الإسلاموفوبيا أم أكثر من ذلك؟
عداء يفتك بالمجتمعات المسلمة في العالم الغربي
أدمَتْ حادثة استشهاد ما يزيد على 50 مسلم وإصابة آخرين في عمل إرهابي قلوبَ العالم الإنساني بأسره، حيث شن همجيٌّ هجومًا منظمًا على مسجدين في نيوزيلندا مستهدفًا المصلين المدنيين أثناء صلاة الجمعة، إذ باغتهم وسط توسلاتهم وابتهالاتهم الربانية الصادقة ليطلق عليهم النار بواسطة سلاحه المتطور والذي خطّ عليه بقلمه أسوء عبارات العنصرية والإرهاب والتعصب غير المسبوق، ليرحل الشهداء إثر ذلك إلى عالم آخر ربما يتمكنون فيه من تحقيق ما حلموا به وما دعوا من أجله، أو على الأقل إلى عالم لا يُقتلون فيه بسبب اعتقادهم الديني المسالم.
استشرت ظاهرة عداء الإسلام كالداء في جسد هذا العالم لتطال حتى الدول الغربية التي ينظر إليها المسلمون كبلدان للتسامح والتعايش والتقبل والحريات مثل نيوزيلندا التي تحتضن عدة مجتمعات إسلامية كجزء من ثقافة المجتمع الغربي. لكن ما يثير الدهشة حقًا في هذه العملية دون غيرها هو التخطيط المسبق والعلني للمجرم والوحشية في طريقة استعراضه لمشاهد القتل مستلذًّا باللحظات وكأنه يقضي وقته في إحدى ألعاب الفيديو.
هذا التخطيط العلني الذي قام به المجرم والإعلان الصريح عن معاداة الإسلام والمسلمين اللذَيْن سبقا التنفيذ كانا جديرين بالمساءلة والمحاسبة القانونية له قبل أن تتطور الأمور ليمارس وحشيته دون أن يعترض طريقه أحد. ورغم معرفة ذلك وانعدام ردود الفعل القانونية اللازمة، إلّا أنه ببثه للهجوم مباشرة على الفيسبوك، فقد استغرق مدة لا بأس بها كانت كافية لوصول قوات الشرطة لديه لحفظ ما يمكن من أرواح الشهداء المزهقة بسخاء.
إنني أجهل إذا كانت عملية دنيئة كهذه ستستقبل بجدية أكثر وإجراءات صارمة لو أنها استهدفت أتباع ديانة أو توجه آخر غير الإسلام، وبالطبع لا تعكس هذه الشكوك أي تأييد للتعدي على أي كائن يكون، ولكنه طرح منطقي للواقع والتحديات التي يعايشها الإسلام فقط.
تبع ذلك العمل الشنيع الكثير من التعاطف الدولي واستذكار للكثير من الأحداث المشابهة متعلقة بالاسلاموفوبيا، لكن هل يقوم الإرهابيون فعلًا بتصرفات كهذه انطلاقًا من خوفهم من الإسلام وجهلهم به؟ لأن الخوف من أمر، جدير بجعلك تشعر بالرغبة في الابتعاد عنه وربما رفضه، لكن مهاجمته بتنظيم كهذا هي ليست مجرد محاولات فردية مستاءة من فتاة ترتدي الحجاب أو رجلٍ ملتحٍ، بل هي جهات تعادي الإسلام “كديانة” وتشجع على معاداته.
رافقَ ما سبق، الكثير من التبريرات المعتادة والأعذار الواهية التي تتلاعب بالكلمات وتتحايل على الحقائق الواضحة وضوح الشمس. وبذكر الكلمات وصياغتها، يَبرز الإعلام من جديد في محاولاته لفرض أيديوليجياته ضمن طرحه لمحتواه، فيسمي البعض ما حصل “خطاب كراهية” إلا أنه في الحقيقة “إرهاب”، كما يقول البعض “قتلى” في حين أنهم “شهداء” محاولًا التأثير في “اللاوعي الدولي” ليستعرض المسلمون على اختلاف أجناسهم في أسوء الصور.
تثير أحداث كهذه الذعر في قلوب المسلمين القاطنين في العالم الغربي، وحتى من يسعون لذلك لغايات العمل أو الدراسة أو الاستقرار، ربما يتحول ذلك فيما بعد لظاهرة “غربوفوبيا” لكن ذلك وإن حصل، فهو خوف غير مبالغ فيه لأنه لا قوانين ولا إجراءات حقيقية تمنع سفك دماء المسلمين وتحاسب الفاعلين بشكل جدي رغم وجود العديد من المنظمات العالمية التي تكتفي بالتنديد بتصرفات كهذه كجزء من الحملة المؤقتة وكمسايرة للجو الإعلامي المؤجج بالعاطفة والمفتقر لحل حقيقي ومساءلة ملموسة. إن المنشورات والتنديدات هي وسيلة الشعوب قليلة الحيلة للتعبير عن استيائها وتحديد موقفها، أما المنظمات الدولية والجهات الرسمية فهي مخولة بخطوات عملية قبل أن يقوم الشعب باتخاذها تمامًا في موقف مشابه لتبنيهم دور الشعب.
رحم الله شهداء السلام وتغمدهم برحمته، وعافى كل المصابين إثر هذا الحدث الأليم، وربط بالصبر والسلوان على قلوب أهالي وأحبة الشهداء الصاعدين إلى السماء عند كل الشهداء الذين سبقوهم حيث يضحكون ويتهامسون ويصلون، حيث يستذكرون أيامًا عاش فيها الناس على اختلاف أديانهم وأعراقهم جنبًا إلى جنب متذكرين أن ما يجمعهم أكثر بكثير مما يفرّقهم.