كيف يمكن لهرم ماسلو أن يغير حياتك؟
يُعد تسلسل ماسلو الهرمي «هرم ماسلو» للاحتياجات البشرية نظرية أساسية في علم النفس، ولكنها أكثر من مجرد استنتاج مفيد، يمكن لتلك النظرية -والتي صاغها إبراهام ماسلو عام 1943- مساعدتك في حياتك اليومية، حيث تنص النظرية على أن احتياجاتنا تتراوح في مدىً؛ من أساسي جدًا مثل متطلبات بقائك، مرورًا بأهداف أعلى مثل الإيثار والروحانية، وعادةً ما يقدم التسلسل بشكل هرمي، وإذا لم تلبى الاحتياجات في قاع الهرم، فتحقيق أهداف بقية المستويات أمرٌ بالغ الصعوبة.
لتوضيح الأمر، إذا كنت تتضور جوعًا أو بلا مأوى، فالأمر شديد الصعوبة، بل من المستحيل أن تلبي احتياجات المستويات الأعلى، مثل نيل احترام رفاقك، كما رأينا في إعلان سنيكرز: «انت مش انت وانت جعان».
يجيب هرم ماسلو على ما يبدو سؤالًا معتادًا لمشكلات سكان العالم الأول: إذا امتلكتُ كل شيء أحتاجه، فلمَ ما زلت غير سعيد؟ الإجابة التي يقترحها هرم ماسلو هي أنك قمت بتلبية احتياجاتك الأساسية، لكن ربما لم تقم بتلبية احتياجات المستوى الأعلى بعد، إنها حقًا فكرة مثيرة للاهتمام، ومن السهل أن نرى هرم ماسلو لا يزال وسيلة شائعة، ليس فقط لعلماء النفس، بل في التعليم والأعمال والإدارة أيضًا.
مستويات هرم ماسلو للاحتياجات البشرية
1- احتياجات حيوية
إذا لم تقم بتلبيتها، تموت.
تشتمل قاعدة هرم ماسلو على الاحتياجات الحيوية، تلك الأشياء التي لا نستطيع العيش بدونها: الهواء والطعام والدفء والنوم والمأوى، في هذا الجزء من التسلسل الهرمي تُعد كل الاحتياجات «احتياجات نقص»، نحتاجها لأننا ننزعج حين تكون ناقصة، أما في قمة الهرم فتوجد «احتياجات النمو»، والتي لسنا في حاجة لها لأنها ناقصة أو غير كافية، بل كي ننمو كأفراد.
يتراوح ترتيب التسلسل الهرمي هنا من الاحتياجات الأكثر أساسية إلى الاحتياجات الأكثر تقدمًا، على سبيل المثال: يمكنك الشعور بالانتماء الاجتماعي، ولكن هذا الشعور عسيرٌ إن كنت تعاني نقص الغذاء وفقدان المأوى، لذا إن كنت تعاني بخصوص احتياجات المستويات الأعلى من الهرم، فربما يستحق ذلك وضعها في الاعتبار إذا أشبعت كل الاحتياجات الحيوية في المستويات الأدنى، على سبيل المثال: أصبح نقص النوم لدى المراهقين وضعًا شائعًا وليس استثناءً، مع إقرار الاستبيانات بفشل ما يتراوح بين 50%:90% من المراهقين في إشباع تلك الحاجة الحيوية.
2- احتياجات الأمان
أي شيء يُشعرك بعدم الأمان يعني عدم إشباع ذلك الاحتياج لديك.
تأتي احتياجات الأمان مباشرةً بعد الاحتياجات الحيوية، لأنها ترتبط بصحتنا وسلامتنا أيضًا، مثل الحماية من العنف، وكذلك الأمن المالي، والبُعد عن الحوادث، وضمان وجود تأمين صحي، بشكلٍ عام تعني تلبية هذا الاحتياج عدم خوفك من أي شيء؛ لست خائفًا من تعرضك لحادث، أو مرض خطير، أو أزمات مالية، أو تعرضك لاعتداء جسدي، لكن تلبية هذا الاحتياج لا يدور فقط حول العيش في بلد آمنة بظروف اجتماعية جيدة، فالتنمر في مكان العمل أو المدرسة يعني عدم إشباع هذا الاحتياج.
3- الانتماء الاجتماعي
إنه مهم جدًا؛ إذ يساعدك حتى في إشباع احتياجاتك في المستويات الأدنى.
