الأشخاص الذين لا يتمتعون بالخيال تكون ذكرياتهم أقل حيوية وتفصيلاً (مترجم)
عندما يُطلب منا تخيل مشهد أو شيء ما، يكون معظمنا قادراً على استحضار صورة في أذهاننا. ولكن حوالي 2-5٪ من السكان لا يستطيعون القيام بذلك: فهم يعانون من حالة تسمى «أفانتازيا – Aphantasia»* وهم غير قادرين على إنتاج الصور الذهنية على الإطلاق.
والآن وجدت دراسة نُشرت في مجلة «كوغنيشن» تفيد بأن الأفانتازيا يمكن أن تؤثر على قدرات الذاكرة أيضًا. وأفاد الباحثون أن أصحاب الأفانتازيا لديهم ذكريات أقل تفصيلا وثراءً للأحداث في حياتهم؛ اكتشاف لا يكشف فقط المزيد عن الحالة، بل يسلط الضوء أيضًا على الدور المركزي للصور الذهنية في الذاكرة بشكل عام.
وقد أظهرت الأعمال السابقة أنه، أفاد الأشخاص الذين يعانون من الأفانتازيا عن عدم قدرتهم على إستحضار أي صور ذهنية تقريبًا عند تذكر الأحداث الماضية من حياتهم أو عند التفكير في الأحداث المستقبلية المحتملة. لكن هذه النتائج اُستندت إلى تصنيف المشاركين لقدراتهم الخاصة كما لاحظ أليكسي دويز وزملاؤه من جامعة نيو ساوث ويلز. لذلك قرر الفريق فحص ما إذا كان المشاركون الذين يعانون من الأفانتازيا يظهرون أيضًا قصورًا في الذاكرة في مقاييس أكثر موضوعية.
قام الباحثون بتوظيف 30 مشاركًا يعانون من الأفانتازيا و 30 مشاركًا في مجموعة ضابطة لم يكن لديهم أي مشاكل مع الصور الذهنية. ملأ جميع المشاركين استبيانات تطلب منهم الإبلاغ عن وضوح أنواع مختلفة من الصور الذهنية، بما في ذلك عند تذكر مشاهد من حياتهم. وجد الباحثون -كما هو الحال في الدراسات السابقة- أن المشاركين الذين يعانون من الأفانتازيا أفادوا بأن لديهم صورًا ذهنية أقل وضوحًا (على الرغم من أن صورهم المكانية،كما في الدراسات السابقة، كانت جيدة مثل تلك الخاصة بالمشاركين في المجموعة الضابطة).
وللحصول على مقياس أكثر “موضوعية” لقصور الذاكرة، نظر الفريق بعد ذلك في نوع المعلومات التي قدمها المشاركون عند وصف ذكرياتهم. فطُلب من المشاركين تذكر ستة أحداث في حياتهم، بالإضافة إلى التفكير في ستة أحداث مستقبلية افتراضية، وكتابة وصف لكل منها. ونظر الباحثون في تحليلهم إلى فئات مختلفة من التفاصيل الواردة في هذه الأوصاف (على سبيل المثال، التفاصيل المتعلقة بأحاسيس المشاركين أو أفكارهم أو مشاعرهم). وبعد كتابة كل وصف، أفاد المشاركون أيضًا بتجاربهم الذاتية الخاصة بحدث معيّن، مثل مدى حيويته ومقدار العاطفة التي شعروا بها.
وجد الفريق أن المشاركين الذين يعانون من الأفانتازيا قدموا تفاصيل أقل من مشاركين المجموعة الضابطة حول كلا النوعين من الأحداث. ويبدو أن هذا التأثير ناجم تحديداً عن قلة عدد التفاصيل البصرية التي دونوها؛ فلم تختلف المجموعتان في مقدار التفاصيل التي قدموها والتي تحتوي على حواسٍ أخرى مثل الشم أو السمع، أو تلك المتعلقة بجوانب أخرى من الحدث مثل الأفكار أو المشاعر التي مروا بها.
اختلفت المجموعتان أيضًا في كيفية الإبلاغ عن استعادة الذكريات وتخيل الأحداث المستقبلية. ومقارنةً بأعضاء المجموعة الضابطة، أشار مرضى الأفانتازيا إلى أن الأحداث كانت أقل وضوحًا واحتوت على تفاصيل حسية ومكانية أقل على سبيل المثال، كما أفادوا بشعورهم بعاطفة أقل عند التفكير في هذا الحدث.
وبشكل عام، تُظهر النتائج أن الأشخاص الذين يعانون من الأفانتازيا لديهم ذكريات أقل وضوحًا وتفصيلاً – خاصة عندما يتعلق الأمر بالتفاصيل المرئية-؛ وهذا التأثير واضح فيما إذا كانوا قد سُئلوا عن تجربتهم أو تم اختبارهم بطرق أكثر “موضوعية”. كتب المؤلفون أن النتائج التي توصلوا إليها تمثل “أول دليل سلوكي قوي على أن غياب الصور المرئية يرتبط بإنخفاض بشكل كبير في القدرة على محاكاة الماضي وبناء المستقبل”.
وحقيقة أن الأفانتازيا تُظهر هذا العجز تعني أيضًا أن الصور الذهنية هي بشكل عام جزءٌ مهم من تذكر الأحداث أو تخيل الأحداث المستقبلية. ولعل هذا لا يشكل مفاجأة كبرى -ولكن كما يشير المؤلفون، كان أمر من الصعب اختباره تجريبياً حتى الآن. ومع ذلك، تُظهر الدراسة أيضًا أن الصور الذهنية ليست كل شيء: فالأشخاص الذين يعانون من الأفانتازيا لا يزالون قادرين على استرجاع الذكريات في النهاية. عوضاً عن ذلك، يبدو أن التخيل الذهني ذو علاقة محددة بهذا الجانب من الذاكرة الذي يشمل “إعادة عيش” الأحداث في عقولنا.
• ماثيو وارين محرر مجلة الجمعية البريطانية لعلم النفس.
*أفانتازيا :(حالة لا يمتلك فيها المرء خيال ويكون لديه عدم قدرة على إنشاء صور ذهنية طواعية في ذهنه. تم وصف هذه الظاهرة لأول مرة من قبل فرانسيس جالتون في عام 1880 ولكنها ظلت منذ ذلك الحين غير مدروسة نسبيًا).