الفلسفة ووسائل الاتصال المعاصرة: إلهام فيتجنشتاين لفكرة الرموز التعبيرية

قبل ثمانين عامًا، كان للفيلسوف لودفيج فيتجنشتاين الفكرة العبقرية. لا أقصد تلك الفكرة عندما ادّعى أنه حل جميع الأسئلة الفلسفية العظيمة بعمر 29 عامًا فقط (كان ذلك في كتاب تراكتوس، الذي اكتمل في عام 1918 ونشر في عام 1921). ولا أقصد فكرة إدراكه لخطأ كتابه الأول، ليعلن إعادة الكرة في حل مشاكل الفلسفة مرة أخرى (كان ذلك في كتاب بحوث فلسفية، والذي نُشر بعد وفاته في عام 1953).

الفكرة العبقرية كانت في صيف عام 1938، أثناء محاضرة حول علم الجمال في جامعة كامبريدج، ليقول  فيتجنشتاين، “إذا كنت، مثلًا، رسامًا جيدًا، فيمكنني أن أنقل عددًا لا يُحصى من التعبيرات بأربع ضربات.” بمعنى آخر، لماذا تقول الأشياء في كلمات، بينما يمكنك قولهم من خلال الرمز التعبيري emogi؟

يُصوّر نص سلسلة محاضرات فيتجنشتاين (في الكتاب المُجمَّع محاضرات ومحادثات حول علم الجمال، وعلم النفس والمعتقد الديني Lectures and Conversations on Aesthetics, Psychology and Religious Belief ) ثلاثةَ وجوهٍ بسيطة: واحدة ذات عيون مغلقة ونصف ابتسامة، وواحدة ذات عيون مفتوحة وابتسامة كاملة.

يقول فيتجنشتاين: “كلمات مثل “متعجرف” و”مهيب” يمكن التعبير عنهن عبر الوجوه”، ويضيف فيلسوفنا: “عند القيام بذلك، ستكون أوصافنا أكثر مرونة ومختلفة عما تعبر عنه الصفات”. على سبيل المثال، يتم التعبير بشكل أفضل عن التجربة العاطفية لسماع مقطوعة من موسيقى شوبرت من خلال رسم لوجه بشريّ بدلًا من التعبير “حزين”.

يلاحظ بول هورويتش Paul Horwich، أستاذ الفلسفة بجامعة نيويورك، أن تعليقات فيتجنشتاين ليست مجرد ملاحظات هامشية، ولكنها ذات صلة بنظرياته الأوسع حول اللغة. في أعمال فيتجنشتاين السابقة بشكل خاص، أكّد على تأثير التواصل التصويري بدلًا من التواصل اللغوي. لقد اعتقد فيتجنشتاين أننا نمثل الواقع لأنفسنا مستخدمين اللغة وهكذا، بمعنى ما، نبني إحساسنا بالواقع من خلال اللغة. يقترح تأثير وتفسير الأشكال التصويرية للاتصال أننا نمثل الواقع باستخدام الوسائل التصويرية وكذلك اللغوية.

إعلان

يقول البروفيسور:”قد يميل شخص ما إلى الاعتقاد بأن كل ما يمكنك التفكير فيه أو نقله يمكن أن يتم باللغة. إن البعض يعتقد أن تفكيرك يتم بِلُغةٍ من نوع ما”. إن رسم الوجوه “يقر بطريقة التواصل غير اللغوية”.

يلاحظ هورويتش أن فيتجنشتاين كتب عن قوة الأشكال المختلفة للتمثيل التصويري، مثل الخرائط والتصاميم المعمارية والصور الواقعية والنماذج. لكن فيتجنشتاين ركز أيضًا على قوة الوجوه في الكتاب البني Brown Book، وهو مجموعة من محاضرات فيتجنشتاين في 1934-1935. يقول فيتجنشتاين:”عندما نرى وجهًا مرسومًا ببضع شرطات فقط (دائرة مستديرة، خط للأنف، وثلاثة خطوط صغيرة لعينين وفم)، لا نرى مجرد شرطات، ولكن تعبيرًا معينًا، وهذا التعبير “لا يمكن للكلمات أن تصفه بالضبط.”

يشرح الفيلسوف كريستوف نيري Kristóf Nyíri، من جامعة Pécs في المجر، أهمية هذه الظاهرة في مقال عن فلسفة فيتجنشتاين للصور:

ما ينطوي عليه كلام فتجنشتاين أن شخصًا ما لديه تجربة، والتي لا يمكن الإعراب عنها بالكلمات؛ على الرغم من أنه يمكن نقلها عن طريق الإشارة إلى رسم. يبدو أن نظام الاتصال لدينا غير مكتمل، ما لم تلعب الصور دورًا فيه.

 

إن استيعاب الرموز التعبيرية المعاصرة يشير بالفعل إلى جاذبية بديهية للتواصل التصويري. ولكنّ هناك فرقًا بين لوحة المفاتيح التعبيرية لهاتفك الذكي وتصور فيتجنشتاين للاتصال التصويري. يقول هورويتش إن فيتجنشتاين تخيل أن كل شخص يرسم وجوهًا فردية لإيصال المعنى، بدلًا من الاعتماد على الوجوه الموحدة كما نفعل اليوم. يقول هورويتش:” لا أعتقد أننا نحصل على التنوع والمرونة إلا إذا رسمت الوجوه بنفسك”. ويضيف: “أنت تجرف “الحزن” على وجه معين. فكرة فتجنشتاين كانت بدرجات مختلفة وظلال الحزن تأتي من الطرق التي تُرسم من خلالها.”

على الرغم من أن الرموز التعبيرية emogi ليست دقيقة مثل الرسومات التي تصورها فيتجنشتاين، إلا أن شعبيتها الهائلة تُظهِر أن الفيلسوف كان محقًا في تأثير الصور. الرموز التعبيرية فقط من يمكنها فعل ذلك.

إعلان

مصدر مصدر الترجمة
فريق الإعداد

إعداد: مروان محمود

تدقيق لغوي: ندى حمدي