ثمة نسخة أحدث من هذا الاحتياج، حيث أصبح يُشار إليه على أنه الحاجة إلى «الشعور بالانتماء والحب»، وهو ربما تعبير أدق عن متطلباته، إننا نحتاج إلى الصداقة والعلاقات العائلية والارتباط الحميمي بالغير، ويلبي مختلف الناس في مختلف المجتمعات هذا الاحتياج بطرق شتى؛ بالنسبة للبعض، فهو يُلبى من خلال العائلة الممتدة، وبالنسبة للبعض الآخر، قد يكون عن طريق أنشطة منظمة مثل مجتمع الكنيسة، وبالنسبة لآخرين، قد تلبي شبكة من الأصدقاء والعلاقات العاطفية هذا الاحتياج.
من الجدير بالذكر أن تلبية هذا الاحتياج يمكّننا من التغلب على نقص احتياجاتنا الأساسية؛ فمن يعانون في مناطق الحرب (يفتقرون الأمان) أو المجاعات (يفتقرون الغذاء) غالبًا ما تساعدهم على الصمود قوة علاقاتهم مع الآخرين.
4- التقدير
الشعور بالتقدير وبالكفاءة أيًا كان مصدرهما، يشبع هذا الاحتياج.
لاحظ ماسلو أن التقدير يأتي بصورتين مختلفتين، الصورة الأدنى هي الحاجة إلى التقدير من الآخرين، فنحن نحتاج أن يحترمنا زملاؤنا ورفاقنا وأصدقاؤنا، وأن يحترموا ما نقوم به ويقدّروا مساهماتنا في المجتمع، وأن تكون نظرتهم إلينا إيجابية، وغالبًا ما يُشار إلى الاحتياج للتقدير في سياق مكان العمل، ولهذا ليس من المستغرب أن يشتهر هرم ماسلو بين مدربي الإدارة وإدارة الأعمال، لكن التقدير من أصدقائنا أمرٌ مهمٌ أيضًا.
أما بالنسبة للصورة الأعلى من التقدير فهي تقدير الذات أو احترام الذات؛ وهي الأعلى لأن من لديهم تقدير ذاتي تظل حاجتهم إلى التقدير مشبعة حتى مع عدم احترام الآخرين لهم، وعند عدم تلبية أيٍ من صورتَي التقدير، نشعر بانعدام القيمة أو قلة الحيلة أو الدونية، وتُصنَّف الحاجة إلى الانتماء والتقدير كاحتياجات نفسية.
4.1 – الاحتياجات الإدراكية
لا تحتاج لأن تنال الدكتوراه، لكن لا يزال فضولك بحاجة للإشباع.
يضم هرم ماسلو أربع مستويات فقط، لكن على مر السنين قام بتعديله وإضافة مستويين آخرين إليه، يعامل أولهما على أنه مستوىً خامس، لكننا نلتزم بترقيم ماسلو الأصلي، لذلك سميناه 4.1.
تعطي الاحتياجات الإدراكية إضافةً منطقية لمستويات ماسلو الخمسة الأصلية، إنها الحاجة للمعرفة، شعورنا بالفضول، رغبتنا في الاستكشاف والتعليم والمعنى، بينما تبدو كاحتياج فكري ثقافي، يُلبى بقضاء ساعات طويلة في المكتبة، فليس بالضرورة أن تكون كذلك، ليست الاحتياجات الإدراكية احتياجات أكاديمية، بل من الممكن تلبية هذا الاحتياج بمحاولة فهم أصول العداوة بين أحمد سعد وسمية الخشاب، أو مجدي شطة وحمو بيكا (بالطبع إذا كان لديك الفضول لذلك).
4.2 – الاحتياجات الجمالية
تجربة الجمال، بأي شكل، دون امتلاكه تعنى بهذا الاحتياج.
تعتبر حاجتنا للجمال إضافةً أخرى إلى هرم ماسلو الأصلي، إنها رغبتنا، منفصلةً عن أي شيء آخر، في اختبار الجمال بأي شكلٍ كان، قد تكون أي شيء، بدايةً باختبار روعة الطبيعة البكر في الحديقة القومية، إلى الإعجاب بلوحة زيتية جميلة، ولا ينبغي أن نراها احتياجًا ماديًا -إنها ليست حول امتلاك لوحة زيتية- وإنما الرغبة في تجربة الجمال، أو ما يسميه الشعراء الرومانسيون والفنانون «المهيب أو المتعالي» (The Sublime).
