الركن الأول من أركان الإسلام – مفهوم الإيمان عمليًا
إنّ مفهوم الإيمان جزء لا يتجزّأ من حياة الإنسان، وكثيرًا ما يقول المفكّرون ناقدين لهذا الإيمان “إنه شكل من أشكال الضعف الإنساني”، وفي الحقيقة أنّ الحياة كلها شكل من أشكال الضعف الإنساني، حتى المعرفة والسعي، فالإنسان وُجِد ناقصًا ليسعى للكمال. وليس معنى أنّ الإيمان نتيجة ضعفٍ إنسانيّ أنه خطأ.
نجد أنّ الإنسان بطبعه مؤمن، يؤمن بشخص أو فكرة أو صنم أو إله، وأسمى مراحل الإيمان هي الإيمان بالله، وليس هذا الموضوع نقاشًا لمصداقية وجود الإله، إنما مقارنة نتائج هذا الإيمان بالحياة المثالية التي يسعى لها الفرد السليم.
الإيمان وقود النفوس:
إنّ البحث عن وجود شيءٍ ما مطلق ليتماهى به الإنسان هو سرّ هذا الوجود واستمرار الحياة، وإنّ هذا الشيء هو مفهوم الإله؛ اسمى ما توصّل له البشر وخلاصة الحضارات، وهو الأمر الذي اتفقت عليه أغلب الأديان، والأديان هي خلاصة حكمة البشر، وحتى الفلسفات.
لأنّ كلّ الأمور ضعيفة وهشّة ولا يجوز الإيمان بها إذ أنها تسقط ببساطة وتنهار. ونتائج الإيمان بالله تسبق الإيمان المادّيّ بمسافات شاسعة من حيث النتائج لأنها تتصدى لكلّ المخاوف وتحطّم كلّ القيود دون خوف أو خشية لأنّ “لا إله إلا الله” تعني أن لا سلطان إلا لله، ولا خوف إلا من الله ولا طاعة إلا لله.. وعندما تثبت هذه القاعدة تصبح النفوس مستيقظة حتى وهي في أعماق نومها.
فالإيمان بأنّ لا إله إلا الله هو الإرادة المطلقة، والإرادة هي وقود الانسان، والوقود المطلق لن يتسبّب في التوقف. ويقول القدماء إن ملأ الإيمان قلبك وقرّرت أن تنقل هذا الجبل ستنقله.
مفهوم الإيمان في القرآن:
تقوم العقيدة الإسلامية خاصةً على مفهوم أن لا طاعة إلا لله، وأنّ التوحيد هو الركن الأول في الإسلام. وأنّ الدنيا لا معنى لها إلا للجهاد في سبيل الله، والجهاد هو بذل الجهد، ولا علاقة له بالحرب أو الجهاد المسلّح تحديدًا.
ولقد قال القرآن عن اليهود والنصارى: “اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهًا واحدًا، لا إله إلا هو..”
وفي هذه الآيه توضيح لظروف اليهود والنصارى ومشكلة الإسلام منهم، أنهم اتخدوا من علمائهم ورهبانهم أربابًا، ويتبعونهم ويحلّلون لهم ما حرّم الله ويحرمون ما حلل الله. وبذلك وضعوا أنفسهم محلّ الإله وكان هذا السبب لتكفير أتباعهم.
“ما تعبدون دون الله إلا أسماءً سمّيتموها أنتم وآباؤكم، ما أنزل الله بها من سلطان، إن الحكم إلا لله أمر ألا تبعدوا إلا إياه، ذلك الدين القيّم ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون” – وفي هذه الآيه شرح لموقف القرآن من الوثنية أو العبادات الوضعية، والإخلاص لشيء دنيوي ووضعه محلّ الإله، وهذا نوع من أنواع الشرك بالله.
والقرآن كله آيات للتوحيد ومفهوم الإيمان الحق، والآيات تخاطب من يؤمن بالله ظاهرًا ويخضع لمصالح أو رغبات الدنيا، وليس الكافر بالله، وإنما من يعتقد أنه مؤمن وهو فاقد لمفهوم الإيمان وبذلك هو مشرك ولكن بشكل غير مباشر.
النهاية:
كانت قضية الإيمان بالله هي وقود الإنسان، ودعت إليها واتفقت عليها الأديان والأساطير والأفكار والقادة والفلاسفة، وفي أفكار أفلاطون وديكارت وروسو وغيرهم.. أدلة عديدة على وجود إله، وأحاديث سريعة عن مفهوم هذا الإيمان ونتائجه. فالمصريون القدماء شيّدوا الأهرامات نتيجة لهذا الإيمان، واليونانيون تفلسفوا بحثًا عن ذلك المطلق، والهند زهدت وتأملت تقديرًا لهُ، وهو المفهوم الذي أكده الدين الإسلامي عدة مرات، وحذّر من فقدانه والسهو عنه، لأنه الركن الأول من أركان هذا الدين والقاعدة المبدئية لهذه الدنيا وبدونه يسقط كل شيء ويفقد الوجود معناه.
المصادر: مختصر تفسير ابن كثير - محمد علي الصابوني في ظلال القرآن - سيد قطب