كازابلانكا: عن الوهمِ الذي نعشقُه
الحب هو كذبتُنا الصادقةُ.
“كازابلانكا”، المدينة التي نهوى وتداعب حسناواتُها خيالنَا دومًا أو “كازابلانكا”، رائعةُ هوليوود القديمة باستديوهاتها الساحرة، الفيلم الذي أٌنتِج في العام 1942م من إخراج “مايكل كورتيز” وبطولة “همفري بوجارت” و “إنجريد بيرجمان“. الفيلم كما هو معروفٌ تمَّ إنتاجُه من وجهة نظر أمريكية بحتة لتمجيد دور الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية ومحاولاتها إنقاذِ أوروبا والوقوف في وجه الرايخ الألماني الجامح، والفيلم مُقتبَس من نصٍّ مسرحيِّ بعنوان “الكلُ ًيأتي إلى ريك”. “ريك” الأمريكي الغامض مالكُ المقهى الشهير في كازابلانكا و”إلزا” الإسكندنافية الحسناء.
نرشح لك:مراجعة فيلم can you ever forgive me قصة صامتة ولكنها قصة لاتنسي
دائمًا ما كان يشغلُني سؤالٌ، ما الذي يجذبُني لذلك الفيلم؟
برغم علمي المسبق بالعديد من الأخطاء المنطقية التي وقع فيها صانعوه سواء في كتابة النص أو في الأحداث التاريخية أو حتى في نطق الممثلين لبعض العبارات التي وضعت المُشاهِد في حيرة أبدية.
لنبدأ بالأخطاء التي نغفلها دومًا:
١- الفيلم الذي افترض أن طريق الهروب من أوروبا كان عن طريق كازابلانكا ثم العودة مرة أخرى إلى لشبونة ثم الطيران إلى أمريكا (الحرية) وذلك على عكس المعروف وقتها من أن طرق الهروب من جحيم الحرب في أوروبا كان لها طرق أخرى.
٢ – أو ما يتعلق بالأحداث التاريخية كاحتلال النازي لفرنسا ومستعمراتها في شمال أفريقيا بالتبعية أو مايتعلق بحكومة “فيشي” وحكومة فرنسا الحرة بقيادة الجنرال “ديجول” .
٣ – أو ما ظل لغزًا حتى الآن حول نطق أحد شخصيات الفيلم –أوجارتي- لاسم الشخص الذي وقّع على خطابين لتسهيل مرور حامليهما في الأراضي الفرنسية هل هو الجنرال”ويجان” الجنرال العام لحكومة فيشي كما جاء في الترجمة الفرنسية للفيلم –وهو التصوُّر الأوقع بالمناسبة- أم الجنرال “ديجول” قائد حكومة فرنسا الحرة كما جاء بالترجمة الإنجليزية.
كلُ ماسبق ندركه جيدًا لكن يبقى السؤال، لماذا نعشق الفيلم ونشاهده مراراً؟!
لو اتبعّنا علم السيميولوجيا ندرك أنه كما قال الفيلسوف الإيطالي العظيم “أمبرتو إيكو”:
– ” كازابلانكا ليس مجرد فيلم واحد، بل هو عدة أفلام مجتمعة”. أو حتى إشارته لخرافة التضحية التى تحدث طوال أحداث الفيلم، تلك الخرافة التي دائمًا ما نجلد بها ذاتنا، الخرافة التي أودت بمملكة “ريك” وكشفت تلك القوة المصطنعة خلف قناع من القسوة واللامبالاة يرتديه طول الوقت، دون أن يعلم أحدٌ أنّ “ريك” الذي يحمل باريس في قلبه كمكان أبدي للضعف(الحب) تفضحه كلمات أغنية…
you played it for her, you can play it for me , If she can stand it , I can –
Play it Sam…
اعزفها مرة واحدة يا سام:
أو كما قال الشاعر:
“AS TIME GOES BY
فشل المنبه في فضح المعنى في رأسي
وأنا مصدّق إن إلزا كانت بتحب ريك
أو إنه سلّم سطوته فجأة..
لما لمح ف عينيها حسرة على اللي فات
عمركم شفتم عيون “إلزا” بتلمع زي ماعشتها
كدابين لو قلتوا آه..كدابين لو قلتوا لأ ”
يمكن جدًا أن تكون الموسيقى سببًا..أعتقد أنّ عشّاق موسيقى الجاز مثلي يمكن أن تأسرهم الأغنية بكل نسخها المتاحة أو حتى تسحرهم الفاتنة السويدية حين تنطق جمالًا بعيون يفضحها عشقها:
PLAY IT ONE SAM , FOR OLD TIME SAKE–
أو كما قال أحدهم ذات مرة في فيلمٍ آخر : ” هذا ما أعشقه في الموسيقى.. تجعل أحد المشاهد التافهة تصبح فجأة ذات معنى أكثر.. كل هذه التفاهات تتحول فجأة إلى جمال”.
– هل يمكن أن أخبرك قصة؟”
– هل نهايتها حزينة؟!”
سببٌ آخر يحملنا على أن نحب فيلم كازابلانكا. النهاية الحزينة، لا أعلم ما الذي يجذبنا للنهايات الحزينة، ويجعلها تبقى في الذاكرة؟
كلمعة دموع “إلزا” حين طلّ “ريك” في منتصف المقهى بعد غياب سنوات من آخر لقاء في باريس , أو حتى إيماءة رأس “سيب” ل “ميا” في فيلم “لالا لاند” لا أدري. يمكن أن يكون للأمر علاقةٌ بتجاربنا الحياتية السابقة، وأظن أنّنا لو قمنا بإجراء استطلاع رأي المشاهدين أنفسهم فإنّنا لن نصل إلى إجابة قاطعة.
٤ – وأخيرًا تبقى خرافة التضحية، تأسرنا عندما نرى “ريك” يبكي بمفرده أطلال حب وذكرى ولقاء. بمدينة نحملها في قلوبنا ولا نراها باريس(الحلم). أو كما قال هو في النهاية: “ستكون باريس دائمًا معنا”.
“ريك” الذي مضى وحيدًا في المطار بعدما أرسل حبيبته بعيدًا إلى وطنه الآمن بصحبة رجلٍ آخر، ريك الذي لم يكن أبدًا حرًا ولا قويًا كما كان يزعم، كان أسيرًا لسطوة “إلزا” الأبدية، وهذا سببٌ آخر يخلده في أذهاننا.
أو كما قال “محمود درويش” :
لو كان حرًا لما صار أسطورة.