5- تحقيق الذات
«لقد فعلتها!»
تتمثل قمة هرم ماسلو الأصلي في تحقيق الذات، يُعد هذا أصعب مستوى في تعريفه تقريبًا، لأنه يعني أشياءً مختلفة لأشخاص مختلفين، بصورة عامة، فهو يدور حول توجيه كل جهدك نحو كل الأمور المهمة بالنسبة لك، إنه ليس حول الاعتماد على آراء الآخرين، بل حول معرفة ما يهمك ثم تحقيقه والشعور بالرضا فيه، إنه ينطوي على مستوىً أعلى من الوعي الشخصي، وعلى عكس باقي احتياجات الهرم، لا يمكن تحقيقه دون تلبية احتياجات الفرد الأساسية، لقد شعر ماسلو أن تحقيق الذات أمرٌ نادر الحدوث، لأنه نادرًا ما تتوافق أهداف الناس مع حياتهم.
5.1 تجاوز الذات
مساعدة الغير بإيثار على تلبية احتياجاتهم.
تنتقد الكتابات المتأخرة لماسلو فكرته المبكرة عن تحقيق الذات على أنه قمة هرم الاحتياجات، وبدلًا من ذلك، اقترح مفهوم تجاوز الذات، والذي ينطوي على مساعدة الغير على تحقيق ذواتهم، وقد كتب قبل موته بقليل: «يشير التجاوز إلى المستويات العليا والأكثر كلّانية وشمولًا للوعي الإنساني، وهو الشعور نحو ذات الشخص نفسه والأشخاص المهمين له والبشر عمومًا والأنواع الأخرى والطبيعة والكون نفسه كأنها غايات في ذاتها وليست وسائل، والتعامل معها على هذا الأساس»، إن بدا ذلك كشيء روحاني فتلك كانت نية ماسلو بالضبط، ففي النهاية، يعتبر تجاوز الذات، أو شيء من هذا القبيل، هدفًا أساسيًا للكثير من الأديان.
انتقادات حول هرم ماسلو
من المثير أن هرم ماسلو قد صمد جيدًا رغم أنه طُرح قبل ما يزيد عن السبعين عامًا وصيغ بطريقة علمية مريبة، حيث شعر ماسلو -بكلماته الخاصة، والتي تحمل إيحاءات يوجينية [الأفكار المتعلقة بتحسين النسل البشري]- بأن «دراسة عينات من المعاقين والعجزة والعاطلين وغير الناضجين وغير الأصحاء لن تعطي إلا علم نفس معاق وفلسفة معاقة».
وبدلًا من ذلك، درس مذكرات وكتابات ثمانية عشر شخصًا اعتقد بأنهم حققوا ما أسماه تحقيق الذات، تبدو القائمة كمحاولة لطالب بالابتدائية لذكر أكثر الشخصيات البارزة في التاريخ أكثر من كونها دراسة نفسية جادة، وتضم ألبرت أينشتين ومهاتما غاندي وأبراهام لينكولن وتوماس جيفرسون وجين آدامز وإليانور روزفلت وفريدريك دوجلاس وألدوس هكسلي ولودفيج فان بيتهوفن، إنها قائمة منحازة تجاه الذكر الأبيض الغربي بشكل واضح، وتضم أناسًا من غير المرجح أنه يعرفهم بما يكفي لتحديد ما إذا كانوا قد حققوا ذواتهم أم لا.
اقرأ أيضًا: لا للتعايش، لا للتسامح، لا للاختلاف، لا للاعتراف
هذا الأساس المريب ليس إلا أحد الانتقادات الموجهة إلى هرم ماسلو، انتقادٌ آخر هو أنه يمكن الطعن في صحة مبدأ التسلسل الهرمي في حد ذاته؛ إذ يمكن القول أنه في الجزء الأكبر من التاريخ، لم تكن الاحتياجات الأساسية لمعظم البشر ملباة، فهل هذا يعني أن أيًا منهم لم يحقق ذاته؟ أم أنه في حقيقة الأمر، يمكن للاحتياجات الأعلى أن تحفزك وتدفعك حتى لو كانت احتياجاتك الأساسية، مثل الغذاء والمأوى، لم تُشبع بعد؟
كما أن تركيز ماسلو على سكان المجتمعات الغربية ينعكس في الاحتياجات المدرجة في الهرم، وهناك طرحٌ بأن تلك الاحتياجات ليست احتياجات بشرية عامة، لكنها احتياجات من يعيشون في مجتمع فردي وليس جمعي، أما في تسلسل هرمي جمعي للاحتياجات، بحسب ذلك الطرح، فإن الانتماء هو الأساس، والتقدير الذاتي لا محل له، وأن قمة التسلسل الهرمي مرتبطة بتحقيق الأهداف المجتمعية عوضًا عن الأهداف الشخصية.
