- إخفاء ذكريات الصدمات النفسية
- الانفصال عن شخصيته الحقيقية
- تسكين الألم النفسي
كما وقد يعاني الفرد من هذا الاضطراب عندما لا توضح له “الأنا العليا” الفرق ما بين الخير والشر؛ كعندمَا يحب أحد الوالدين طفله ولكنه يسيء معاملته عندما يغضب منه.
أما بالنسبة لنورمان، فلم يشهد صدمات نفسية متكررة أو حوادث اعتداءات جنسية ذات علاقة بسفاح القُربى من شأنها أن تؤثر على شخصيته. كل ما في الأمر أنه شهد محاولة اعتداء على أمه من قِبل والده، ولكنه قام بقتله قبل أن يشرع بذلك؛ وهذه هي المرة الأولى التي تسيطر فيها الشخصية الأخرى عليه وتقتل والده. فيعتقد نورمان أن والدته (نورما) هي من قتلت والده على الرغم من أن شخصيته البديلة هي من شرعت بذلك. ويلاحظ المُشاهد أن نورمان يبلغ السابعة من عمره عندما يهاجم والده، مما يطابق المجموعة العمرية لهذه النظرية. ونلاحظ أن العقل الباطن لنورمان قام بتطوير الانفصام في شخصيته كآلية هروب من الواقع؛ فلا يتذكر نورمان الأفعال التي قام بها أثناء تحكم الشخصية الثانية به، فكل شيء يبدو طبيعياً بالنسبة له عند استيقاظه من النوم. حيث وفرت له الشخصية البديلة -التي استلهمها من والدته- الحماية التي يحتاجها من الأسرار التي قد تلحق الضرر به؛ كقتله لوالده ووالدته.
علم النفس السلوكي واضطراب نورمان بيتس
عندما علِم نورمان بأفعاله التي اقترفها أثناء تحكم شخصيته الثانية به، اختفت هذه الشخصية من حياته للأبد. كما وذكر نورمان في إحدى المشاهد أنه يشعر أحياناً بإنه منفصل عن ذاته (depersonalization). وكان من الواضح عدم تذكر نورمان لسيطرة الشخصية البديلة على أفعاله ومن ثم قتلها لمن يحاول مهاجمته لقتله. ويتضح لنا أن مفهوم الخير والشر في “الأنا العليا” لديه مشوش ومُبهَم، خاصةً في المشاهد التي يكون فيها نورمان برفقة أمرأة ما؛ ففي هذه المشاهد، تسيطر الشخصية البديلة على تصرفاته وتقوم بقتلهنَّ بحجة أنهنَّ نساءُ سوءٍ.
وتعزو نظرية علم النفس السلوكي السبب وراء هذا الاضطراب إلى لجوء الشخصية المضطهدة في الفرد إلى تطوير شخصيات أخرى تعمل على حمايته وتزيد من حدة التحذيرات النفسية بهدف تجنب أي عواقب وخيمة. ولكن قد تسيطر هذه الشخصيات عليه حسب الظروف المحيطة؛ أي أنها قد تسيطر على الفرد وتصرفاته لسنوات طوال إن كان من الضروري أن يتجنب البيئة المحيطة به. وإحدى مسؤوليات هذه الشخصيات حِمايةُ الفرد من التوتر النفسي و الصدمات النفسية التي قد تلحق الضرر به. وبالتالي، يترسخ سلوك الشخصية الحامية وتسيطر على الفرد لعدة سنوات إن تكررت الأحداث المُشابهة. ويبدو هذا واضحاً في مسلسلنا عندما يسلم نورمان نفسه للشرطة إثر إدراكه لحقيقة قتله لعدد كبير من البشر؛ فتسيطِر الشخصية الحامية -والتي استلهمها عن شخصية والدته- على نورمان وتتحكم بتصرفاته لفترة طويلة إلى أن تساعده في الهروب من السجن.