“محمود مختار” رائد فن النحت
محمود مختار، بطلٌ ورائد من أبطال النهضة المصرية الحديثة، أوَّل من استلم إزميل النحت من آخر نحات مصري قديم، وأحيا فن النحت منذ أن غربت شمس الحضارة المصرية القديمة، فهو رائد فنِّ النحت المصري بلا منازع.
ولد الفنان التشكيلي محمود مختار في العاشر من مايو عام 1891م ببلده طنباره إحدى قرى مركز المحلة الكبرى في أسرة بسيطة، ولأسبابٍ أسرية انتقل مختار للعيش بقرية “نشا” بالقرب من مدينة المنصورة في بيت جدته لأمه، فتعلَّم في كُتَّاب القرية، ثم رحل إلى القاهرة مع والدته عام 1902م وهو في الحادية عشر من عمره، وهناك التحق بإحدى المدارس الابتدائية.
وبسبب ميله إلى الفن التحق بمدرسة الفنون الجميلة في بداية إنشائها عام 1908م والتي أسَّسها الأمير يوسف كامل بحي درب الجماميز على غرار المعاهد الفنية في أوروبا، وافتتحت في 12 مايو من نفس العام، لتكون أوَّل مدرسة للفنون الجميلة في مصر.
كان مختار يمتلك موهبة أصيلة وذكاءً فنيًّا فريدًا، وقد كان متأثِّرًا بسبب نشأته الريفيَّة بنهر النيل وضفافه وحقول القرية، فاعتمد في أعماله على الفنِّ المصري القديم، كان الريف المصري هو العنصر الأصيل الذي اختاره في بحثه عن الخصوصية المصرية في فنِّ النحت فجمع في أعماله بين مشاعر الشعب وأفراحه وأحزانه.
في العشرين من عمره سافر إلى باريس عام 1911م في بعثة لمتابعة دراسة الفن، وتتلمذ هناك على يد المصور الفرنسي الأستاذ كوتان ثم على يد النحات الفرنسي انطونان مرسييه.
وفي عام 1913م شارك مختار في معرضِ صالون الفنانين الفرنسيين، فعرض تمثال “عايدة” والذي استوحاه من أوبرا عايدة للموسيقار الإيطالي فيردي، والتي قد وضع موسيقاها لحفل افتتاح قناة السويس زمن الخديوي إسماعيل، ليصبح أوَّل عمل فني مصري يُعرض في معارض مهمة لها وضعها في الحركة الفنية.
وخلال إقامته في فرنسا ثقلت موهبته وازدادت خبرته، وطُلب منه العودة إلى مصر ليصبح ناظرًا لمدرسة الفنون الجميلة العليا لكنه رفض المنصب، واستمر في باريس حيث عمل مديرًا لمتحف جريفين بباريس أثناء الحرب العالمية الأولى، فكان مصريًا صميمًا لم ينبهر بحضارة فرنسا، ولم تتغير طينته فكانت مصر تسكن داخله.
أعمال الفنان محمود مختار
لمحمود مختار الكثير من الأعمال الفنية، حيث يعدُّ التمثال الميداني الشهير (نهضة مصر) من أهم وأشهر أعماله.
والذي قال عنه الشاعر خليل مطران:
تمثال نهضة مصر أشرق جامعًا ناهيك بالرمز العظيم وقد حوى
أسنى مُني الأوطان في تمثال معنى الرقي وروح الاستقلال
كما حصد تمثالُ نهضةِ مصر الميدالية الذهبية لمعرض السراي الكبرى بالشانزليزيه، ومن أعماله (تمثالي الزعيم سعد زغلول) بالقاهرة والإسكندرية، كان الزعيم سعد زغلول في نظر مختار زعيمًا للأمة ورمزًا للصحوة ومقاومة المحتل الإنجليزي، ولمختار الكثير من الأعمال المهمة والرائعة نذكر منها:
الفلَّاحة، والحزن، والمتسوِّل، والأمومة، ونحو الحبيب ومناجاة العدالة، والإرادة، ورياح الخماسين، وحارس المزرعة، والعودة من السوق، وشيخ البلد، بالإضافة إلى تمثال أم كلثوم الذي حصد جائزة عام 1925م.
في يوليو 1933م، أجرِيت للفنان محمود مختار عملية جراحية خطيرة، وانتشرت السموم في جسمه فنصحه الأطباء بالعودة إلى مصر فغادر مرسمه بباريس وعاد إلى أرض الوطن وانتقل إلى جوار ربه في 27 مارس 1934م، بعد عمر قصير حوالي 43 عامًا، رحل وبقيت آثاره الفنية خالدة شاهدة على إبداع وموهبة لن تنساها مصر، وسيبقى اسمه في ديوان مجدنا المصري عنوانًا لنهضة الفن الراقي.
ولقد دعا المفكِّرون والشعراء إلى إحضار أعمال مختار الفنية من باريس، وإنشاء متحف شعبي خاص به في القاهرة، كما كتب الشاعر أحمد أبو شادي قصيدة حثًا على ذلك فيقول:
أيموت مختار العظيم ومصر تحيا سادرة؟! نُسيت مفاخره وقد صان الغريب مفاخره
وفاة محمود مختار
وبعد وفاته تنازلت أسرته عن أعماله الفنية للدولة استجابة لدعوة المفكرين والشعراء، بشرط إقامة متحف لها لكن الدولة لم تستجب أو بالأحرى تباطأت.
ومرَّت سنين طوال وفي عام 1962م أقامت الدولة متحفًا خاصًا لأعماله بحديقة الحرية بالجزيرة والذي افتتحه الدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة، فجمع المتحف آثار هذا الفنان العظيم.