ما يمكنك تعلمه من هرم ماسلو
لا يزال هرم ماسلو مفيدًا برغم تلك الانتقادات، فيمكنك ببساطة أن تنظر إليه كفكرة ملهمة، وليس قولًا فصلًا بشأن الاحتياجات البشرية، وإليك بعض طرق الاستفادة من هرم ماسلو في حياتك:
1- في حياتك الشخصية
شيءٌ ما يحبطك، لكنك لا تعرف ما هو بالضبط.
من المفيد أن تستخدم هرم ماسلو عندما تشعر بأن هناك شيئًا ما يحبطك ولكنك تجهل ماهيته، سيساعدك النظر في الاحتياجات المختلفة على تحديد ما ينقصك بالضبط، سواء كان ذلك احتياجًا إدراكيًا لتقديم بعض الإثارة إلى خلاياك المخية، أو قضاء بعض الوقت مع بعض الأصدقاء لتشعر بالانتماء الاجتماعي.
2- في القيادة والإدارة
تلبية احتياجات المجموعة يمكن أن يكون تحديًا معقدًا.
إذا كان لك دورٌ قيادي بأي شكل، يمكنك اكتشاف فائدة هرم ماسلو بنفسك وكم هو مفيد للمدراء، واستخدامه للتأكد من تلبية احتياجات مرؤسيك باعتدال، لنقل إنك تدير مجموعة لعمل خيري ما، يمكن لذلك أن يمنح شعورًا بالانتماء والتقدير من الآخرين واحترام الذات بسبب فعل شيءٍ ذي قيمة، وأيضًا تلبية الاحتياج الإدراكي بتقديم تحدٍ جديد، لكن إن كانت تلبية هذه الاحتياجات في منطقة خطيرة، فأنت لا تلبي احتياجك للأمان، وستحتاج لوضع ذلك في الاعتبار.
3- في التذكير بأهمية المشاعر
لا يُشار إلى هذا الأمر بوضوح في العادة، ﻟﻜﻦ ﺗﻠﺒﻴﺔ ﺍلاﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺕ في هرم ماسلو يتعلق بما «نشعر» به تجاه الأمور بقدر ما يتعلق بما هي «حقيقة» الأمور بالفعل، معظم الاحتياجات في الهرم لا تُلبى بالحقائق الجامدة الباردة، بل بما يغير مشاعرنا تجاه أنفسنا والأشخاص والبيئة من حولنا، فإذا علمت بشكلٍ منطقي أن احتياجاتك مُلباة، لكنك لا تستطيع إقناع نفسك شعوريًا بذلك، فهرم ماسلو سيساعدك على فهم سبب عدم كفاية ذلك لإسعادك.
4- في ضبط طريقة نظرنا إلى الأمور
في حياتنا اليومية نركز في الغالب على احتياجاتنا الأساسية والنفسية؛ حيث ننشغل عادةً بما إذا كنّا نتناول طعامًا صحيًا أو نحصل على كفايتنا من النوم، وكيف ينظر إلينا أصدقاؤنا، أكثر من انشغالنا بما إذا كنّا قد لبّينا احتاجاتنا لاختبار الجمال وتحقيق الذات، يذّكرنا هرم ماسلو بما هو مهم ويستحق السعي إليه بدلًا من الانغماس في صغائر الأمور، كما أن كون قمة الهرم يتطلب الدعم من قاعدته يذكّرنا بأهمية الاعتناء بالأشياء الصغيرة أيضًا، وعدم إهمال رفاهيتنا الشخصية في مسعانا نحو هدفٍ عظيمٍ بعيد.
نرشح لك: الأخوة كارامازوف.. دوستويفسكي والنفاذ لأسارير النفس البشرية
المصدر: https://www.oxford-royale.com/articles/5-levels-maslows-hierarchy-needs-affect-life.html?fbclid=IwAR16ZZLj4G8e4cV5UXzBGvMAgjmgtWIhzhKn00jWqsABGUrmSR8glMgAlvI