Dead Man’s Letters رسالة سوڤيتية للعالم عن قيم الإنسان الحديث
فـي عام ١٩٨٦ حدث انفجار أثناء تجربة مفاعـل نووي في تشيرنوبيـل في أوكرانيا السوڤيتيـة، وفي نفـس العام أُنتج فلم روسـي سوڤيتي كرسالـة للعالم للحد من التجارب النوويـة وَالتسليـح النووي في عصرنا الحالـي وَالتي تشكل حيازتها قوة بحد ذاتها للدولـة المُصنعة لها؛ هذا الفلم هُو Dead Man’s Letters من أعظـم أفلام الخيال العلمي الذي يجمـع مابين الرؤيـة الدينيـة الأساطيريـة وَ العلميـة؛ بالإضافة إلى أنهُ من أقوى الأفلام العدمية الممزوجة بالتساؤل عن الوجود الإنساني!
يتخيـل فلم Dead Man’s Letters نهايـة التاريـخ الإنساني في ديستوبيا؛ مدينة مُدمرة بسبب الحروب النوويـة التي عرّت العلـم من أخلاقيتـه، لأجل ذلك نجـا القليـل من البشـر من هذا الدمار الشامـل، لكن سكنهُم لم يعـد في ظاهـر الأرض بل في باطنهـا، وَهذه صُورة الملائكة المُذنبـة التي عصت إرادة الرب فهبطت من السماء إلى الأرض وَعلمت الإنسان الحضارة وَالمعرفة فأهبطها الرب في ظلمات باطن الأرض لأنها مذنبة. وَالآن في نهاية العالم بسبب تطور العلم حتى صار عبارة عن تسليـح نووي، شاءت الأقدار أن يُحبس الإنسان بباطن الأرض تكفيراً عن جريمته. وَالمُلفت بالفلم أن أبطاله يعيشـون بسرداب لمتحـف يعرض القطع التاريخيـة، بذلك صُور الإنسان في النهاية كالقطعه الأثرية من الماضي!
الفلم يتحدث عن الوُجود الإنساني الأوروبي على الخصـوص الذي شهد الثورات العلميـة وَالفلسفيـة وَالرومانتيكيـة وَعن القيم المسيحيـة؛ فبطل القصة هُو عالم ظل مؤمناً أن نهاية البشرية لم تأتِ بعد، وَوسط انحلال البشرية آمن أن البشريـة ستبعث من جديد كما بعث المسيـح بعد موته في ظلمة قبره، لذلك في النهاية تبنى مجموعة أطفال يتامـى مجهوليـن ليكونوا هُم البشر الجُدد لعالم جديد! لكنّ الفلم يتساءل عن القيم التي سينشأ عليها الجيل المُنبعث من الموت، هل هي الحُب وَالسلام أم يجب استبدالها بالكراهيـة وَالحقد!
لطالما تحدثنا عن السـلام لكننا نصنـع أسلحة دمار ، لطالما تحدثنا عن الحُب لكننا في حقيقتنا نعيش المالتوسيـة بالصراع بين البشـر لأجل الأقوى، لذلك كانت رؤية الفلم عدميـة من ناحية القيم الإنسانية حيث يقول أن خط بداية خلق الإنسان هُو خط تاريخي لانتحاره البطيء، وَيطرح تساؤلات وجوديـة عن العمق الإنساني.
فلم Dead Man’s Letters من ناحية التصوير يدمج ألوانهُ بين الظلُمة وَلون الشفق، حيث لون غروب الشمس علامة غروب الإنسان وَانهيار العالم، كأنّ الزمن توقف وَمات، وَمات معهُ الإنسان وَالتاريـخ وَقيمهُ وَحضارتهُ وَعلومهُ. لكن في النهايه يأتي ٢٥ ديسمبـر لولادة ابن الإنسان أو النور الإلهي في ظُلمة البرد القارس ليتساءل الفلم: هل سينبعـث الإنسان من جديد بقيم جديدة وَيخلق عالماً جديداً مُختلفاً؟ ربما نحـن البشر نحتاج لإرادة فرانكشتاينيـة خيميائية لصناعة إنسان يختلـف عنا وَنمحو وُجودنا من التاريخ؟
الفلـم سوڤييتي وَغير مشهُور، لكنهُ بالفعل من أجمل الأفلام التي شاهدتها، أجواؤهُ نوعاً ما تشابه فلم الروسي أندريه تاركوڤسكي ( ستالكر ).
في حالة أعجبك المقال، ربما ستعجبك مقالات أخرى، نرشح لك
فيلم أبديه ويوم .. أوديسه يونانية عن الموت و الزمن
كوكب سولاريس و عبثية الوجود الإنساني
الخيال العلمي ما هو ؟ وكيف كانت بدايته؟